أعمال أيام الحج
مدة الملف
حجم الملف :
9993 KB
عدد الزيارات 4854

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثامن والسبعون بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بـ: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي والعشرون من شهر ذي القعدة عام (1418هـ) وبه نختتم لقاءاتنا إلى أن نرجع إن شاء الله من الحج.

في اللقاء الذي سبق هذا تكلمنا عن شروط الحج وعن صفة العمرة والآن نكمل بقية النسك.

فنقول: في اليوم الثامن يحرم المسلمون الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج من منازلهم سواء كانوا في مكة أو في منى أو خارج منى ، يحرمون بالحج ويفعلون عند الإحرام كما فعلوا في العمرة، ويقولون: لبيك اللهم حجاً، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويصلون في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقصر في منى ولا يجمع، والحكمة من ذلك: أن القصر مشروعٌ في السفر مطلقاً والجمع مشروعٌ للمشقة فقط سواء كان في سفر أو حضر، ولذلك يجمع المريض ويجمع الناس في المطر وفي الرياح الشديدة الباردة وما أشبه ذلك، فليكن على بالك أن القصر من مشروعات السفر مطلقاً، وأن الجمع سببه المشقة سواء في السفر أو في الحضر؛ ولذلك لما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقيماً في منى في حجة الوداع لم يكن يجمع.

فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار إلى عرفة ، فإن نزل بنمرة وهي موضعٌ قرب عرفة نزلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى زالت الشمس، فإذا زالت الشمس ركب إلى عرفة ، وفي عصرنا هذا النزول في نمرة متعسر، فلا حرج أن يذهب الإنسان من منى إلى عرفة دون أن ينزل بنمرة ، وينزل هناك بعرفة ، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما زالت الشمس في نمرة أمر بناقته فرحلت له، ثم أتى بطن الوادي -بطن عُرنة- فنزل هناك وخطب خطبة عظيمة بليغة تناولها العلماء بالشرح واستنباط الفوائد منها، ثم أذن -يعني: أمر أن يؤذن- فصلى الظهر، ثم صلى العصر قصراً وجمعاً، ثم ركب عليه الصلاة والسلام حتى أتى الموقف الذي اختار أن يقف فيه، وهو آخر عرفة من الناحية الشرقية، والحكمة في ذلك والله أعلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن يكون في أخريات القوم ليكون متفقداً لأحوالهم ومن احتاج منهم أعانه; فلهذا لم ينزل في أول عرفة مما يلي مكة بل في آخر عرفة مما يلي المشرق، نزل هناك، وقال: «وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف» وكأنه عليه الصلاة والسلام يقول للناس: ابقوا على مواقفكم فإن عرفة كلها موقف، فيقف الإنسان في مكانه في عرفة ولا يشق على نفسه بتعمد الذهاب إلى الجبل -جبل عرفة- لما في ذلك من المشقة الشديدة في عصرنا هذا، وربما ضاع عن قومه وتعب تعباً عظيماً، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى الناس إن يبقوا في مواقفهم فهذا من نعمة الله «وقفت هاهنا و عرفة كلها موقف» فيقف وليس من شرط ذلك أن يكون قائماً على قدميه، ولكن يتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن وما أشبه ذلك إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس ركب متجهاً إلى مزدلفة ، حتى يصل إلى مزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، والتي تقصر هي العشاء كما هو معلوم، ثم يبقى هناك إلى أن يطلع الفجر، فإذا تبين الفجر صلى الفجر، وهنا يصلي راتبة الفجر ثم الفجر؛ لأن راتبة الفجر مشروعة في السفر والحضر. فإذا صلى وسبح التسبيح المشروع بعد الصلاة تفرغ للدعاء والذكر والاستغفار إلى أن يسفر جداً، فإذا أسفر جداً انصرف من مزدلفة إلى منى قبل أن تطلع الشمس، فإذا وصل إلى منى فأول ما يبدأ به أن يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة: الله أكبر، الله أكبر، حتى يتم السبع، وليكن رميه للجمرات قبل أن يحط رحله إن أمكن وإلا فمتيسر والحمد لله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد قبل أن يحط رحله، رماها وهو على بعيره بسبع حصيات، ثم ينصرف إلى المنحر -أي: إلى مكان النحر- فيذبح الهدي الشاة عن الواحد، والبقرة والبدنة عن السبعة، ثم يحلق رأسه والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا للمحلقين، فقال: «اللهم ارحم المحلقين» أو قال: «اغفر للمحلقين ثلاث مرات»، قالوا: والمقصرين؟ قال: «والمقصرين» وبذلك يحل التحلل الأول، ولا يبقى عليه من محظورات الإحرام إلا النساء فقط، فيلبس الثياب ويتطيب وينزل إلى مكة ويطوف ويسعى وهذا الطواف هو طواف الحج ويسمى طواف الإفاضة، ويسعى بين الصفا والمروة للحج أيضاً، ثم يرجع إلى منى ويصلي بها الظهر قصراً بلا جمع ويبقى فيها إلى اليوم الثاني الذي هو الحادي عشر، فإذا زالت الشمس رمى الجمرات الثلاث كل واحدةٍ بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، فإذا رمى الجمرة الأولى وقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلا، وكذلك إذا رمى الثانية. أما إذا رمى الثالثة وهي جمرة العقبة فلا يقف بعدها، لا يوم العيد ولا غير يوم العيد، ويبقى نازلاً في منى ليلاً ونهاراً، فإذا كان اليوم الثاني عشر رمى الجمرات الثلاث بعد الزوال، وبذلك انتهى الحج لمن أراد أن يتعجل.

