
السؤال:
المستمع علي النجمي يقول: ما الحكم فضيلة الشيخ إذا سها الإمام، فوقف في الركعة الثالثة من غير أن يجلس للتشهد الأول؟ وهل يجب على المأمومين أن يقول: سبحان الله أم لا أرجو الإفادة؟
الجواب:
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، السهو في الصلاة أمر لا يلام عليه الإنسان؛ لأن كل بشر ينسى، ولهذا وقع من أكمل الناس خشوعاً، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه نسي في صلاته، فصلى مرة خمسًا، وصلى مرة ركعتين، وسلم في صلاة الظهر، أو العصر، وترك التشهد الأول مرة، فقام عنه، ولم يجلس، وقال عليه الصلاة والسلام: «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني». وسجود السهو يخفى حكمه على كثير من الناس لا أقول على العامة فقط، ولكن على العامة والخاصة قد يشكل عليهم شيء من أحكامه، والذي يجب على الأئمة خاصة أن يعرفوا أحكام هذا الباب حتى إذا وقعوا فيه عبدوا الله فيه على بصيرة، ومن ثم إني أحب أثناء جوابي على سؤال السائل أن أذكر شيئاً من أحكامه ملخصاً، فأقول أسباب سجود السهو ثلاثة؛ زيادة، ونقص، وشك، فأما الزيادة مثل أن يزيد الإنسان ركوعاً في غير محله، أو سجوداً في غير محله، أو جلوساً في غير محله، أو قياماً في غير محله؛ مثل أن يركع في الركعة الواحدة ركوعين، أو أن يسجد ثلاث سجدات، أو أن يقوم في محل جلوس، أو أن يجلس في محل قيام، هذه الزيادة إن تعمدها الإنسان فيتعمد أن يركع ركعتين، أو أن يجلس ثلاثاً، أو أن يقوم في محل جلوس، أو يجلس في محل قيام إن تعمد ذلك بطلت صلاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، ومن المعلوم أن ركوعين في ركعة في غير صلاة الكسوف، أو ثلاث سجدات في ركعة ليس عليه أمر الله ورسوله، فيكون باطلاً مردوداً، وأما إذا وقع منه سهو، فإن صلاته لا تبطل، لكن عليه أن يجلس للسهو، ويكون سجوده بعد السلام، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سها في صلاته، فصلى خمساً؛ سجد سجدتين بعدما سلم حينما ذكّروه بذلك بعد سلامه، ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سجد السجدتين بعد أن ذكّروه بالزيادة لم يقل: إذا زاد أحدكم أن يسجد بعد أن يسلم، بل أقر الأمر ما هو عليه، ودليل آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من ركعتين في صلاة رباعية؛ الظهر، أو العصر ذكروه، فأتم صلاته، وسلم، ثم سجد سجدتين بعد أن سلم، وهذا سجود للزيادة؛ لأن الإمام زاد التسليم في أثناء الصلاة، فنأخذ من هذه قاعدة أن سجود السهو إذا كان سببه الزيادة، فإنه يكون بعد السلام، وكما أن هذا مقتضى الدليل الأثري؛ أي مبتدأ ما جاء في السنة، فهو أيضاً مقتضى الدليل النظري، وهو أن يكون السجود بعد انتهاء الصلاة؛ لئلا لا يجتمع في الصلاة زيادتان، هذا حكم السجود عن الزيادة، أما السجود عن النقص، ولا يكون هذا إلا في نقص الواجبات، فإنه يكون قبل السلام مثال ذلك لو نسي الإنسان أن يقول: سبحان ربي الأعلى، وهو ساجد، فإنه يسجد للسهو قبل السلام، وتصح صلاته، وكذلك لو نسي التشهد الأول كما في سؤال السائل حتى قام، واعتمد فإنه لا يرجع إليه، بل يستمر في صلاته، ويسجد سجود السهو قبل السلام، وأما الشك وهو السبب الثالث، فالشك إما أن يكون بعد انتهاء الصلاة/ أو يكون وهماً لا حقيقة له، أو يكون من شخص يكثر عنده الشكوك بحيث أن لا يصلي إلا ويقع منه الشك، ففي هذه الأحوال الثلاث لا يعتبر شيئاً؛ أي لا يعتبر هذا الشك شيئاً، فلو أن المصلي لما سلم شك هل صلى صلاة تامة أو ناقصة، فإن هذا الشك لا يضره؛ لأنه قد انتهى من عبادته، والأصل أنه إنما أتى بها على الوجه المطلوب، فلا يؤثر على الشك؛ ولأنه لو فتحنا هذا الباب؛ لتسلط الشيطان على كل فاعل عبادة يشككه فيها بعد أن ينتهي منها، فنسد الباب على الشيطان، ونقول: الشك بعد الفراغ من العبادة لا أثر له نعم لو تيقن فهنا يعمل باليقين، ولنضرب بها مثلاً؛ لو أن المتوضئ توضأ، ولما انتهى شك هل مسح رأسه أم لم يسمح؟ نقول له: لا أثر لهذا الشك، امض لما تريد ووضوئك تام إلا إذا تيقن أنه لم يمسح رأسه، فحينئذٍ يعمل بيقينه ويمسح رأسه ويغسل رجليه إذا ذكر في زمن قريب، وكذلك في الصلاة، ولو سلم الإنسان من صلاة الظهر، وشك هل صلى صلاة أم أربعاً، نقول: هذا الشك لا أثر له ولا سجدة له ولا تسجد للسهو ولا تأتي بركعة، انتهى العمل إلا إذا تيقنت أنك لم تصل إلا ثلاثاً فحينئذٍ تأتي بالرابعة، وتأتي بالسهو وتسلم إن كان عند ذلك في وقت قريب، وإذا كان بعد مدة طويلة، فإنه يجب عليك إعادة الصلاة من أولها، الشك الثاني مما لا يعتبر أن يكون الإنسان كثير الشكوك، فهنا لا يعتبر الشك ولا يلتفت إليه؛ لأن كثير الشكوك خارج عن الطبيعة الأصلية للبشر، فيكون هذا الشك مرض ووسواساً لا يلتفت إليه، وعلى هذا كان كلما صلى شك هل أتم أم لم يتم، نقول: لا تلتفت إلى الشك ألغه، ولا كأنه شيء ذلك إذا كان الشك وهماً؛ لأنه مجرد وهم، ليس حقيقياً، فإنه لا يلتفت إليه أيضاً، ولا يؤثر عليه؛ لأنه نوع من الوساوس، فإذا كان الشك حقيقياً في أثناء الصلاة بأن شك هل صلى ثلاثًا أم أربعاً، فإننا نقول: لا يأخذ هذا الشك من حالين: الحالة الأولى أن يكون لديه ترجيح بين الطرفين، فيعمل بالراجح، ويتم عليه، ويسجد للسهو بعد السلام، الحالة الثانية ألا يكون عمل ترجيح، بل يكون متساوي الطرفين، فيبني هنا على الأقل؛ لأنه متيقن، ويتم عليه، ويسجد للسهو قبل السلام، وبهذا عرفنا أن الشك تارة يسجد له قبل السلام وتارة يسجد له بعد السلام، فإن كان الشك فيه ترجيح لأحد الاحتمالين عمل للراجح، وأتم عليه، وسجد بعد السلام، وإن كان الشك ليس فيه ترجيح لأحد الاحتمالين، بل هما سواء، فإنه يعمل بالأقل، ويتم عليه، ويسجد للسهو قبل السلام، وبهذا التفصيل جاءت السنة، وعلى هذا نضرب مثلين؛ المثل الأول: رجل صلى الظهر، وشك هل هذه الركعة الثالثة، أو الرابعة، وترجح عنده أنها هي الرابعة، فنقول: هذه آخر ركعة من ركعاتك، فسلم، ثم اسجد للسهو بعد السلام، وإذا ترجح عنده أنها هذه هي الثالثة نقول: هذه الثالثة فأت بركعة، وسلم، واسجد للسهو بعد السلام، هذا مثال المثال الثاني؛ رجل يصلي الظهر، فشك في الركعة هل هي الرابعة أم الثالثة ولم يترجح عنده شيء، ففي هذه الحال نقول: اجعلها ثالثة؛ يعني الأقل، وأتم الصلاة؛ يعني ائتني بالرابعة واسجد للسهو قبل السلام؛ لأن الشك هنا ليس فيه ترجيح، والشك الذي ليس فيه ترجيح يبني فيه الإنسان على اليقين، وهو الأقل، ويسجد للسهو قبل السلام، وهنا مسألة لو أن الإنسان بنى على اليقين، أو على المترجح، ثم تبين له أنه مصيب فيما فعل، فهل يسجد للسهو، أو لا يسجد فيه قولان لأهل العلم؛ فمنهم من قال: لا يسجد؛ لأن الشك زال باليقين، وتبين أن فعله ليس فيه زيادة ولا نقص، ومنهم من قال: يسجد؛ لأنه أدَّى جزءًا من صلاته متردداً فيه، فجبراً لهذا التردد يسجد للسهو، مثال ذلك رجل يصلي الظهر فشك هل هو في الثالثة، أو في الرابعة شك متردد فيه ليس فيه ترجيح فماذا نقول له؟ نقول: ابني على اليقين، والأقل اجعل هذه هي الثالثة وأتى بركعة ففعل، فلما كان في التشهد الأخير ذكر أن هذه الركعة الأخيرة فهل يجلس للسهو أو لا يسجد؟ فيه خلاف الذي ذكرته فإن سجد فهو خير وإن ترك فلا حرج عليه.