لماذا لا يجوز سؤال الله بجاه أو حق فلان..
مدة الملف
حجم الملف :
3959 KB
عدد الزيارات 9915

السؤال:

هذه رسالة وردتنا من المخلص علي صالح فتاح المتقاعد المدني بالعراق بغداد الكرخ البياح حي الرسالة الخالدة الأولى، وذكر رقم الدار، إلى آخره. رسالة المخلص علي صالح فتاح تشتمل على كثير من الأسئلة، وفي الحقيقة هي أسئلة مفيدة جداً، ونرجو أن تسعها هذه الحلقة. يقول: لماذا لا يجوز الطلب من الله بجاه أو بحق أو بحرمة أي إنسان كان من الصالحين الأموات؟

الجواب:


الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وبعد؛ فإن سؤال الله سبحانه وتعالى ودعاءه بوسيلة من الوسائل لا يجوز، إلا إذا كانت هذه الوسيلة مما ثبت شرعاً أنها وسيلة؛ وذلك لأن الدعاء عبادة، والعبادة يتوقف فيها على ما ورد به الشرع، فسؤال الله تبارك وتعالى بالوسيلة ينقسم إلى قسمين: أحدهما أن تكون الوسيلة مما جاء به الشرع كالتوسل إلى الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته، مثل أن تقول: اللهم يا غفور اغفر لي، ويا رزاق ارزقني، ويا رحيم ارحمني. وما أشبه ذلك، أو يتوسل إلى الله تبارك وتعالى بإيمانه به وبرسله مثل أن يقول: اللهم إني آمنت بك وبرسلك فاغفر لي. أو يتوسل إلى الله تبارك وتعالى بذكر حاله هو من ضرورة وحاجة كما في قول موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾. هذه الأنواع التي تندرج تحت القسم الأول كلها جائزة لورود الشرع بها، وكذلك أيضاً من هذا القسم إذا توسل بدعاء غيره ممن يكونون أقرب إلى الإجابة منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حين استسقى فقال: اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نستسقي إليك بعم نبينا -يعني العباس- ثم قال: يا عباس ادع الله. فقام فدعاه. القسم الثاني من الوسائل أن تكون الوسيلة مما لم يرد به الشرع، فهذه لا يجوز أن يدعى الله بها؛ لأن معنى ذلك أنك تقدم إلى الله تبارك وتعالى ما لم يكن سبباً للوصول إليه، وهذا يشبه الاستهزاء. ولهذا لو أنك توسلت إلى ملك من ملوك الدنيا بما لم يكن وسيلة إليه مثل أن تأتي برجل من طبقة الناس وتقول: اشفع لي عند الملك. فإن هذا يعتبر من الاستهزاء به والسخرية. كذلك إذا توسلت إلى الله تبارك وتعالى بما لم يكن سبباً فإنه كالاستهزاء به وبآياته تبارك وتعالى. ومن هذا النوع التوسل بما ذكره السائل من جاه النبي صلى الله عليه وسلم وحرمته، وما أشبه ذلك؛ فإن جاه النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتفع به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، أما غيره فإنه لا ينتفع به لمجرد أن للرسول صلى الله عليه وسلم جاه عند الله وحرمة، هذا لا ينفعه. ولهذا لم ينتفع أبو لهب وغيره ممن ليسوا أهلاً للرحمة والمغفرة بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله. وحتى في التوسل إلى العباد لقضاء الحاجة لا ينفع أن نتوسل إليه بجاه فلان حتى يكون لفلان هذا تأثير بالطلب والسؤال. وكذلك التوسل إلى الله بحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهه لم يجعل الله تبارك وتعالى وسيلة لإجابة الداعي. وكذلك أيضاً هو في الحقيقة ليس وسيلة؛ لأنه كما أسلفنا آنفاً لا ينتفع الإنسان بجاه شخص إذا لم يكن لهذا الإنسان سبب يوصل إليه، فحرمة الرسول عند الله ليست سبباً لقضاء حاجتك أنت وما وجد سبب، السبب أن فعلك أو حالك أو أسماء الله تعالى وصفاته، والنبي عليه الصلاة والسلام ليس هو الذي يجيب حتى نقول أن السؤال بحرمته وتعظيمه وجاهه كالسؤال بأسماء الله وصفاته وما أشبه ذلك، الرسول ليس هو الذي يدعى وهو الذي يجيب حتى نقول أن وصفه بهذه الصفات الحميدة يقتضي الإجابة.