ومن أراد أن يتأخر فليبق إلى اليوم الثالث عشر، ويرمي الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر كما رماها في اليومين السابقين، وبذلك انتهى الحج لكل أحد.

فإذا أراد السفر من مكة إلى أهله وجب عليه أن يطوف للوداع سبعة أشواط بثيابه العادية وبدون سعي، ولا يجب طواف الوداع على المرأة الحائض ولا على النفساء، وبذلك انتهى الحج.

وليس من شرط الحج ولا من مكملات الحج أن يذهب إلى المدينة؛ لأن الذهاب إلى المدينة سنة مستقلة لا علاقة لها بالحج، فإن شاء ذهب إلى المدينة للمسجد النبوي، وإن شاء أخره إلى وقتٍ آخر.

والمهم أنه يجب أن نفهم أنه لا ارتباط بين الحج وزيارة المسجد النبوي، كلٌ منهما منفردٌ عن الآخر، لكن أهل العلم رحمهم الله يذكرونهما في موطنٍ واحد في كتب الفقه؛ لأنه في ذلك الوقت يصعب أن يشد الرحل استقلالاً للمسجد النبوي لبعد الديار وخطر الأسفار والمشقة الشديدة، فكانوا يجعلون زيارة المسجد النبوي تابعاً للحج وإلا فلا علاقة. بهذا انهى الحج وهنا مسائل:

مسائل متفرقة في الحج :

حكم من أحرم بالحج في اليوم الثامن من غير منزله : 

مسألة: لو أحرم الإنسان بالحج في اليوم الثامن من غير منزله فلا بأس، لكن من المنزل هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم، وبه نعرف أن ما ذكره بعض الفقهاء من أنه يحرم من المسجد الحرام للحج في اليوم الثامن ليس بصحيح، بل هو إلى البدعة أقرب منه إلى السنة، وزاد بعضهم: يحرم من تحت الميزاب -ميزاب الكعبة يعني في الحجر- وهذا أضعف وأضعف؛ لأنه لا دليل على هذا، وتصوروا الآن لو قيل للناس: أحرموا من المسجد الحرام، اجعلهم ثمانمائة ألف. ماذا يكون؟ لا يمكن. على كل حال: يحرم الإنسان من مكانه أو من أي مكانٍ شاء، لكن يكون الإحرام ضحى اليوم الثامن.

