السؤال:
رسالة وصلت من المستمع ع. ش. ع. من الصومال بعث برسالة يقول فيها: نحن بحاجة ماسة إلى التبصر في كثيرٍ من أمور الدين، ليس إلى الأمور الصعبة والمتخصصة فحسب، بل إلى الجزئيات الصغيرة التي لا بد وأن يلم بها الإنسان المسلم مهما كان مستواه العلمي والثقافي؛ ولهذا أسأل عن الربا يا فضيلة الشيخ ما هو؟ وما مراتبه إن كان له مراتب؟ وما عقوبته عند الله سبحانه وتعالى أفيدونا مأجورين؟
الجواب:
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، الربا في اللغة الزيادة ومنه قوله تعالى: ﴿فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت﴾ أي زادت، وأما في الشرع فهو زيادةٌ في أشياء مخصوصة منع الشارع من الزيادة فيها حين التبادل أو تأخير القبض حين يجب في القبض قبل التفرغ؛ ولهذا يقول أهل العلم: إن الربا نوعان؛ ربا فضل، وربا نسيئة، فربا الفضل؛ يعني ربا الزيادة، وربا النسيئة؛ يعني ربا التأخير؛ ولكن يجب أن نعلم أولاً أنه ليس كل رباً يكون من الربا المحرم، بل إن الربا المحرم في أشياء مخصوصة بيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد» فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد وقال: «من زاد أو استزاد فقد أربى» فإذا فإذا بعت ذهباً بذهب فإنه لابد من شرطين: الشرط الأول: التساوي في الميزان لا في القيمة، فالقيمة لا تهم، بل لا بد أن يكون التساوي في الوزن، والثاني: القبض قبل التفرق. مثال ذلك: شخص أبدل حلياً من الذهب بحليٍ آخر من الذهب زنتهما سواء، لكن قيمتهما تختلف، فهذا يشترط فيه القبض قبل التفرق، وأما اختلاف القيمة فلا يضر؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد» فأما إذا اختلفت الأصناف، مثل أن يبيع ذهباً بفضة، فإن ربا الفضل هنا لا يثبت، وتجوز الزيادة، فيجوز مثلاً أن أبدل مثقالاً من الذهب بخمسين مثقالاً من الفضة، ولكن يشترط التقابض قبل التفرق؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم». إذاً اتفق الجنس فلا بد من شرطين: التساوي في الميزان، والثاني: القبض قبل التفرق، وإن اختلف الجنس، كذهب بفضة، فلا بد من شرط واحد وهو التقابض قبل التفرق، هذا بالنسبة للذهب بالفضة.وبالنسبة للطعام؛ البر والشعير والتمر والملح، إذا باع شيئاً بجنسه فلا بد فيه من التساوي بالكيل لا بالوصف، ولا بد من التقابض قبل التفرق، فإذا باع صاع بر من نوعٍ معين، بصاع بر من نوعٍ معين، فلا بد من التقابض قبل التفرق، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فقد وقعا في ربا النسيئة، وصار العقد باطلاً، وكذلك لو باع صاعاً بصاعين فإنه ربا ولو حصل القبض، لأنهما من جنسٍ واحد، ولهذا لما جاء بلال بتمرٍ جيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله: من أين هذا؟ قال: يا رسول الله! كنت أشتري الصاع من هذا بصاعين، والصاعين بالثلاثة -ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم، أي: ليأكل طعاماً جيداً، والطعام تمر، والتمر من الطعام- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوه. وهذه كلمة توجع (لا تفعل رده)، ثم أرشده إلى أن يبيع التمر الرديء بالدراهم، ويستلم الدراهم ويشتري بها تمراً جيداً، وهذا يدل على أن الجنس إذا بيع بجنسه لا يجوز فيه التفاضل، ولو كان من أجل اختلاف الوصف في الجودة والرداءة، بل لا بد من التساوي. كذلك أيضاً الشعير والتمر وغير ذلك مما يجري فيه الربا، إذا بيع الشيء بجنسه فلا بد من أمرين، هما: التساوي في المكيال إن كان مكيلاً، وفي الميزان إن كان موزوناً، وإن بيع بغير جنسه فإنه لا بد من شرطٍ واحد وهو القبض قبل التفرق، ولا يشترط التساوي، لأن اشتراط التساوي متعذر، إلا أن السنة قد دلت على أنه إذا كان اختلاف الجنس لكون أحد الجنسين نقداً وثمناً، فلا بأس في تأخير القبض، وذلك فيما ثبت به الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، أي: يقدمون الثمن للثمار التي سيأخذونها بعد سنة أو سنتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أسلف في شيء فليسلف في شيء معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم. وعلى هذا فإذا كان أحد العوضين نقداً، فإنه يجوز التفرق قبل القبض، وإن كان العوضان نقداً، ولكن الجنس مختلف، فلا بد من التقابض قبل التفرق. أما ما طلبه السائل من ذكر النصوص التي فيها الوعيد على الربا، فإنه ورد في الربا آياتٌ كثيرة، وأحاديث كثيرة تدل على عظمته وفظاعته، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا تقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون﴾ وقال الله عز وجل: ﴿فمن جاءه موعظةٌ من ربه فانتهى فله ما سلف ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ وقال عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم تفلحون﴾ وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، وقال: هم سواء )، فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يبتعدوا عن الربا كله؛ ربا الفضل وربا النسيئة، وأن يعلموا أن رزق الله عز وجل لا يستجلب بمعاصيه، وأن ما يملكونه بالربا فلا خير فيه ولا بركة، قال الله تعالى: ﴿وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاةٍ تريدون وجه الله فأؤلئك هم المضعفون﴾ وفي قوله تعالى: ﴿فلا يربو عند الله﴾ دليلٌ على أن الأموال التي تكون من الربا لو تصدق بها الإنسان لم تقبل، لأنها لو قبلت لربت عند الله عز وجل، فإن الله سبحانه وتعالى يأخذ الصدقة من كسبٍ طيب، فيربيها لصاحبها كما يربي الإنسان فلوه، حتى يكون ما يعادل التمرة مثل الجبل.