
السؤال:
في لقاء من لقاءات برنامج نور على الدرب التقينا برسالة الأخ سعيد أبو بكر من المدينة المنورة، وقد عرضنا له سؤالين منها: الأول يتعلق بالاحتفالات والاجتماع لها؛ الاحتفالات بالموتى أو للموتى. والسؤال الثاني حول الطلاق، سؤاله الثالث يقول: إن القبض والإرسال في الصلاة مشكلة أحدثت خلافات حادة بين المسلمين، فهل القبض أو الإرسال من أركان الصلاة أو واجباتها أو من شروط صحتها؟ أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب:
الشيخ: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. هذا السؤال ذو شقين: أحدهما ما أشار إليه الأخ من الخلافات بين المسلمين في مثل هذه الأمور. والثاني حكم هذه المسألة التي هي القبض أو الإرسال. أما الأول فإننا نقول: إن مما يدعو للأسف أن يقع مثل هذا النزاع بين المسلمين في هذه المسألة؛ لأن هذه المسألة من المسائل التي لا تتعلق بالعقيدة، وهي مسائل وجد جنسها في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم يختلفون في الفروع كثيراً، ومع ذلك لا يحدث بينهم عداوة ولا بغضاء ولا إحن ولا أحقاد من أجل هذا، بل إنه يجب على المؤمن إذا خالفه أخوه بمقتضى دليل عنده -أي عند هذا المخالف- أن يزداد له حباً؛ لأنه يعرف أنه ما خالفه بمقتضى الدليل إلا تمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يتزحزح عن ذلك لمداهنة أحد أو مراعاة خواطر. ففي الحقيقة إذا كان صاحبه الذي خالفه في مسألة من مسائل العلم خالفك بأن ذلك مقتضى الدليل عنده فإنه يجب عليك أن تزداد له محبة لا أن تزداد بغضاً له أو نفوراً؛ لأنه كما أنه هو ليس معصوماً فأنت أيضاً لست معصوماً، وكونك تفرض على غيرك أن يقول برأيك هذا في الحقيقة مخالف لتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله؛ لأنك كأنك جعلت نفسك رسولاً معصوماً واجب الاتباع، وهذا أمر خطير جداً. فالواجب على المرء -كما قلنا، وإن كنا قد كررنا ذلك لأنه مهم جداً- إذا خالفه غيره بمقتضى الدليل عند هذا المخالف ألا يغضب من ذلك أو يحدث له بغضاء من الرجل، بل إن الواجب أن يزداد له محبة. والهدف واحد إذا حسنت النية، فإن الهدف هو التمشي على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو هدف الجميع مع حسن النية. أما إذا كان الإنسان يريد أن يتبع الناس قوله ويضلل من يخالفه فإن هذا ليس من مسالك السلف الصالح، وهو خطير على الأمة الإسلامية. ولا يختص هذا بمسألة القبض والإرسال في اليدين في الصلاة، بل هو عام في كل مسائل الخلاف، وما أكثر المسائل التي وقع فيها خلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً! ولكن يجب على الإنسان أن يتخذ ما أشرنا إليه طريقاً ومنهاجاً بحيث لا يتأثر بالمخالفات.
السؤال: لكن هذه التي أشار إليها سعيد قد تبدو أكثر؛ لأنها تشاهد في اليوم عدة مرات؟
الشيخ: نعم. الآن نرجع إلى هذه المسألة. أما بالنسبة للقبض والإرسال فلا شك أن الذي دلت عليه السنة هو قبض اليد؛ بمعنى وضع اليد اليمنى على اليسرى، وقد ثبت ذلك في صحيح البخاري في حديث سهل بن سعد قال: كانوا يرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. وهذا ثابت في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن لأحد أن ينكره مع ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عبرة بقول أي أحد من الناس مع وجود ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فالتعبد بالإرسال ليس له وجه، بل التعبد إنما هو بوضع اليد اليمنى على اليسرى. ومع هذا فلا ينبغي لنا أن نبغض هؤلاء الذين يرسلون، بل ندعو لهم بالهداية وندعوهم إلى الهداية، أيضاً ندعو الله لهم بالهداية، ونحن ندعوه أيضاً إلى الاهتداء، ونبين لهم السنة. والمؤمن إذا دُعي إلى الله ورسوله لا يجد سبيلاً إلى الفرار من ذلك. وإنما وقع الخلاف في حكم اليدين بعد الرفع من الركوع وقع الخلاف حتى عند القائلين بأن المشروع أن يضع اليمنى على اليسرى في حال القيام، وقع الخلاف بينهم فيما إذا قام من الركوع هل يقبض -بمعنى هل يضع يده اليمنى على اليسرى- أو يرسلها. فالإمام أحمد نص على أن الإنسان مخير بينهما إن شاء أرسل وإن شاء قبض، وبعض الناس ينكر القبض إنكاراً بالغاً ويرى أنه بدعة، وبعض الناس يرى أنه من السنة أن يقبض بعد القيام من الركوع. والصواب من هذه الأقوال أنه يقبض إذا رفع من الركوع لعموم الأحاديث الدالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وأن الناس كانوا يُؤمرون به. فإننا إذا أخذنا بحديث سهل بن سعد الذي أشرنا إليه قريباً -كانوا يأمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة- فإن كلمة في الصلاة عامة، تشمل جميع أحوالها، ولكنه يخرج منه السجود بلا شك، ويخرج منه الجلوس بلا شك أيضاً، ويخرج منه الركوع والسجود، والجلوس لا يدخل في هذا العموم بلا شك؛ لأن لها هيئات معينة بالنسبة لليدين. فيبقى عندنا القيام، فيشمل ما قبل الركوع وما بعد الركوع. وأما إنكاره والدعوة أنه بدعة فهذا لا وجه له وليس بصحيح. فالأقرب إذن والأرجح أنه يضع يده اليمنى على اليسرى حتى بعد القيام من الركوع.
السؤال: إذن ما دامت الأحاديث قد صحت وقد تناقلها الخلف عن السلف -ونقصد بالخلف التابعين عن الصحابة وعن الرسول صلى الله عليه وسلم- كيف نشأ هذا الخلاف؟
الشيخ: لا أعرف ما أصله، لا أعرف أصل هذا الخلاف، ولكنه مهما كان لا يهمنا أصله، يهمنا الواقع.
السؤال: ألم يُرْوَ عن أحد الأئمة؟
الشيخ: لا أعرف.