حكم تأخير الإحرام إلى صباح يوم عرفة : 

مسألة: لو أخر الإحرام ولم يحرم إلا صباح يوم عرفة واتجه إلى عرفة رأساً، فهذا جائز، لكن الإنسان حرم نفسه هذه الساعات التي مضت عليه دون أن يتلبس بالعبادة، وبعض الناس محروم مسكين، تجده في منى نازلاً وليس له شغل، لكن يقول: سأحرم يوم عرفة، وهذا من تخذيل الشيطان. أحرم في اليوم الثامن يبقى نحو أربعة وعشرين ساعة تغتنمها عبادة لله عز وجل، فتحرم نفسك منها، هذا من الخطأ، لكن لو فعل الإنسان ولم يحرم إلا يوم عرفة وذهب مباشرة إلى عرفة فالحج صحيح وليس عليه شيء، ودليله حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح في مزدلفة ، وأخبره أنه أتى من بعيد من جبل طي ، وأنه أتعب نفسه وأكلَّ راحلته وما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفته».

حكم تأخير الصلاة لمن تأخر وصوله من عرفة إلى مزدلفة :

مسألة: لو تأخر وصوله من عرفة إلى مزدلفة ، فهل يؤخر الصلاة إلى مزدلفة ولو خرج الوقت يعني: ولو انتصف الليل؟ الجواب: لا يجوز، إذا خفت أن يخرج وقت العشاء وأنت قادم من عرفة إلى مزدلفة فصلِّ، انزل من السيارة وصلَّ بعيداً عن خطوط السيارات، ولا تدع الصلاة حتى يخرج وقتها؛ لأن إخراج الصلاة عن وقتها بلا عذر من كبائر الذنوب، وهي مردودة على صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

حكم الدفع من مزدلفة قبل الفجر أو قبل طلوع الشمس :

مسألة: لو دفع الإنسان من مزدلفة قبل الفجر أو قبل أن تطلع الشمس، فهل يجوز؟

الجواب: رخص النبي صلى الله عليه وسلم للنساء وللضعفة أن يدفعوا من مزدلفة بليل -أي: قبل الفجر- لئلا يتأذوا بالزحام، هذه هي العلة المعقولة، فإذا كانت هذه هي العلة ففي وقتنا هذا يمكن أن نرخص لكل أحد أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل؛ لأن مشقة الزحام -إذا دفع بعد أن يصلي الفجر- حاصلة لكل أحد، حتى أشد الناس وأجلد الناس وأقوى الناس سيتكلف، وعلى هذا فلا أرى مانعاً من أن يدفع الناس -أقوياء كانوا أو ضعفاء- في وقتنا الحاضر في آخر الليل، وكنا نختار وإلى الآن نختار: أنه لا يجوز الدفع من مزدلفة إلا بعد صلاة الفجر إلا للضعفاء، لكن في عصرنا الآن كل الناس ضعفاء في الواقع، كل الناس يتأثرون بالزحام ويخافون على أنفسهم.

متى يرمي جمرة العقبة إذا دفع قبل الفجر من مزدلفة:

مسألة: لو دفع قبل الفجر من مزدلفة إلى منى، فهل يرمي جمرة العقبة حين وصوله ولو قبل الفجر، أو ينتظر حتى تطلع الشمس؟

الجواب: يرميها متى وصل إليها؛ لأن رمي جمرة العقبة بمنزلة تحية المسجد بالنسبة لمنى؛ ولهذا قال العلماء: تحية منى رمي جمرة العقبة، والدليل على هذا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام رمى وهو راكب الناقة قبل أن يحط رحله. ثم إن هذه هي الحكمة من الترخيص لهم أن يتقدموا، ما الفائدة أن يتقدموا ثم ينزلون في رحلهم وإذا طلعت الشمس ذهبوا؟ الحكمة مفقودة، أو قليلة جداً؛ لذلك نقول: من حين أن يصلوا إلى منى يرمون جمرة العقبة، وهذا هو فعل أسماء بنت أبي بكر، وكذلك ابن عمر في أهله كان يرسلهم حتى يوافوا منى إما فجراً أو حول الفجر، فيرمون إذا وصلوا.

