الكلام في بيع التورق
مدة الملف
حجم الملف :
2027 KB
عدد الزيارات 1374

السؤال:

أيضاً فضيلة الشيخ، من مسائل البيوع بيع التورّق، نرجو أن تحدثنا عن هذا البيع؟

الجواب:


الشيخ: التورق مأخوذٌ من الورِق وهي الفضة، وأصله أن الرجل يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه، ولا يجد من يعطيه دراهم في سلعةٍ مؤجلة إلى سنة، وهو ما يعرف في الشرع بالسلَم، يأخذ المحتاج دراهم من شخص بسلعةٍ معينة، بسلعةٍ موصوفة مضبوطةٍ بصفات، يسلمها له بعد سنة مثلاً، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين، وأظنه قال: والثلاث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلم في شيء فليسلم في شئٍ معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم، أقول: إذا احتاج الإنسان إلى الدراهم ولم يجد من يقرضه ولا من يسلم إليه الدراهم على الوجه الذي ذكرنا، واشترى سلعة تساوي مائة بمائة وعشرين إلى سنة، ثم باعها وانتفع بثمنها فهذه مسألة تورق، وسميت تورقاً لأن المشتري فيها محتاجٌ إلى الورق أي الفضة وهي النقد، وللعلماء فيها خلافٌ معروف، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها، وممن منعها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حتى إنه روجع في ذلك مراراً، ولكنه أبى رحمه الله أن يحلها لأنها تفتح باب الحيل والخداع، ولهذا كانت نتيجتها الآن سيئة، ولا أظن أحداً من أهل العلم يقول بجوازها؛ وذلك لأنهم كانوا يأتون إلى التاجر ليستدينوا منه فيبيع عليهم ما يبيع، ثم يذهب التاجر والمستدين لصاحب دكان عنده هذه السلعة فيشتريها التاجر شراءً صورياً ليس مقصوداً، ولهذا لا يقلبها ولا ينظر فيها ولا يكاسر ويماكس في ما يعينه البائع من الثمن، يأخذها بأي ثمنٍ اتفق وعلى أي صفةٍ كانت، وفي ظني أنه لو كانت أكياس السكر رملاً ما ذهب التاجر يفتشها، لاشتراها على أنها سكر، لأنها تشترى وتباع على المدين، والمدين يبيعها على صاحب الدكان، وهذا لا شك أنه محرم، وأنه لا ينطبق على مسألة التورق، ولهذا كان شيخ الإسلام رحمه الله إذا ذكر هذه المسألة لم يذكر فيها خلافاً في التحريم، وإذا ذكر مسألة التورق ذكر فيها قولين لأهل العلم، ثم توسعت الأمور حتى وقع الناس في أكل الربا أضعافاً مضاعفة، فإذا حل الدين قال: استدن مني وأوفني، فيستدين منه على هذه الصورة التي هي لعب بأحكام الله عز وجل، فيشتري منه ويوفيه ويزيد عليه الدين، ومنهم من يأتي بأمورٍ أخرى منكرة ليس هذا موضع بسطها، نسأل الله لإخواننا الرزق الطيب الحلال، وإنني بهذه المناسبة أنصح الإخوان الذين ابتلوا بهذا الأمر أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يقلعوا عن هذا، وأن يتقوا يوماً يرجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون، وأن يعلموا أن كل شيء يكسبونه عن طريقٍ محرم فإنه لا خير فيه، بل هو خسارةٌ في الدنيا والآخرة، تنزع البركة منه، وإن تصدقوا منه لم يقبل منهم، وإن أنفقوه لن يبارك لهم فيه، وإن خلفوه أولادهم كان غرماً عليهم وغنيمةً للورثة، ولله ميراث السماوات والأرض والله بما يعملون خبير.