إشكال في الوعد بدخول الجنة لمن مات له ثلاثة من الولد...وعقوبة آكل الربا والزاني..
مدة الملف
حجم الملف :
1863 KB
عدد الزيارات 3061

السؤال:

شيخ محمد، هذه رسالة وردتنا من الأخ في الله ع.أ. ك.، وأنا متأسف على هذا الخط، الحقيقة ليت الإخوة الذين يراسلون برنامج نور على الدرب يعتنون بالخط أو يكلفون من يكتب لهم استفساراتهم وأسئلتهم. يقول: أعرفكم أني قرأت في كتاب رياض الصالحين عن الإمام المحدث الحافظ ابن محيي الدين أبي زكريا بن شرف النووي أحاديث كثيرة. ويذكر عنه شيئاً، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في آخر حياته» يعني عند موته، «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن مات له ثلاثة أولاد أو أقل قبل البلوغ دخل الجنة، ومن كان له أربع بنات ورباهن على تربية الإسلام دخل الجنة، ومن مات له ولد في السن الصغير وقال الحمد لله عند موته بني له بيت في الجنة». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوماً في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب يقال له باب الريان: «يدخل منه الصائمون». فإذا كان ذلك من الأحاديث الصحيحة فما بال آكل الربا والزاني والقاتل والسارق والكذاب، أفتوني في هذه المسألة لأني في حيرة، جزاكم الله عني خير الجزاء.

الجواب:


الشيخ: الحمد لله رب العالمين، أما بعد؛ فإن هذا السؤال مهم، وهو ما يدعو إلى إشكال كما ذكره الأخ السائل؛ لأن ما ذكره من الأحاديث التي ترتب دخول الجنة على هذه الأعمال يعارضها أحاديث كثيرة تدل على دخول النار لمن عمل أعمالاً أخرى مع قيام صاحبها بهذه الأعمال الموجبة لدخول الجنة، فجوابنا على هذا وأمثاله من الأحاديث بل من النصوص سواء من القرآن أو من السنة أن يقال: إن ذِكر بعض الأعمال التي تكون سبباً لدخول الجنة ما هو إلا ذكر للسبب، وكذلك ذِكر بعض الأحاديث التي ذكر فيها أن بعض الأعمال سبب لدخول النار ما هو إلا ذكر للسبب فقط، ومن المعلوم أن الأحكام لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها، فهذه الأعمال المذكورة هي سبب لدخول الجنة، لكن هذا السبب قد يكون له موانع، فمثلاً من قال لا إله إلا الله، من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة. هذا إذا قالها على سبيل اليقين والصدق، فإذا قالها على سبيل النفاق -وهو بعيد أن يقولها على سبيل النفاق في هذه الحال- فإنها لا تنفعه. وهكذا من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم، كانوا ستراً له من النار. هذا سبب من أسباب وقاية النار، لكن قد يكون هناك موانع تمنع نفوذ هذا السبب؛ وهي الأعمال التي تكون سبباً لدخول النار. وإن هذه الموانع وتلك الأسباب تتعارضان ويكون الحكم لأقواهما، فالقاعدة إذاً أن ما ذكر من الأعمال مرتباً عليه دخول الجنة ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بالنصوص الأخرى التي تفيد أن هذا لا بد له من انتفاء الموانع. فلنضرب مثلاً أن رجلاً من الناس كافراً ومات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم وصبر، فهل نقول أن هذا الكافر يدخل الجنة ولا يدخل النار؟ لا، كذلك أيضاً في أكل الربا، وكذلك في أكل مال اليتيم، وكذلك في قتل النفس وغيرها مما وردت فيه العقوبة بالنار، هذا أيضاً مقيد بما إذا لم توجد أسباب أو موانع قوية تمنع من نفوذ هذا الوعيد، فإذا وجدت موانع تمنع من نفوذ هذا الوعيد فإنها تمنع منه، لأن القاعدة كما أسلفنا هي أن الأمور لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها.