تغطية المرأة لوجهها عند أقارب زوجها وبيان حديث أسماء رضي الله عنها
مدة الملف
حجم الملف :
4472 KB
عدد الزيارات 11109

السؤال:

هذه رسالة من السائل  ج. م. ع من المدينة المنورة يقول: هل يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها وكفيها أمام إخوان زوجها من الرجال أم أن هذا حرام؟ فبعض الناس قال: إن وجه المرأة وكفيها ليس بعورة، ويجوز لها أن تكشف عن وجهها وكفيها بعد أن تغطي شعر رأسها وبقية جسمها. وبعضهم قال: إن هذا حرام، ولا يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها أمام إخوان زوجها. وأنا الآن لا أعرف أين الصواب من الخطأ، أرجو إفادتي، كما أرجو أن توضحوا لنا معنى الآيات القرآنية من سورة الأحزاب وكذلك بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا أرادت المرأة أن تغطي وجهها أمام إخوان زوجها من الرجال وغيرهم من الأجانب ولكن زوجها هددها بالطلاق إذا هي فعلت ذلك وغطت وجهها فماذا تفعل؟ وهل الآية الآتية تدل على فرض الحجاب على المرأة وتأمرها بتغطية وجهها أم لا، وهي قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين﴾؟ وما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يسمح أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلي وجهه وكفه؟ وهل معنى الحديث السابق أنه يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها وكفيها فقط أمام الرجال من إخوان زوجها أم لا؟ وإذا كان يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها وكفيها فقط أمام الرجال فما معنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر زوجتيه أم سلمة وميمونة رضي الله عنهما أن تحتجبا من ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى لا يبصر، حيث قال لهما: احتجابا منه. فقالت إحداهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا. فقال الرسول لهما: وأنتما ألستما تبصران. فإذا كان الوجه والكفان ليسا بعورة ويجوز أن تكشف المرأة عنهما فكيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الأخرى. ارجوا التفصيل في هذا الموضوع، جزاكم الله خيراً.

الجواب:


الشيخ: هذا الموضوع من أهم الموضوعات وأشدها إلحاحاً، إلا أن الحق في هذا العصر الذي كثر فيه الخوض في مسألة النساء حتى كان بعض ضعاف النفوس يأتون بشبهات يدعونها حججاً، وليست بحجج في الواقع، وكثير منهم يعلم إذا لم يتجاهل ما وقع فيه النساء اللاتي بنين تبرجهن وسفورهن على رأي يراه بعض أهل العلم، مع أن بعض أهل العلم الذين يرون هذا الرأي تحفظوا أشد التحفظ في المنع مما وصلت إليه حال النساء في هذا العصر، فليت الأمر اقتصر على كشف الوجه والكفين، ولكن بدا الرأس وبدت الرقبة وبدا النحر وبدا الذراعان وبدا العضدان وبدت الأقدام والسيقان حتى أصبح الأمر أمراً منكراً بإجماع المسلمين بناء على ما فتح لهؤلاء من قول بعض أهل العلم بجواز كشف الوجه والكفين. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا خيفت الفتنة أو كان القول ذريعة إلى أمر محرم فإن القول بالإباحة ينقلب إلى محرم؛ لأن من القواعد المقررة في علم الشريعة سد الذرائع؛ أي: سد من كان ذريعة إلى حرام، فينزاح حتى لو كان مباحاً صريحاً إذا كان منتجاً ولا بد بأمر محرم صار ذلك الأمر محرماً، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم﴾ كيف نهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين مع أن سبها أمر مشروع؟! فالواجب إذا كان سبها يؤدي إلى سب الله تبارك وتعالى المنزه عن كل عيب ونقص، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه بإجماع المسلمين إذا خيفت الفتنة من كشف الوجه واليدين -أعني الكفين- فإن كشفهما يكون حراماً. والفتنة في زماننا هذا محققة في كشف الوجه والكفين، وعلى هذا فيكون مقتضى هذا القول الذي لا شك فيه، فإن العلماء قد قيدوا جواز كشف الوجه والكفين بالفتنة، فإذا خيفت الفتنة فهو حرام. وبعد هذه المقدمة نجيب على هذا السؤال بإذن الله تعالى فقرةً فقرة، فقول
السائل: هل يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها وكفيها أمام إخوان زوجها من الرجال أم أن هذا حرام؟ نقول: إن هذا حرام، فإن إخوان زوجها كغيرهم من الأجانب، لا يحل لهم أن ينظروا إلى زوجة أخيهم، ولا يحل لها أن تكشف عن وجهها وكفيها أمامهم كما لا يحل ذلك في غيرهم أيضاً، بل إن إخوان الزوج وأقاربه أشد خطراً من الأجانب؛ ولهذا لما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء قالوا: يا رسول الله، أريت الحمو؟ قال: الحمو الموت. يعني أنه يجب الفرار منه كما يفر من الموت. وعلى هذا فإنه يتبين به الجواب، أو بهذا يتبين الجواب عن الفقرة التالية وهي أن زوجها يتوعدها بالطلاق إذا لم تكشف وجهها لإخوته، فنقول: إن هذا أمر بمعصية، والأمر بالمعصية لا يجوز للإنسان أن يمتثله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأني لأتعجب من هذا الرجل كيف يأمر زوجته بأن تكشف وجهها لإخوانه، فإن هذا دليل على عدم الغيرة؛ إذ إن الإنسان ذي الفطرة السليمة يغار من أن يرى أحد وجه امرأته مكشوفاً أمامه. وعليه فنقول: تصمم هذه المرأة على عدم كشف وجهها لإخوانه ولو هددها بالطلاق، والرجل الذي لا يحسب بينه وبين زوجته إلا مثل هذه المسألة معناه أنه ليس له رغبة في زوجته، لو كان له رغبة في زوجته لكان تصميمه على أن تحتجب عن إخوته مما يدعو إلى إمساكها والتمسك بها. وأما الفقرة الثالثة وهي هل الآيات الكريمة ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن﴾ تدل على فرض الحجاب على المرأة؟ نقول: نعم، هي تدل على ذلك؛ لأن الجلابيب جمع جلباب؛ وهو بمنزلة العباءة للمرأة. وإذا كان الواجب أن تدني عليها منه فمعنى ذلك لا بد أن تستر وجهها، ولهذا قال ابن عباس: إن الله فرض على نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بجلابيب، ويبدين عيناً واحدة. هذا تفسير ابن عباس كما ذكره عنه ابن كثير رحمه الله. ومعنى هذا أن الآية تدل على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها. أما ما ذكره السائل من حديث أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يسمح إلا أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه. فالحديث ضعيف؛ لأن راويه أبا داود قال خالد بن الدرايس لم يدرك عائشة، فيكون منقطعاً، وفي أحد رواته ضعف أيضاً، يجتمع فيه علتان الانقطاع وضعف السنن، وفيه أيضاً علة ثالثة وهي أن أسماء بنت أبي بكر لا يمكنها أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم بثياب رقاق يظهر بشرتها وهي في سن كبيرة حين دخلت عليه، هذا من أبعد ما يكون؛ لأنه مخالف للحياء الذي هو من الإيمان، فهو معلوم نقللاً وسنداً، فلا يصح به. وأما ما ذكره السائل في حديث أم سلمة وميمونة حين دخل عليهما ابن أم كتوم فأمرهما النبي عليه الصلاة والسلام أن يحتجبن منه فالحديث ضعيف، أشار إلى ضعفه الإمام أحمد رحمه الله، وتدل روايته أنه مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على جواز نظر المرأة إلى الرجل إذا لم يكن فتنة، فإن عائشة رضي الله عنها كان النبي عليه الصلاة والسلام يسترها فتنظر إلى الحبشة وهم يعلبون، وفاطمة بنت قيس أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم كتوم وقال: إنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده. وكذلك تعامل الناس يدل على هذا، فإن المرأة تمشي في السوق محتجبة لكنها ترى الرجال من وراء حجابها، ولو كان نظرها إلى وجه الرجل محرماً لوجب على الرجال أن يحتجبوا عن النساء كما يحتجب النساء عن الرجال، وهذا أمر خلاف المعلوم والمعهود في أعراف المسلمين. فالصحيح أن المرأة يجوز لها أن تنظر إلى وجه الرجل بشرط ألا يكون هناك فتنة، فإن كان هناك فتنة فهو محرم. وبهذا يتبين الجواب عن الفقرة الأخيرة التي ذكر فيها حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتبع النظر النظرة؛ فإنما لك الأولى وليس لك الثانية. فإن هذا يؤيد ما ذكرناه من تحريم نظر الرجل إلى وجه المرأة، وأنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال.
السؤال: هذا الحديث صحيح؛ حديث علي بن أبي طالب؟

الشيخ:  لا يحضرني الآن هل هو صحيح أو حسن. ولكن هذا إيراد السائل له، نقول له: يؤيد ما ذكرناه ولا يعارضه.