مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك
مدة الملف
حجم الملف :
16644 KB
عدد الزيارات 5136

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقبل أن نتكلم في موضوع هذا اللقاء أحب أن أشير إلى هذه المأساة العظيمة التي أوقعها أعداء الله وأعداؤنا من نصارى الصرب في إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك على مرأى ومسمع من هيئة الأمم المتخاذلة، التي لا يشك عاقل يتدبر مجريات الأمور إلا أن هذه الأمم النصرانية لها ضلع كبير في تمكين هؤلاء النصارى الصرب من أن يفعلوا بالمسلمين ما فعلوه، فعلوا أمراً لا يقره عقل ولا دين، يقال: إنهم جمعوا (700) شاب في ملعب رياضي وذبحوهم كما تذبح الشياه والعياذ بالله، يذبحون الشاب أمام إخوانه، ذبحوا (700) شاب على هذا الوجه والعياذ بالله، ثم طردوا النساء والصبيان الذين دون السادسة؛ لأنهم لا يستطيعون أن يحملوهم أو يقوموا بحضانتهم، أما من فوق السادسة إلى السادسة عشرة فإنهم جمعوهم جميعاً وجعلوا بينهم وبين أهليهم أسلاكاً، يصرخ الصبي يا بابا يا ماما ولكن لا مجيب، تتفطر الأكباد، وتنفجر القلوب من هذا الفعل، والأمم المتخاذلة تتفرج، نسأل الله تعالى أن يدمرها وأن يجعل العاقبة للمسلمين.

إني أتمنى أن ينسحب المسلمون من -هيئة الأمم المتخاذلة- المتحدة على القضاء على الإسلام، ولا سيما في دول أوروبا ، ولا سيما بعد أن رأوا تحرك الشباب يريدون الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يريدون نبذ حكم الطاغوت، يريدون أن ينبذوا الحكم بغير ما أنزل الله على رسوله في كتابه وسنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا في كل مكان من الأرض، لما رأت دولة النصارى -وأعني بالدولة اسم الجنس ليشمل جميع دول النصارى- هذه الحركة من المسلمين قالوا: لا يمكن أن تقوم دولة إسلامية في وسط أوروبا، لا بد من القضاء عليها قضاءً مبرماً محكماً، وبهذه الفجيعة وبهذا التخويف، فنسأل الله تعالى القوي العزيز أن يقهرهم بقوته وعزته، وأن يدمر الصرب ومن عاونهم على المسلمين، وأن يهيء للمسلمين رشداً في أمورهم.

