السؤال:
المستمعة تقول: فضيلة الشيخ؛ أعلم أن الغيبة والكذب محرمان، ولكن عندما يجلس الإنسان في مجلس يكثر فيه هذا الموضوع ولما يوجه هذا الجالس والجالسين يقولون: إن هذا الكلام يتداول دائماً وليس فيه شيء وأيضا نريد تبيين الحكم الشرعي بارك الله فيكم؟
الجواب:
الشيخ: نعم أولاً الحكم الشرعي في الغيبة والكذب؛ الغيبة محرمة بل هي من كبائر الذنوب كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «الغيبة ذكرك أخاك بما يكره». سواء كان ذلك في عيب خلقي، أو خلقي، أو ديني، فكل ما ذكرت أخاك بما يكره، فإنك قد اغتبته حتى وإن كان فيه ما تقول، ولهذا قال الصحابة: أرأيت يا رسول الله إن كان فيه ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته، وقد حذر الله منها في قوله: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾. تأمل هذا المثل حيث جعل الله المرتاب الذي اغتاب إخوانه بمنزلة الرجل الذي يأكل لحم أخيه ميتاً، ومعلوم أنه لا يمكن لأحد أن يأكل لحم أخيه ميتاً، ولهذا قال: فكرهتموه، وإنما شبه الله بهذا؛ لأن المرتاب الذي اغتبته غائب لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، فهو بمنزلة الميت أن يؤكل لحمه، لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وأن يمنع الناس من أكل لحمه، وإذا وقعت الغيبة من شخص لآخر، فإن الواجب على الذي اغتاب أخاه أن يستحله يطلب منه أن يحله في الدنيا قبل أن يؤخذ ذلك من أعماله الصالحة في يوم القيامة، هذا إذا كان قد علم أنه قد اغتاب، أما إذا لم يعلم فإن بعض أهل العلم يقولون: لا ينبغي أن يعلمه؛ لأنه اغتاب لأنه ربما يصر على أن لا يسمح عنه، ويكفي أن يستغفر له، وأن يثني عليه في الأماكن والجماعات التي كان يغتاب فيها، والحسنات يذهبن السيئات، أما بالنسبة إلى الكذب؛ فإن الكذب ليس من خلق المؤمن، بل هو من آيات المنافقين وعلاماتهم كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾. فالكذب من صفات المنافقين وعلاماتهم، والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «آية المنافق ثلاثة إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أوتمن خان». فلا يجوز لأحد أن يكذب على أحد سواء كان ذلك في أمور الدين، أو في أمور الدنيا، وهو في أمور الدين أشد، كما يفعله بعض الناس ينسبون إلى العلماء أقوال ما قالوها، وفتاوى ما أفتوا بها، كذباً وزوراً، لكن المؤمنين أن يبرر قوله؛ لينسب ما ينسب إلى العالم؛ من قول أو فتوى، وهذا خطأ ضرره عظيم، وخطره جسيم، فإذا تبين حكم الغيبة والكذب، فإننا نقول: لا يجوز لأحد أن يبقى في مجلس فيه الغيبة، أو فيه الكذب، بل يجب عليه أن يناصح أهل المجلس، فإن امتثلوا وقبلوا النصيحة، فهذا خير للجميع، وإن لم يفعلوا، فالواجب عليه أن يقوم وأن لا يجلس معهم؛ لأن الجالس مع أهل المعصية بمنزلتهم كما قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ﴾ يقول بعض الناس مفتي نفسه يقول: إنه يجلس مع أهل المعصية وهو كاره لذلك فهو منكر بقلبه، فنقول له: لو كان كارهاً لذلك؛ لقام، ولم يجلس؛ لأن من المعلوم أن من كره شيئاً لم يطق أن يبقى عليه، ولكن هذا من باب التمني، وهو من العجز، فإن العاجز من أتبع نفسه هواه وتمنى على الله الأماني.