أقوال العلماء في صلاة المنفرد خلف الصف والراجح منها..
مدة الملف
حجم الملف :
2525 KB
عدد الزيارات 87865

السؤال:

هذه رسالة وصلتنا من الرياض، من أحد الإخوة المستمعين رمز لاسمه بطالب علم، يقول: ما هي الأقوال الصحيحة في صلاة الفرد وحده خلف الإمام، أرجو من فضيلة الشيخ محمد أن يعطيني إجابة وافية حول هذا الموضوع؟

الجواب:


الشيخ: صلاة المنفرد خلف الصف وحده، فيها للعلماء ثلاثة أقوال، القول الأول: إنها صحيحة، لكن الإنسان مخالف للسنة، سواء أكان الصف الذي أمامه تاماً أم غير تام، وهذا هو المشهور من مذاهب الأئمة الثلاثة، مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وأحد أئمة المسلمين جميعاً، وحملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف»، على نفي الكمال، لا نفي الصحة. والقول الثاني: إن صلاة الإنسان منفرداً خلف الصف ركعة فأكثر صلاة باطلة، سواء أكان الصف الذي أمامه تاماً أم غير تام، واستدل هؤلاء بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف»، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة. والقول الثالث الوسط وهو: إنه إذا كان الصف تاماً، فإنه الصلاة خلفه منفرداً جائزة وصحيحة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب، فإذا أتيت إلى المسجد ووجدت المسجد تاماً إلى اليمين والشمال، فلا حرج عليك أن تصلي منفرداً، وصلاتك صحيحة لقول الله تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾، ولا استطاعة لك فوق ذلك، لأن ما سوى هذه الحال إما أن تجر أحداً من الصف ليصلي معك، وإما أن تتقدم فتصلي مع الإمام، وإما أن تدع الصلاة مع الجماعة وتصلي وحدك، وإما أن تصلي مع الجماعة منفرداً خلف الصف لعدم القدرة على الدخول في الصف، فهذه أربع حالات. أما الحال الأولى وهي أن تجر أحداً ليصلي معك، فإن هذا يستلزم ثلاثة محاذير أو أربعة، فإنه يستلزم فتح فرجة في الصف، وفي هذا قطع للصف، ويستلزم نقل الرجل من مكان فاضل إلى مكان مفضول، ويستلزم التشويش عليه غالباً، ويستلزم حركة جميع الصف، لأن العادة أنه إذا حصلت فرجة تقارب الناس بعضهم من بعض، فحصلت حركة لجميع الصف بدون سبب شرعي، وأما كون الإنسان يتقدم ليصلي مع الإمام ففيه محظور، أو محظوران، أو أكثر، فمن ذلك أنه إذا تقدم وقام مع الإمام صار هذا خلاف السنة في كون السنة أن ينفرد الإمام وحده في مكانه، ليكون إماماً يقتدى به، فإذا صف معه آخر صار كأن الناس بإمامين، ولا يرد على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وأبو بكر يصلي بالناس، فجاء في أثناء الصلاة وجلس عن يسار أبي بكر، وأتم الصلاة وأبوبكر على يمينه، لأن هذه الحال ضرورة، وأبو بكر رضي الله عنه قد لا يكون له مكان في الصف الذي خلفه، ومن المحظور في تقدم الإنسان للإمام أنه يتخطى رقاب الناس، يتخطى الصف الأول، وإن كان في المسجد صفان، تخطى صفين، وإن كان فيه ثلاثة، تخطى ثلاثة، وهكذا، وهذا يوجب التشويش على المصلين، مع الأذية لهم، ثم إذا قلنا له: تقدم إلى الإمام، ودخل رجل آخر فلم يجد مكاناً آخر في الصف، وقلنا: تقدم إلى الإمام، فتقدم، وجاء ثالث، وقلنا: تقدم، فتقدم، صار الذي جانب الإمام صفاً كاملاً، وهذا بلا شك مخالف للسنة، وأما كونه يدع الجماعة، ويصلي وحده، ففيه تفويت الجماعة، وتفويت المصافة، ومن المعلوم أنه كونه يصلي مع الجماعة مع الانفراد بالصف خير من كونه ينفرد في المكان والعمل، فينفرد عن الجماعة، لا يوافقهم في صفوفهم، ولا في أعمالهم، وهذا القول كما ترى قد دل على رجحانه الأثر والنظر، والله عز وجل قال: ﴿لا يكلف الله نفساً إلا وسعها﴾ فالقول الراجح عندي أنه إذا جاء الإنسان والإمام والصف قد تم فإنه يصلي خلف الصف مع الجماعة.