إننا أيها الإخوة ملزمون بأن نعين إخواننا هؤلاء الذين نزلت بهم هذه المأساة، ولو بالدعاء، بدعاء الله تعالى في آخر الليل، في السجود، في الفرائض والنوافل، في كل وقت ترجى فيه الإجابة، والله -سبحانه وتعالى- يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقد تتأخر الإجابة ليزداد اضطرار العباد إلى الله -عز وجل-، فنسأل الله تعالى في هذا المكان الطيب، أن ينصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، وأن يثبت أقدامهم، وأن يرحم موتاهم، وأن يكون لأيتامهم وأراملهم، وأن يرينا ما يسرنا في أعداء الله في كل مكان، إنه على كل شيء قدير.
من أحكام النكاح:
أما موضوع هذا اللقاء فهو ما يتعلق بالنعمة الكبيرة التي أنعم الله بها على بني آدم، فإن الله تعالى أنعم على بني آدم بإباحة ما يشتهيه ويلتذ به من طعام وشراب ونكاح، لكن النكاح أمره عظيم، ولهذا كان له شروط في عقده وشروط في حله.
شروط النكاح:
أما عقده فإن أهم الشروط فيه: رضا كل من الزوجين بالآخر، لا بد من رضا الزوج، فلا يجوز إجبار الزوج أن يتزوج بامرأة لا يريدها، وقد كانت عادة عند بعض أهل البادية أن يجبروا الإنسان أن يتزوج بابنة عمه ويرى أن عاراً أن يخرج عن القبيلة، ولهذا يجبرون بعض شبابهم على أن يتزوجوا من بنات عمهم، وهذا غلط، وإذا أجبر الزوج على ذلك فإن النكاح لا يصح، وللزوج أن يمتنع وأن يقول: لا أريد أن أتزوج بهذه المرأة حتى وإن غضب أبوه وأمه؛ لأن هذه أمور تتعلق بالإنسان شخصياً، فكيف يجبر على امرأة لا يريد أن يتزوج بها لمجرد حمية الجاهلية، وإذا كان لا يجبر الإنسان على طعام لا يشتهيه مع أن الطعام أمره سهل ساعة أو نصف ساعة ثم ينحدر إلى الخلاء، فكيف يجبر على أن يتزوج امرأة تبقى معه ما شاء الله أن تبقى، وتكون أم أولاده وهو لا يريدها، كذلك المرأة إذا أجبرت على أن تتزوج بمن لا تريد فإن النكاح لا يصح، حتى وإن كانت بكراً، حتى وإن كان الذي زوجها أبوها، فإنه لا يحل له أن يزوجها بمن لا ترضاه، وسواء عللت عدم الرضا بأن قالت: لا أرضاه لأنه قبيح، لا أرضاه لأنه سيئ الخلق، لا أرضاه لأنه قليل المال، لا أرضاه لأنه أمي، أو قالت: لا أرضاه؛ لأن نفسي لم تطب به، لا أريد أن أتزوج بهذا الرجل، فإنه لا يجوز إجبارها، وإن بعض الناس يجبر ابنته على أن تتزوج بابن عمها، وشرٌ من ذلك من يجبرها على أن تتزوج بهذا الرجل؛ لأن هذا الرجل يريد أن يزوج أباها أو أخاها بأخته أو بنته، فيكون ذلك شغاراً، إذاً: من أهم الشروط في النكاح: رضا الزوج والزوجة، ودليل ذلك: قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم -أي: الثيب التي تزوجت من قبل- حتى تستأمر» والفرق بين الاستئذان والاستئمار أن الاستئمار تشاور وتراود ومبادرة الحديث والنقاش؛ لأن الثيب قد زال عنها الحياء، أما الاستئذان فإنه يقال لها: إن فلاناً خطبك فهل تريدين أن تتزوجي به؟ بدون مشاورة، استئذان فقط، وقد فرق النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين البكر والثيب في الإذن أيضاً، فقالوا: يا رسول الله! البكر تستأذن كيف أذنها؟ قال: «إذنها أن تصمت» ما معنى تصمت؟ أي: تسكت لا تتكلم، فلو قال لها أبوها مثلاً: أترغبين أن تنكحي فلاناً؟ فسكتت، أو قال: فلاناً خطبك فسكتت، فهذا إذن، ولا يحتاج أن تقول: نعم، لأنها بكر تستحي، فإن قالت: لا أريد، فإنه لا يزوجها، ولا يحل له أن يجبرها على ذلك، حتى ولو كان أباها؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم قال: «البكر يستأذنها أبوها» فنص على البكر ونص على الأب، وأما من ذهب من أهل العلم إلى أن البكر يجوز لأبيها أن يجبرها كما زوج أبو بكر عائشة نبي الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قبل أن يستأذنها فإن ذلك مذهب ضعيف؛ لأننا نقول: مَنْ مثل عائشة ومن مثل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هل يعقل أن عائشة ترفض الرضا بالرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يعقل، لكن امرأة في وقتنا الآن يعقل وبكل سهولة أن ترفض النكاح من شخص معين، ونقول لهذا المستدل: ائت لنا بامرأة مثل عائشة ولن تأتي لنا برجل مثل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا تعارض رأي الأب أو الولي الآخر ورأي المرأة، فعينت المرأة شخصاً وعين الولي شخصاً آخر، فبتعيين من نأخذ؟ بتعيين المرأة؛ لأنها هي صاحبة الشأن، فإذا أبى أن يزوجها قال: إما أن تتزوجي من عينته أنا وإلا فلا نكاح، قلنا: اجلس لا تزوجها، يزوجها الولي الآخر الذي بعده، فالأب مقدم على الأخ الشقيق، وإذا أبى الأب أن يزوجها من هو كفء يزوجها أخوها الشقيق، وأخوها من أب يزوجها إذا لم يوجد أخ شقيق، إذا لم يوجد أخ لأب هل يزوجها الأخ من الأم؟ الجواب: لا، الأخ من الأم لا ولاية له، كل الذين يأتون من قبل الأم ليس لهم ولاية، الأخ من الأم لا ولاية له، أبو الأم لا ولاية له، الخال لا ولاية له.

