معنى قوله تعالى : " فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ .."
مدة الملف
حجم الملف :
2126 KB
عدد الزيارات 5484

السؤال:

شكر الله لكم، وعظم الله مثوبتكم، هذه رسالة من المستمعة رمزت لاسمها ف. ق. ط. من مدينة جدة، المملكة العربية السعودية، تقول في رسالتـها: ما معنى قـوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أفيدونا بارك الله فيكم؟

الجواب:


الشيخ: هذه الآية في سورة آل عمران، وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه أنزل الكتاب على نبيه صلى الله عليه وسلم، وجعله على نوعين، قال تعالى: ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات﴾ فجعله سبحانه وتعالى على قسمين، أو على نوعين: نوع محكم، واضح المعنى، لا اختلاف فيه، ولا احتمال، وهذا هو أم الكتاب، أي: مرجع الكتاب الذي يرجع إليه، بحيث يحمل المتشابه على المحكم ليكون جميعه محكماً، وأخر متشابهات، وإنما أنزله الله تعالى كذلك امتحاناً للعباد، حيث يعلم سبحانه وتعالى من يريد الفتنة، وصد الناس عن دينهم، والتشكيك في كتاب الله، ومن كان مؤمناً خالصاً يعلم أن القرآن كله من الله، وأنه لا تناقض فيه، ولا اختلاف، يقول الله تعالى: ﴿وأخر متشابهات﴾ أي: متشابه بالمعنى، ليس صريحة واضحة، بل تحتاج إلى تأمل، ونظر، وحمل لها على ما كان واضحاً بيّناًَ، ﴿فأما الذين في قلوبهم زيغ﴾ أي: ميل عن الحق، واتباع للهوى، ﴿فيتبعون ما تشابه منه﴾ أي: يتابعونه، ويتتبعونه حتى يجعلوا ذلك وسيلة إلى الطعن في كتاب الله عز وجل، ولهذا قال: ﴿ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله﴾ ﴿ابتغاء الفتة﴾ يعني: صد الناس عن دينهم، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ يعني: إن الذين صدوا المؤمنين عن دينهم، وفتنوهم. ﴿وابتغاء تأويله﴾ أي: طلب تحريف القرآن، وتغييره عن مكانه، وعما أراد الله به، يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ والتأويل هنا اختلف فيه أهل العلم بناء على اختلاف القراءتين، وصلاً ووقفاً، فإن في الآية قراءتين، قراءة الوصل ﴿وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم﴾ فيكون المراد بالتأويل هنا التشريع، ولهذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "أنا من الراسخين في العلم، الذين يعلمون تأويله". أي: يعلمون تفسيره، وكان ابن عباس رضي الله عنهما من أعلم الناس بتفسير كلام الله. أما القراءة الثانية، فهي قراءة وقف على قوله: ﴿إلا الله﴾ وعلى هذا فيكون المراد بالتأويل العاقبة التي يئول إليها ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر، فإن حقائق هذه الأمور لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وعليه فيكون الوقف على قوله: ﴿إلا الله﴾ وهذا هو ما ذهب إليه أكثر السلف في القراءة، ويكون معنى قوله: ﴿والراسخون في العلم يقولون آمنا به﴾ أن الراسخين في العلم يؤمنون بالمحكم والمتشابه، ويقولون: إنه كل من عند الله، وإذا كان كل من عند الله، فإنه لا يمكن أن يكون فيه تناقض، أو تعارض، لقول الله تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾. ثم ختم الله الآية بقوله: ﴿وما يذكر إلا أولو الألباب﴾ أي: ما يتذكر ويتعظ بآيات الله إلا من كان ذا عقل، يحجزه عن المحرمات، واتباع الشبهات والشهوات.