حكم رفع اليدين للدعاء بعد الفرائض والسنن والمسح على الوجه
مدة الملف
حجم الملف :
5153 KB
عدد الزيارات 11367

السؤال:

 ما حكم رفع اليدين بالدعاء بعد الصلاة بعد صلاة الفرائض والسنن والمسح على الوجه؟

الجواب:


الشيخ: هذه الحقيقة فيها ثلاث مسائل؛ المسألة الأولى: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، فقد اختلف العلماء رحمهم الله في استحبابه، فمنهم من استحب، ومنهم من رأى أنه بدعة، وهذا الخلاف مبني على الأحاديث الواردة فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا رفع يده بالدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه، وجميع الأحاديث الواردة في هذا ضعيفة، لكن بعض العلماء رفعها إلى درجة الحسن لغيره، فجعل هذه الأحاديث المتعددة مجموعة يقضي أن يكون الحديث حسنًا عند غيره، ومن العلماء من رأى أنها ضعيفة، وأنها وردت على وجوه لا توصلها إلى أن يكون الحديث حسناً لغيره، وممن رأى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقوله أقرب إلى الصواب، وعلى هذا فلا يمسح الداعي وجهه بيديه بعد انتهاء الدعاء، فإذا انتهى من دعائه، وقد رفعهما أرسلهما دون مسح، ولكن لو وجدنا أحداً يمسح فإنا لا ننهاه عن ذلك؛ لاحتمال أن تكون الأحاديث الواردة في هذا ضعيفة ترتقي إلى درجة الحسن، هذه مسألة. أما المسألة الثانية وهي رفع اليدين في الدعاء، فرفع اليدين في الدعاء الأصل فيه الاستحباب؛ لأنه من آداب الدعاء، ومن أسباب الإجابة، وذلك لما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إن الله طيب لا يقبل إلى طيب، وإن الله أمر به المؤمنين ما أمر به المرسلين». فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً﴾. ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب إلى ذلك، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام رفع اليدين إلى السماء من أسباب الإجابة، وكذلك يذكر عنه صلى الله عليه وسلم أن الله حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً؛ أي خالية، فالأصل في الدعاء أن رفع اليدين فيه سنة، وهو من آداب الدعاء ومن أسباب الإجابة، ولهذا يجد الإنسان فرقاً بين دعائه وهو رافع يديه، وبين دعائه وهو مرسل يديه، فإنه يجد أن الحالة الأولى أشد خشوعاً وأظهر استكانة وفقراً إلى الله عزَّ وجلَّ مما لو دعاه مرسل اليدين، لكن ما وردت السنة فيه بعدم الرفع، فالأصل فيه عدم الرفع، ولهذا أنكر الصحابة رضي الله عنهم على بشر بن مروان حين رفع يديه وهو يدعو في خطبة الجمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه إذا دعا في خطبة الجمعة إلا في موضعين؛ الموضع الأول: الاستقساء؛ أي إذا طلب نزول الغيث، والثاني: إذا الاستصحاء؛ أي إذا طلب الصحو ووقوف المطر، ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فأدعو الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا». قال أنس: فوالله ما في السماء من سحاب، ولا قدح بيننا وبين سلا من بيتنا، ولا دار، -وسلا: هو جبيل صغير في المدينة معروف إلى الآن تأتي من نحوه السحب- يقول أنس رضي الله عنه فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء؛ أي صارت فوق الرءوس انتشرت، فوسعت بأمر الله عزَّ وجلَّ، ورعدت، وبرقت، وأمطرت، فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً لا يرون الشمس، وفي الجمعة الثانية دخل رجل أو الرجل الأول، وقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادعو الله أن يمسكها عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الأكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر»، وجعل يشير إلى النواحي، فما يشير إلى ناحية إلا انفرج السحاب منها، فتأمل يا أخي هذا الحديث العظيم يتبين لك فيه آيتان عظيمتان؛ الآية الأولى: قدرة الله عزَّ وجلَّ حيث أنشأ الله هذه السحابة في المدة الوجيزة، وأمطرت، وجعل المطر يبقى أسبوعاً كاملاً، والآية الثانية: آية صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقاً، حيث استجاب الله دعاءه في الاستسقاء والاستصحاء، ثم تأمل كيف طلب هذا الرجل من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو الله تعالى أن يمسكها، ولكنه عليه الصلاة والسلام دعا الله أن يجعل المطر، فقال: «حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر»، فلم يدع الله عزَّ وجلَّ أن يمنع المطر، لكن لا وجه لا ضرر فيه، بل فيه النفع، ونستفيد من هذه الفائدة أن الإنسان إذا أصابه ما يضره فليدعو الله عزَّ وجلَّ أن يصرفه عنه إلى وجه لا ضرر فيه؛ لأنه قد يكون الشيء ضاراً من وجه نافع من وجه آخر، وفي هذا الحديث الذي ذكرناه حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين الاستسقاء ورفع الناس أيديهم معه، وعلى هذا فالناس الذين يستمعون إلى خطبة الجمعة لا يرفعون أيديهم إلا حيث رفع الإمام يديه، والإمام لا يرفع يديه في خطبة الجمعة إلا في الاستسقاء أو الاستصحاء، ومن هنا نعرف أن ما يفعله بعض الأخوة إذا دعا الإمام في خطبة الجمعة للمسلمين يرفعون أيديهم في حال الخطبة، فإننا نقول السنة: أن لا ترفعوا أيديكم، بل أمّنوا سراً، وإن لم ترفعوا أيديكم، بل لا ترفعوا أيديكم؛ لأنكم تتبعاً للخطيب، والخطيب لا يرفع يديه في الدعاء إلا في موضعين اللذين أشرنا إليهما، فالخلاصة أن رفع اليدين في الدعاء سنة، وأنه من آداب الدعاء ومن أسباب الإجابة إلا في المواضع التي وردت السنة بعدم الرفع فيها، فالأفضل عدم الرفع، هذه المسألة الثانية. المسألة الثالثة الدعاء بعد الصلاة فالمشروع بعد الصلاة هو الذكر لقول تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ ولا يشرع الدعاء إلا في ما قصد به تنقية الصلاة؛ مثل الاستغفار ثلاثة بعد السلام مباشرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من المكتوبة استغفر الله ثلاثاً مباشرة؛ لأن هذا الدعاء يقصد منه تنقية الصلاة مما حصل فيها من خلل، وأما ما عدا ذلك من الدعاء، فليس مشروعاً بعد الصلاة، وإنما يشرع قبل أن يسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود حين علمه التشهد، قال: ثم ليتخير من الدعاء ما شاء، فجعل الدعاء قبل السلام، ولأن هذا هو المعقول الذي يقتضيه النظر، فإن كونك تدعو الله عزَّ وجلَّ وأنت بين يديه، وهو قبل وجهك أولى من أن تدعوه بعد الانصراف من هذه الحال التي كنت عليها، وعلى هذا فنصيحتي لإخواني أن يجعلوا دعاءهم الذي يريدون أن يدعو الله فيه قبل السلام؛ لأن هذا هو المحل الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أتم التشهد إلا في حال واحدة، فإن الدعاء يكون فيها بعد السلام، وذلك في دعاء الاستخارة إذا هم الإنسان بشيء وتردد فيه، فإنه يصلي ركعتين، ثم ليقل بدعاء الاستخارة المعروف، اللهم إني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم إلى آخر الدعاء المعروف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن يكون هذا الدعاء بعد الصلاة إذا همَّ أحدكم بأمر؛ يعني اهتم به، ولكنه لم يتبين الصواب فيه، قال: «إذا هم أحدكم بأمر فليصلي ركعتين»، ثم ليقل. ومعلوم أن الركعتين لا تتمان إلا بالسلام منهما، وعلى هذا فيكون دعاء الاستخارة بعد السلام، وما عدا ذلك فأن الأفضل أن يكون الدعاء قبل السلام، كما أشرنا إليه آنفاً، فهذه ثلاثة مسائل التي تضمنها سؤاله؛ المسألة الأولى: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، والثانية: رفعهما عند الدعاء، والثالثة: الدعاء بعد الصلاة، وقد تبين مما سبق حكم كل من هذه المسائل الثلاثة، وإذن، فالمشروع في من انتهى من صلاة الفريضة أن يقوم بالأذكار الواردة بعدها، والمشروع لمن انتهى من النافلة أن ينصرف دون رفع اليدين، ودون الدعاء؛ لأن الدعاء قبل السلام، ولكن لو أن أحداً منا دعا أحياناً بعد السلام، فأرجو ألا يكون في ذلك ابتداعاً؛ لأنه يفرق بين الأمور الراتبة التي جاءت بها السنة وبين الأمور العارضة التي قد تعترض الإنسان فيفعلها أحياناً.