لو وجدنا امرأة ليس لها إلا خال وليس لها عصبة، فإن خالها لا يزوجها، يزوجها القاضي -الحاكم الشرعي- لأن جميع من يأتي من قبل الأم وحدها ليس له ولاية النكاح، لا يزوج، فيجب أن ننتبه لهذا؛ لأن بعض الناس يظن أن الأخ من الأم له ولاية في النكاح وليس كذلك، أقول: إذا أبى الولي الأقرب أن يزوج المرأة من كان كفئاً انتقلت الولاية إلى الولي الآخر الذي يليه، فإن أبى وقال: إذا كان أبوها لم يزوجها فليس لي دخل، نقول: الذي بعده، إذا أبى كل القرابة يزوج القاضي، ومن المعلوم أن النساء قد تستحيي فلا ترفع الأمر إلى القاضي، لكننا نعظ هؤلاء الأولياء: أن يتقوا الله -عز وجل- فيمن ولاهم الله عليهم من النساء، وألا يمنعوهن حقهن في النكاح إذا خطبهن من هو كفء في دينه وخلقه، فإذا قال الأب: أنا أكره هذا الخاطب، لا أريد أن أزوجه؛ لأنه كان بيني وبينه خصومة في أرض سابقاً فلا يمكن أن أزوجه.

فهل هذه علة تمنع نكاح هذه المرأة لهذا الرجل؟

الجواب: ليست علة؛ لأن هذا أمر شخصي بينك وبين الرجل، أما المرأة فلا تمنعها حقها، وإني أقول لهؤلاء الذين يمنعون النساء من أن يتزوجن بمن يكرهون أقول: أرأيتم لو أن أحداً من الناس منعكم أن تتزوجوا أترضون؟

الجواب: لا، فإذا كنتم لا ترضون أن يمنعكم أحد من النكاح فلماذا ترضون أن تمنعوا هؤلاء النساء؟

ثانياً: لا بد من الولي، الولاية تنحصر في: الأبوة والبنوة والأخوة والعمومة والولاء، فمن الذي يدخل في الأبوة؟ يدخل في الأبوة الآباء وإن علوا بمحض الذكور، الأب.. أبو الأب.. أبو أبي الأب.. أبو أبي أبي الأب، أبو الأم؟ ليس ولياً، لماذا؟ لأنه ليس بمحض الذكور، بينه وبين المرأة أنثى، أبو الجدة لا ليس بولي، الفروع؟ تنحصر الولاية في الذكور فقط من الفروع، في الذكور وإن نزلوا بمحض الذكور، الابن ولي، ابن الابن ولي، ابن ابن الابن ولي، ابن البنت؟ لا، لماذا؟ لأنه ليس بمحض الذكور، حال بينه وبينها أنثى، إذا اجتمع أب وابن كامرأة مطلقة لها أب ولها ابن من يزوجها؟ يزوجها الأب، في ولاية النكاح الأبوة مقدمة على البنوة، وفي الميراث البنوة مقدمة على الأبوة -أي: في التعصيب- والأخوّة يدخل فيها الأخ الشقيق والأخ لأب؛ لأن الإخوة الأولياء هم الذكور الذين لم يدلوا بأنثى، الأخ الشقيق، الأخ لأب، ابن الأخ الشقيق ولي، ابن الأخ لأب ولي، ابن ابن الأخ الشقيق ولي، ابن ابن الأخ لأب ولي، ابن الأخت ليس بولي؛ لأنه ليس بمحض الذكور، بينه وبين المرأة أنثى.

الرابع: العمومة يدخل فيها الأعمام وأبناؤهم وإن نزلوا بمحض الذكور، عم شقيق ولي، عم لأب ولي، ابن عم شقيق ولي، ابن عم لأب ولي، عم لأم -عمك أخو أبيك من أمك- ليس بولي، لأنه أدلى بأنثى، وإذا اجتمع ابن ابن أخ شقيق وعم شقيق فإنه يقدم ابن ابن الأخ الشقيق؛ لأنه أسبق في جهة الأخوّة، ولهذا رتبنا الأولياء جهات أربع: أبوّة ثم بنوّة ثم أخوّة ثم عمومة.

