تفسير قوله تعالى : " وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ "
مدة الملف
حجم الملف :
1801 KB
عدد الزيارات 5594

السؤال:

شكر الله لكم، أيضاً يسأل ويقول: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾؟

الجواب:


الشيخ: معنى هذه الآية أن الملأ الذين كفروا بعيسى ابن مريم عليه السلام من بني إسرائيل، أرادوا أن يقتلوه ويصلبوه، وحضروا إليه، فألقى الله تعالى شبهه على رجل منهم، ورفع عيسى إليه، فقتلوا هذا الرجل الذي ألقي شبه عيسى عليه، وصلبوه، ﴿وقالوا إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله﴾ وقد أبطل الله دعواهم تلك في قوله: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم حين جاءوا إلى عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ليقتلوه، وشبه على رجل منهم، فقتلوه، وصلبوه، وظنوا أنهم أدركوا مرامهم، فهذا من مكر الله تعالى بهم، والمكر هو الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، وهو، أعني: المكر، صفة مدح إذا كان واقعاً موقعه وفي محله، ولهذا يذكره الله عز وجل قاصداً نفسه به في مقابلة من يمكرون بالله وبرسله، فهنا قال: ﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ فالمكر صفة مدح في محلها، لأنه يدل على القوة، وعلى العظمة، وعلى الإحاطة بالخصم، وعلى ضعف الخصم، وعدم إدراكه ما يريده به خصمه، بخلاف الخيانة، فإن الخيانة صفة ذم مطلقاً، ولهذا لم يصف الله بها نفسه حتى في مقابلة من خانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أرادوا خيانته، وانظر إلى قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، وعلى هذا، فلو قال قائل: هل يصح أن يوصف الله بالمكر؟ فالجواب: أن وصف الله بالمكر على سبيل الإطلاق لا يجوز، وأما وصف الله بالمكر في موضع في مقابلة أولئك الذين يمكرون به وبرسوله فإن هذا جائز، لأنه في هذه الحال يكون صفة، وبهذا يعلم أن ما يمكن من الصفات بالنسبة لله عز وجل على ثلاثة أقسام، قسم لا يجوز أن يوصف الله به مطلقاً من صفات النقص والعيب، مثل: العجز والتعب والجهل والنسيان وما أشبهها، هذا لا يوصف الله به في كل حال، وقسم يوصف الله به في كل حال، وهو ما كان من صفات الكمال مطلقاً، ومع ذلك فإنه لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، والقسم الثالث من الصفات ما يوصف الله به في حال دون حال، وهو ما كان كمالاً في حال دون حال، ويوصف الله به حين يكون كمالاً، ولا يوصف الله به حين يكون نقصاً، وذلك مثل: المكر، والكيد، والخداع، والاستهزاء، وما أشبه ذلك.