تفسير قوله تعالى :" وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً "
مدة الملف
حجم الملف :
2240 KB
عدد الزيارات 5674

السؤال:

من السودان مستمع يسأل عن قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً﴾.

الجواب:


الشيخ: قوله تعالى: ﴿ويسألونك عن ذي القرنين﴾ السائل هنا قريش، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم  عن ذي القرنين، وكانت قصته مشهورة، ولا سيما عند أهل الكتاب، وهو ملك صالح كان على عهد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويقال: إنه طاف معه بالبيت، فالله أعلم، هذا الرجل الصالح مكن الله له في الأرض، وآتاه من أسباب الملك كل سبب يتوصل به إلى الانتصار، وقهر أعدائه، ﴿فأتبع سبباً﴾، يعني: سلك طريقاً يوصله إلى مقصوده، ﴿حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً﴾، فاستولى عليهم، وخيره الله فيهم ﴿قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وأما أن تتخذ فيهم حسناً﴾، فحكم بينهم بالعدل ﴿قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً﴾، ثم مضى متجها نحو مطلع الشمس ﴿حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم﴾ ليس لهم ستر يحول بينهم وبين حرها، ليس عندهم بناء، ولا أشجار، وإنما يعيشون في النهار في السرادب وفي الكهوف، ثم في الليل يخرجون يلتمسون العيش، وكان الله عز وجل في جميع أحوال هذا الرجل عالماً به، يسير بعلم من الله عز وجل وهداية، كما قال تعالى: ﴿وقد أحطنا بما لديه خبراً﴾، ثم مضى ﴿حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً﴾ كانوا أعاجم لا تفهم لغتهم، ولا يفهمون لغة غيرهم، ولكنهم اشتكوا إلى هذا الملك الصالح إلى ذي القرنين بأن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، وهما أمتان من بني آدم، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، وتذكر روايات وأخبار إسرائيلية في هاتين الأمتين، أعني: في يأجوج ومأجوج، كلها لا أصل لها من الصحة، وإنما يأجوج ومأجوج من بني آدم، وعلى شكل بني آدم، كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى:- يعني يوم القيامة- يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: أخرج من ذريتك بعث النار. قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كل في النار إلا واحداً من الألف. فكبر ذلك على الصحابة، فقالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الواحد؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أبشروا، فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج». وهذا دليل واضح وصريح على أنهم، أعني: يأجوج ومأجوج سيكون شكلهم وأحوالهم كأحوال بني آدم تماماً، لكنهم من قوم طبعوا- والعياذ بالله- على الفساد في الأرض، وتدمير مصالح الخلق، وقتلهم، وغير ذلك، مما يكون فساداً في أرض الله عز وجل، فقالوا له: ﴿هل نجعل لك خرجاً﴾، أي: مالاً ﴿على أن تجعل بيننا وبينهم سداً﴾، فأخبرهم بأن الله سبحانه وتعالى أعطاه من الملك والتمكين ما هو خير من المال الذي يعطونه إياه، ﴿قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة﴾، أي: بقوة عملية، عمال وأدوات وما أشبه ذلك، ﴿أجعل بينكم وبينهم ردماً﴾، ثم طلب منهم زبر الحديد، أي: قطع الحديد، فصف بعضها على بعض حتى بلغت رءوس الجبلين، ﴿آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا﴾، فأوقدوا عليه النار، ونفخوها حتى صار الحديد ناراً يلتهب، فأفرغ عليه قطراً، أي: نحاساً مذاباً، حتى تماسكت هذه القطع من الحديد، وصارت جداراً حديداً صلباً، ﴿فما اسطاعوا أن يظهروه﴾، أي: يظهروا فوقه، ﴿وما استطاعوا له نقباً﴾، أي: أن ينقبوه من أسفل، فكان ردماً بين يأجوج ومأجوج. وقصته معروفة مشهورة ذكرها الله تعالى في سورة الكهف في آخرها، فمن أراد المزيد من علمها، فليذهب فليقرأ ما كتبه أهل التفسير الموثوق بهم في هذه القصة العظيمة.