الخامس الولاء؛ أي: لو أن إنساناً أعتق أمة وليس لها ولي، فهو الذي يزوجها، فما هو الدليل على اشتراط الولي في النكاح؟ نقول: الدليل بالقرآن والسنة، قال الله تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور:32] والآية ليست (إنكحوا) (أنكحوا) أي: زوجوا الأيامى (الأيامى) جمع أيم وهي التي فقدت زوجها، أو التي لا زوج لها مطلقاً، وقال تعالى: ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ [البقرة:232] فلولا أن النكاح لا ينعقد إلا بولي لكان عضله وعدمه سواء، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكاح إلا بولي» وقال: «أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل» فإذا قدرنا أن الولي الأقرب غائب غيبة منقطعة، يشق علينا أن نصل إليه، يشق علينا أن نأخذ الموافقة منه بالهاتف أو بالفاكس فمن يزوج؟ الأخ، كامرأة أبوها مثلاً في دولة بعيدة، لا نعلم مكانه، ولو علمنا مكانه لا يمكن أن نتصل به، فيزوجها أخوها الذي عندها؛ لأنه متى تعذر الولي الأقرب انتقلت الولاية إلى الأبعد، وكذلك إذا امتنع الولي الأقرب من تزويجها بالكفء انتقلت إلى الولي الأبعد، من شروط النكاح: الخلو من الموانع، هكذا قال بعض العلماء، فلو تزوج إنسان امرأة لا يحل له أن يتزوجها فالنكاح باطل، سواء علم أم لم يعلم.

فلو أن رجلاً تزوج امرأة في عدتها، مات عنها زوجها فتزوجها، فهل نكاحها صحيح أم لا؟

الجواب: لا يصح، والدليل قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ [البقرة:235].

الصورة الثانية: تزوج رجل امرأة في عدة وفاتها لكنه لم يعلم أن العدة لم تنقضِ، ماذا نقول له: النكاح باطل أو غير باطل؟ باطل، قال: أنا ما علمت؟ نقول: الحمد لله، عندما كنت لم تعلم فليس عليك إثم، لكن النكاح باطل يجب أن يفرق بينه وبين المرأة، ثم إذا انتهت العدة عقدنا له من جديد؛ لأنه لا بد من الخلو من الموانع.

الصورة الثالثة: رجل تزوج امرأة ودخل بها، وجاءت منه بأولاد، ثم شهدت امرأة ثقة أنها أرضعت الرجل والزوجة، فهل النكاح صحيح؟ لا، لماذا كان باطلاً؟ لأنها أخته من الرضاعة، وقد قال الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء:23].. إلى قوله: ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء:23] إذاً ماذا نصنع؟ نفرق بينه وبين زوجته التي ظن أنها حلال له، نفرق بينهما، بالنسبة للأولاد الذين جاءوا قبل أن يعلم، هل هم للأم وحدها أم للأم والأب؟ للأم والأب، أما كونهم من أم فواضح خرجوا من بطنها، وأما كونهم من أب فلأنهم خلقوا من ماء يعتقد صاحبه أنه وطء حلال، يقول: أنا لو علمت ما تزوجت.

تحريم المغالاة في المهور:
ومن المهم في النكاح تقليل المهور بقدر الإمكان، فإذا قدرنا أن هذا الرجل بذل عشرة آلاف ريال، فهل يجوز أن نزوجه أم لا يجوز؟

الجواب: يجوز، عشرة آلاف ريال ليست هينة، إنسان رضي أن يزوج ابنته وهي أيضاً رضيت أن يزوجها بعشرة دراهم؟ يجوز، عشرة دراهم! بدرهم واحد؟ يجوز، والدليل: قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للرجل: «التمس ولو خاتماً من حديد» لا يساوي درهماً، فإن قال الرجل للخاطب: أنت رجل صاحب دين وخلق ومال وأنا أريد أن أزوجك ابنتي مجاناً بدون شيء، أنا لا يهمني المال يهمني الرجل، أزوجها لك مجاناً، قال: قبلت، يجوز أم لا؟ يقول أبو البنت: هذه هدية، والبنت موافقة أيضاً، قال: هذه هدية؛ لأن هذا رجل غني وصاحب أخلاق ودين لا يجوز. إنسان آخر خطب منه رجل فقير ليس عنده مال، لكنه صاحب دين وخلق، فقال: إني أزوجك مجاناً تقرباً إلى الله -عز وجل- وصدقة لأنك فقير، فقال: جزاك الله خيراً قبلت، هل يصح النكاح؟ لا يصح النكاح، والدليل: قول الله -تبارك وتعالى- بعد أن ذكر المحرمات: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء:24] لا بد للإنسان أن يطلب المرأة بالمال، فلا بد من المهر، ومن السنة: قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للرجل: «التمس ولو خاتماً من حديد» قال: لا أجد -لم يقل: إذاً نعطيك إياها- بل قال: «هل معك من القرآن شيء؟» قال: نعم، قال: «زوجتكها بما معك من القرآن» والنكاح بالهبة لا يصح إلا لواحد وهو النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب:50].