حكم التقاط حصى الجمرات من مزدلفة :

مسألة: هل من السنة أن يلتقط من مزدلفة حصى الجمرات؟ الجواب: لا. ليس من السنة؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يفعله الصحابة في عهده، لكن بعض السلف استحبه من أجل ألا يحتاج الإنسان إذا وصل إلى منى إلى النزول من راحلته حتى يلتقط الحصى ويرمي بها، وقصدهم بذلك أن يكون من حين وصوله إلى منى يبدأ بالرمي؛ لأن الحصى معه، لكن هذا التعليل في الحقيقة عريض. فشيءٌ لم يفعله الرسول عليه الصلاة والسلام لا تفعله أنت، وأنت إذا وصلت إلى منى سييسرون لك الأمر خصوصاً في وقتنا الآن؛ في وقتنا الآن لا يمكن للراحلة أن تصل إلى الجمرة. إذاً: لا بد أن تمشي، فإذا مشيت فالحصى عندك ملءُ الأرض، خذ من أي مكان، حتى إني رأيت في منسك ابن حزم رحمه الله أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما وقف على الجمرة ليرمي قال لابن عباس : «القط لي الحصى» فلقط له الحصى من عند الجمرة. المهم أنه ليس من السنة أن يحمل الإنسان الحصى من مزدلفة.

حكم عدم ترتيب مناسك يوم العيد الخمسة : 

مسألة: فهمنا الآن أن الإنسان إذا وصل إلى منى يفعل خمسة أشياء كلها في يوم العيد مرتبة كالآتي:

1- رمي جمرة العقبة.

2- ثم النحر.

3- ثم الحلق أو التقصير.

4- ثم الطواف.

5- ثم السعي.

هكذا الترتيب المشروع، لكن لو قدم بعضها على بعض فهل يجوز؟

الجواب:

نعم. يجوز بدون حرج وبدون دم وبدون نقص؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل في التقديم أو التأخير فكان لا يسأل عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج، حتى قيل له: (سعيت قبل أن أطوف، قال: «لا حرج» وهذا من تيسير الله عز وجل. وهنا نقطة: العلماء رحمهم الله اختلفت أقوالهم في هذه المسألة، منهم من قال: لا حرج لكن عليه دم لفوات الترتيب، وهذا قولٌ ضعيف؛ لأنه يخالف الحديث: (لا حرج) ولم يأمره بالفدية، وهل غاب عن النبي عليه الصلاة والسلام وجوب الفدية؟ أبداً والله، أو حضره ولكن كتمه؟ حاشا وكلا. إذاً: إيجاب الدم من أضعف الأقوال. وبعضهم قال: يجوز التقديم والتأخير إذا كان عن جهل أو نسيان; لأن بعض السائلين قال: لم أشعر ففعلت كذا قبل كذا، وترتيب الحكم على الجهل أو النسيان يخالف ترتيبه على العمد، وهذا أيضاً ضعيف؛ لأن السائل سئل عن حالٍ وقعت عليه أنه نسي فقدم وأخر، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا حرج) لكن هل قال له: لا تعد؟ لم يقل: لا تعد. بل قال: (لا حرج) وفي بعض الألفاظ: (افعل ولا حرج) (افعل)؛ يعني: في المستقبل فتقييد ذلك بالجهل والنسيان ضعيف؛ لأنه لو كان لا يجوز في السعة لقال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا تعد، كما قال لأبي بكرة رضي الله عنه حين أسرع وركع قبل أن يصل إلى الصف. قال له: «زادك الله حرصاً ولا تعد» ولم يقل: ولا حرج، فالمهم أن عدم الترتيب جائز بلا حرج، سواء عن عمد أو جهل أو نسيان، لكن يبقى النظر أيهما أفضل: الترتيب أو عدمه؟ الترتيب لا شك أنه أفضل؛ لأنه فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد قال: «لتأخذوا عني مناسككم». فإن قال قائل: إذا كان الأيسر لي أن أقدم الطواف قبل الرمي والحلق أو التقصير؛ لأن معي نساء أخشى أن يأتيهن الحيض قبل طواف الإفاضة، فأضطر إلى أن أبقى في مكة أو أذهب إلى بلدي وأرجع إذا طهرت المرأة؟ قلنا: الآن قد يكون الأفضل في حقك أن تبدأ بالطواف وإن خالفت الترتيب;لعموم قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج:78]، وقوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة:185].

حكم من طاف للوداع قبل رمي آخر يوم :

مسألة: لو طاف للوداع قبل رمي آخر يوم؛ يعني: في اليوم الثاني عشر أراد أن يتعجل فنزل في الضحى وطاف طواف الوداع ثم خرج ورمى وسافر، فهل يجوز؟

الجواب:

لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف» وهذا طاف قبل أن يتم نسكه، وقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال في طواف الوداع: [إنه آخر نسككم] وهذا يدل على أنه لا شيء بعده، وهو كذلك، فعليه لو فرض أن إنساناً طاف للوداع ثم خرج ورمى وسافر فإننا نقول له: طوافك للوداع غير مجزيء ولا هو صحيح، ويؤجر عليه ويثاب عليه لكن لا يجزئ عن طواف الوداع، وعليه عند أكثر الفقهاء دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج.

حكم تأخير طواف الإفاضة إلى طواف الوداع وأحوال ذلك :

مسألة: لو أنه أخر طواف الإفاضة وطافه عند الوداع، فهل يجزئ؟

الجواب:

نعم. يجزئ لكن هنا ثلاثة أحوال:

1- إما أن ينوي به طواف الوداع فقط.

2- أو طواف الإفاضة فقط.

3- أو ينويهما جميعاً.

إن نوى طواف الوداع فقط لم يجزئ عن طواف الإفاضة؛ لأن طواف الوداع واجب وطواف الإفاضة ركن. بل إن طواف الوداع سنة عند كثيرٍ من العلماء وطواف الإفاضة ركن، وإن نوى طواف الإفاضة فقد أجزأ عن الوداع؛ لأنه أعلى منه؛ ولأن المقصود بطواف الوداع أن يكون آخر عهده بالبيت وقد حصل، فيجزئه طواف الإفاضة عن طواف الوداع كما تجزئ الفريضة في المسجد عن تحية المسجد.

الحالة الثالثة: نواهما جميعاً هل يجوز أم لا يجوز؟

الجواب: يجوز، إن نواهما جميعاً جاز؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، لكن يبقى إشكال: السعي لأن طواف الإفاضة بعده سعي ماذا يصنع به؟ نقول: لنا في ذلك جوابان:

الجواب الأول: أن يبدأ بالسعي أولاً ويؤخر الطواف، هذا واحد، وهذا أضعف الجوابين.

الثاني: أن نقول: يطوف ويسعى، ولا يضره الفصل بالسعي؛ لأن السعي في الحقيقة تابع للطواف؛ ولأن عائشة رضي الله عنها لما أتت بالعمرة ليلة السفر فإنها طافت وسعت وقصرت وخرجت، ولم ينقل عنها أنها طافت للوداع بعد سعيها، فدل هذا على أن السعي لا يضر إذا فصل بين الطواف وبين الخروج والسفر.

وإنني أوصي إخواني المسلمين: أن يحرصوا على تعظيم شعائر الله، وعلى فعل الحج على صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم بقدر المستطاع، وأن يتجنبوا ما حرم الله عليهم في الإحرام وغير الإحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا عني مناسككم»، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [الأحزاب:21]. وأسأل الله لنا ولكم حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً.