السؤال:
مرحباً بفضيلة الشيخ، هذه الرسالة امتداد لرسالة سابقة، هذا المرسل محمد حسن من الرياض من كلية أصول الدين، عرضنا رسالته التي يسأل فيها عن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يتسع الوقت لبقية رسالته، وهذا سؤاله الثاني، يقول: سؤالي هذا عن بعض العادات في المآتم، فإذا مات شخص تجمع الناس إلى عدة أيام تنتهي في اليوم السابع أو ينهوه في يومه التالي بما يسمى بالختمة، ويذبحون فيها بعض الحيوانات، وهؤلاء المتجمعون يتبرعون كلٌّ بما يستطيع، وتدفع لصاحب المأتم، وهؤلاء الذين دفعوا هذه المبالغ يأتون في اليوم السابع ويأكلون مما ذبح، ويرون أنهم شاركوا الميت، والرسول صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن ذلك، نرجو توضيح ذلك، وفقكم الله.
الجواب:
الحمد لله، لا شك أن خير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن كل بدعة جاءت بعده في دين الله تعالى فإنها ضلالة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في قولته العامة الشاملة: «كل بدعة ضلالة». وهذه البدع التي أحدثت عند موت الميت، في هذه المآتم التي يجتمع الناس لها، ويحدثون ما يحدثون من الأطعمة، وكذلك القراءات، كلها بدع يجب النهي عنها، والتحذير منها.
والذي ينبغي للمصاب أن يقول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها». فإنه إذا قال ذلك، فإن الله تعالى يأجره في مصيبته ويخلف له خيراً منها، وكما جرى ذلك في عدة أمور من أظهرها وأبرزها ما جرى لأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها حين مات زوجها أبو سلمة، وكانت تحبه حباً شديداً، وكانت قد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مؤمن يصاب بمصيبة فيقول اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيراً منها». فكانت عند مصيبتها في أبي سلمة، فقالت ذلك إيماناً بقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها تقول في نفسها: مَن خير من أبي سلمة؟! فلما اعتدت خطبها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم خيراً لها من أبي سلمة، فرضي الله عنها.
هذا الذي يؤمر به الإنسان، أما عمل الختمة فإن هذا ينبني على مسألة اختلف فيها أهل العلم، وهي إهداء القرب إلى الأموات، فإن أهل العلم اتفقوا على جواز إهداء قرب معينة، واختلفوا فيما سواها.
ومما اختلفوا فيه: إهداء قراءة القرآن إلى الأموات، هل تصل إليهم أو لا تصل إليهم؟ ولكن ما يفعله هؤلاء من إحضار القراء بالأجرة فهذا لا يصل إليهم قطعاً؛ وذلك لأن هذا الرجل الذي يقرأ إنما يقرأ لينال أجراً من الدنيا، فعمله ليس خالصاً لله، والعبادة إذا لم تكن خالصة لله فإنها لا تكون مقبولة، وإذا لم تكن مقبولة فإنه لا ينتفع بها الميت.
وعلى هذا إذا استأجروا من يقرأ ختمةً لهذا الميت فإن الأجرة باطلة لا تصح، وثواب العمل لا يصل إلى الميت - إن قلنا فيه ثواب، مع أننا لا نقول أن فيه ثواباً - وذلك أنه ليس عملاً خالصاً لله عز وجل، وقد قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ ۞ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: 15-16]. وعلى هذا فلا يجوز استئجار رجل ليقرأ الختمة لروح الميت؛ لأن هذه الإجارة باطلة، والثواب إن قُدِّر لا يصل إلى الميت لفقدان العقد، وإذا لم يقدر فيه ثواب - وهو الذي يتنزل على الأدلة الشرعية - فإنه يكون حينئذٍ خسارة مادية على أهل الميت دون فائدة للميت.
السائل:
ربما يقول شخص آخر: لماذا مثلاً يحج الإنسان عن إنسان آخر ويدفع له مقابل هذا الحج، ولا يقرأ للميت ويدفع له مقابلاً؟
الشيخ:
هذه المسألة واردة في الحقيقة، ولهذا فالمشروع في مذهب الحنابلة أن الاستئجار للحج لا يصح، وأن الأجرة تقع باطلة، ويكون ثواب الحج للحاج لا للمحجوج عنه، ونحن نقول كذلك إذا كان الحاج قصده المال، فإن الإجارة لا تصح، ويكون العقد باطلاً، أما إذا كان الرجل الذي حج قصده بذلك مصلحة أخيه وقضاء حاجته، أو قصده مع ذلك أن يصل إلى المشاعر المقدسة ويعمل فيها خيراً فهذا قصد طيب ولا حرج فيه.
فنحن نقول: إذا استؤجر إنسان ليحج عن شخص فإن كان هذا المستأجَر قصده المال فإنه كما قال شيخ الإسلام ليس له في الآخرة من خلاص، ليس له نصيب من ثواب الآخرة، ولا يصح حجه عن هذا الرجل؛ لأنه عقد باطل، وأما إذا كان قصده بذلك قضاء حاجة أخيه، أو المصلحة للوصول إلى هذه المشاعر، وفعل ما يفعل فيها من فعل الخير فلا حرج عليه في ذلك.