إذاً: لا يمكن أن يتزوج أحد بالهبة، وإذا قدر أن إنساناً قال: زوجتك مجاناً قال بعض العلماء: إن النكاح غير صحيح، وممن قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وقال بعض أهل العلم: إن النكاح صحيح، ولكن يجب مهر المثل لهذه المرأة، أي: ينظر ما مهر أختها أو أمها أو بنت عمها أو ما أشبه ذلك، وتعطى مثل هذا المهر؛ لأنه لا بد للنكاح من عوض، إنما نحن نقول: العوض لا بد منه، لكن ينبغي أن نقلل الصداق بقدر المستطاع، لكن مع الأسف أن بعض الأولياء -هداهم الله- جعلوا بناتهم سلعاً في المزايدة، إذا خطب الخاطب قال: ماذا عندك؟ قال: عندي عشرة آلاف، قال: لا فلان أعطاني عشرين ألفاً، وخطب الثالث، وقال: أعطيك ثلاثين ألفاً، قال: ارفع قليلاً، طلب زيادة كأنها سلعة يتزايد فيها الناس، وهذا والله حرام عليهم، حتى إن البنت تقول: أنا أريد هذا الرجل ولو بأقل القليل، يقول الأب: لا، وشر من ذلك: أن بعض الناس يشترط لنفسه شيئاً من المهر، يقول الأب: أنا أزوجك لكن أريد (وايت) للغنم، (والوايت) برميل كبير يكون على السيارة يُملأ ماءً، وهو يقول: عندي غنم تحتاج إلى ماء، والماء بعيد أضيف إلى المهر (وايت) للماء، وأريد أيضاً حوضاً كبيراً أنقل به الشعير للغنم، والأم تطلب أيضاً شيئاً، والأخ وهكذا، حتى إن بعض الأحيان يبلغ المهر أكثر من مائتي ألف نسأل الله العافية، هذا الشاب من أين يحصل هذا المبلغ؟ أو يستدين ثم إذا حل الدين قلب عليه مرة ثانية، هذا منكر.

وأقول لهؤلاء الذين يشترطون لأنفسهم: إنه لا يحل لكم شيء من ذلك، حرام عليكم، فإذا تحذلق الأب... وقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أنت ومالك لأبيك» قلنا له: إلى الآن لم يكن المهر مالاً للزوجة حتى الآن، أنت اشترطت هذا قبل أن تملكه البنت، إذا ملكته البنت فخذ ما شئت إذا لم يضرها أو تحتاج إليه، أما أن تشترط لنفسك وتجعلها كأنها سلعة فهذا حرام، اتل هذه الآية: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً﴾ [النساء:4] أي: بعد قبضه ﴿فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾ [النساء:4] فأضاف المهور إلى النساء مما يدل على أن المهر ملك للمرأة.

إذاً: المبحث الثاني من هذا اللقاء المهر، وأنه ينبغي التخفيف والسهولة فيه؛ لأن أعظم النكاح بركة أيسره مئونة.

من منكرات الزفاف:
المبحث الثالث: ما يفعله الناس الآن في ليلة الزفاف، بعض الناس يقتصر على المشروط، يبعث مغنيات بأجرة أو بغير أجرة يغنين بالغناء المباح، ويضربن بالدف من أجل إظهار الفرح والسرور، ولكن لا يتجاوز الحد؛ لأنه يقرأ قول الله تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ [الإسراء:29] ويقول جل وعلا: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء:27] وقد بلغني أن بعض الناس يأتي بمغنيات يعطيهن في تلك الليلة عشرة آلاف، ماذا فعلن حتى نعطيهن عشرة آلاف؟! وبلغني أن بعض المترفين التالفين يأتي بمغنيات من الخارج الليلة بستين ألف ريال، وهذا إسراف، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام:141] وإنه من الأسف أن تصرف مثل هذه الأموال الطائلة في هذه المناسبات وإخوان لنا في مشارق الأرض ومغاربها يقتلون ويشردون من ديارهم ويموتون جوعاً، وكأن بيننا وبينهم عداوة، لن نشعر بأنهم إخواننا وأن آلامهم آلامنا وآمالهم آمالنا، «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» لو أصاب إصبعك ألم ما نمت في الليل؛ لأن الجسد واحد، وهكذا إخواننا لا ننساهم، لا يكون منا هذا البذخ والسرف والبطر وإخواننا محتاجون إلى الأموال.

