تفسير آيات من سورة النجم
مدة الملف
حجم الملف :
2064 KB
عدد الزيارات 2189

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى اللقاء المفتوح التي تتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة عام (1418هـ).

تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا وحي يوحى...):

نبتدئ بتفسير ما انتهينا إليه من سورة النجم من قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ۞ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم:4-5]؛ أي: ما القرآن العظيم إلا وحي يوحيه الله عز وجل إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك بواسطة جبريل الأمين، الذي وصفه الله تعالى في هذه الآية بقوله: ﴿شَدِيدُ الْقُوَى ۞ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾[النجم:5-6] (شديد القوى)؛ يعني: أنه قوي. والمرة: الهيئة الحسنة. فهو ذو قوة وذو جمالٍ وحسن. وقد رآه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق، فهو الذي نزل بهذا القرآن، وهو أمين وهو قوي حتى ألقاه على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ۞ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ۞ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء:193-195].

وقوله: (فاستوى)؛ أي: فعلا، أو فكمل؛ لأن الاستواء في اللغة العربية تارة يذكر مطلقاً دون أن يقيد فيكون معناه: الكمال، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ [القصص:14] أي: كمل. وتارة يقيد بـ (على) فيكون معناه: العلو، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ۞ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [الزخرف:12-13]، فقال: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ، وقال: إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ أي: علوتم عليه. ومنه قوله تعالى فيما وصف به نفسه: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]؛ أي: علا عليه عز وجل. والعلو خاص بالعرش، وهذا غير العلو المطلق على جميع المخلوقات. وتارة يتعدى بـ (إلى) يقال: استوى إلى كذا، فيفسر بأنه القصد والانتهاء، ومنه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ [فصلت:11]. وتارة يقيد بالواو فيكون معناه: التساوي. مثل قولهم: استوى الماء والخشبة؛ أي: ساواها. فقوله هنا: فاستوى يحتمل أن المعنى: استوى أي: علا؛ لأن جبريل ينزل من السماء فيلقي الوحي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يصعد إلى السماء، ويحتمل معناه: كمل ويكون كامل القوة، كامل الهيئة، كاملاً من كل وجه مما يليق بالمخلوقات. ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ [النجم:7]؛ أي: جبريل عليه الصلاة والسلام (بالأفق الأعلى)؛ أي: الأرفع. وهو أفق السماء.

تفسير قوله تعالى: (وهو بالأفق الأعلى..):

قال تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ [النجم:8] (دنا) من النبي صلى الله عليه وسلم، (فتدلى)؛ أي: قرب من فوق.فكان أي: جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [النجم:9] وهذا مثل يضرب للقرب، (قاب قوسين)؛ يعني: قريباً جداً بل أدنى، فقوله: (أو أدنى) بمعنى: بل؛ أي: بل هو أدنى من ذلك. (فَأَوْحَى)؛ أي: جبريل ﴿إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم:10]؛ أي: إلى عبد الله، فالضمير في أوحى يعود على جبريل، والضمير في عبده يعود إلى الله عز وجل؛ أي: أوحى جبريل إلى عبد الله ما أوحى، ولم يبين ما أوحى به تعظيماً له؛ لأن الإبهام يأتي مراداً به التفخيم والتعظيم، ومنه قوله تعالى: ﴿فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ [طه:78]؛ أي: غشيهم شيءٌ عظيم. هنا (أوحى إلى عبده ما أوحى)؛ أي: من الشيء العظيم ولا كلام أعظم من القرآن الكريم؛ لأنه كلام الله عز وجل.