السؤال:

سؤاله الآخر يقول: هل زيارة قبور الصالحين تغني من التوحيد الإلهي إن لم يجعل الزائر المقبورين أرباباً دون الله؟ وهل من فرق بين الألوهية والربوبية؟

الجواب:


الشيخ: زيارة قبور الصالحين وغيرها من قبور المسلمين تنقسم إلى قسمين: زيارة شرعية، وزيارة بدعية. فالزيارة الشرعية هي أن يزورهم الإنسان للاتعاظ وتذكر الآخرة والدعاء لهم؛ يعني يسأل الله لهم أن يغفر لهم ويرحمهم، فهذه جائزة وشرعية، أيضاً مطلوبة من العبد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة» ولإرشاده صلى الله عليه وسلم زوار القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين. إلى آخر الدعاء المعروف والمشهور. وأما القسم الثاني فهو الزيارة البدعية أو الشركية، وهي أن يزور الإنسان قبور الصالحين والمسلمين لأجل أن يدعوهم ويستغيث بهم في قضاء الحوائج وحصول المنافع، فهذا حرام ولا يجوز، بل يكون من الشرك إما الأكبر أو الأصغر، حسبما تقتضيه الأدلة الشرعية. أو يزورهم لأجل أن يدعو الله عند قبورهم اعتقاداً منه أن الدعاء عند القبور أفضل من دعاء الله تبارك وتعالى في مكان آخر، فهذا أيضاً من البدع، فإنه لا خصوصية للقبور في إجابة دعاء الله تبارك وتعالى. فعلى هذا فإذا زار قبور الصالحين على الوجه الأول المذكور في القسم الأول فهذا لا بأس به ولا حرج. وأما سؤاله.

السؤال:

نعم، الذي يقول: ما الفرق بين توحيد الألوهية والربوبية؟

الجواب:


الشيخ: ما الفرق بين الألوهية والربوبية؟ الفرق بينهما أن الألوهية هي العبادة، فتوحيد الألوهية معناه توحيد الله تعالى بعبادتك؛ أي أن تعبد الله مخلصاً له الدين كما قال الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾. وأما توحيد الربوبية فهو إفراد الله تبارك وتعالى بالربوبية، وهي الخلق وتدبير الكون كما قال الله عز وجل ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾. ويتضح ذلك بالمثال، فالرجل الذي يؤمن بالله رباً ومدبراً خالقاً متصرفاً كما يشاء ولكنه يسجد للصنم هذا مقر بالربوبية لكنه كافر بالألوهية، والإنسان الذي لا يعبد غير الله ولكنه يعتقد أن هناك خالقاً مع الله أو معيناً له فإن هذا مشرك بالربوبية كافراً بها وإن كان في العبودية مقراً، لكن هذا أيضاً لا ينفعه الإقرار به، كما أن من أشرك في الألوهية لا ينفعه الإقرار بالربوبية؛ إذ لا بد من التوحيدين جميعاً؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية. وإنما ذكرنا ذلك لمجرد بيان الفرق، وإلا فالحكم واحد، فمن أشرك بالله في ألوهيته فهو مشرك وإن أقر بالربوبية، ومن أشرك بالله في الربوبية فهو مشرك وإن أقر بالألوهية وأخلص.

السؤال: سؤاله الثالث يقول: هل تجوز.


الشيخ: الثالث أو الثاني؟

السؤال: لا، الثاني. قلنا أن زيارة قبول الصالحين إلى آخره، ثم الفرق بين الألوهية والربوبية؟


الشيخ: نعم.