وأنا لست أقول: إننا نعطي إخواننا كل أموالنا، هذا زمن قد تولى إلا أن يشاء الله، لكن على الأقل نخفف من النفقات التي لا داعي لها ونرسل ما سننفقه في هذه المناسبات إلى إخواننا المتضررين، والحمد لله الآن هيئات الإغاثة قائمة وميسرة، ليس عليك أكثر من أن ترسل الدراهم إلى هذه الهيئات وتقوم باللازم فيها، لكن نسأل الله العافية الناس إذا ارتكبوا شيئاً غفلوا عن أشياء.

الطلاق المشروع والممنوع:
المبحث الرابع: تلاعبُ كثير من الناس اليوم في حل النكاح -في حله لا في عقده- تجد الرجل يغضب على زوجته لأدنى شيء، أدنى شيء يغضب عليها ثم يبت الطلاق، لو دخل وفنجان الشاي ما تم قام يصرخ على المرأة ويقول: أنتِ طالق.. أنتِ طالق.. أنتِ طالق.. ولا يبالي نسأل الله العافية، فإذا قال ذلك وهو من وحي الشيطان سقط في يده وندم، وجعل يتجول بين العلماء لعله يجد مخرجاً، فيقال: لا مخرج لك، لأنك لو اتقيت الله لجعل لك مخرجاً، لكنك لم تتقِ الله.

أولاً: الطلاق الأصل فيه الكراهة.

ثانياً: إذا أراد الزوج الطلاق فلا يطلقها وهي حائض؛ لأن المرأة إذا كانت حائضاً فإن النفس قد تعافها ولا تتعلق بها، ويكون في تلك الحال غير راغب فيها، فمنع من طلاقها حتى تطهر لعله يراجع نفسه.

ثالثاً: لا يطلقها في طهر جامعها فيه؛ لأنها ربما تكون حملت، فإذا طلقها في طهر جامعها فيه ثم بان حملها ربما تكون هذه الطلقة الأخيرة فيندم، ويفوته الولد، وربما يكون الولد في حضانة بعيدة عنه؛ فلهذا لا يجوز أن يطلق الإنسان زوجته لطهر جامعها فيه.

متى يطلقها إذاً؟

يطلقها في حالتين:

الحالة الأولى: أن يطلقها وهي حامل، فإذا طلق زوجته وهي حامل وقع الطلاق خلافاً لما يظنه بعض العوام: أن الحامل لا طلاق لها، هذا غلط، لأن الله قال في سورة الطلاق: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق:1] إلى أن قال: ﴿وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق:4] فطلاق الحامل واقع، ربما تكون هذه آخر طلقة لكن لا يهم؛ لأنه عرف الولد وعرف أنها حامل فله أن يطلقها ولو كان قد جامعها قبل ساعة.

الحالة الثانية التي يباح فيها الطلاق أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، لكن يُستثنى من ذلك من لم يدخل بها، فله أن يطلقها ولو كانت حائضاً، وليس عليها عدة لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ [الأحزاب:49] ولهذا لو أن الإنسان طلق امرأته التي لم يدخل بها في الساعة الثانية عشرة ظهراً، وخطبها إنسان في الساعة الواحدة وتزوجها، ما حكم النكاح؟ صحيح؛ لأنه لا عدة لها، والمحرم النكاح في العدة، وهذه غير معتدة الآن.

إذاً فيجوز أن يُعقد عليها ولو بعد خمس دقائق أو أقل من طلاق الأول، لو فرض أن الكاتب يكتب طلاق الأول ثم يعقد للثاني في نفس اللحظة، يجوز أم لا؟ يجوز؛ لأن المرأة إذا طلقت قبل الدخول فإنه ليس عليها عدة، وحينئذٍ تحل للأزواج.

وهذه مسائل يجب للإنسان أن يعتني بها ويعرفها، وألَّا يخرج من النكاح إلا بحسب الحدود الشرعية، لأن الله تعالى لما ذكر الطلاق قال: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ [الطلاق:1].