نصائح وتوجيهات لطلاب العلم
مدة الملف
حجم الملف :
6121 KB
عدد الزيارات 2294

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي يعبر عنها بـ(لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس التاسع والعشرون من شهر ربيع الثاني عام (1417هـ). وبما أن الناس يستقبلون الدراسة النظامية في الأسبوع القادم فإننا نوجه إخواننا إلى الأمور التالية:

أهمية الإخلاص لطلاب العلم:

الأمر الأول: إخلاص النية في طلب العلم، وذلك أن طلب العلم من العبادات، والعبادات لابد فيها من أمرين:

الأول: الإخلاص لله سبحانه وتعالى.

الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

والإخلاص في طلب العلم يكون بأمور:

الأمر الأول: أن ينوي العبد بطلب العلم امتثال أمر الله؛ لأن الله تعالى أمر بالعلم في قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد:19]. قال البخاري رحمه الله في ترجمة هذه الآية: بابٌ العلم قبل القول والعمل، ثم ساق الآية.

ثانياً: أن ينوي بطلب العلم حفظ شريعة الله تعالى؛ لأن طلب العلم من أكبر وسائل حفظ الشريعة، فالشريعة كما تحفظ في الكتب المؤلفة، كذلك تحفظ بطلب العلم الذي يتضمن معرفة الشريعة.

ثالثاً: أن ينوي بطلب العلم الدفاع عن الشريعة وحمايتها من أعدائها، وذلك أن الشريعة الإسلامية لها أعداء يتربصون بها الدوائر، أعداء يصرحون بالعداوة، وأعداء لا يصرحون بالعداوة، ولكنهم يبطنون العداوة، وهؤلاء الأعداء أشد أثراً من النوع الأول؛ لأن النوع الأول يظهر العداوة ويمكن للإنسان أن يتحرز منه ويعرف ما عنده من الأمور التي يمكن إزالة الشبهة فيها، لكن المشكل إذا كان يبطن العداوة بظاهرِ صَدِيق، أو بثوبِ صَدِيق، هذا لا يمكنك أن تعرف ما عنده حتى تجلوَه، ولا يمكن أن تعرف ما عنده حتى تحترز منه، فالشريعة الإسلامية لها أعداء يتربصون بها الدوائر، إما في العقيدة، وإما في الأخلاق، وإما في الأفكار السيئة أو غير ذلك، فلا بد أن ينوي الإنسان بطلب العلم حماية الشريعة والذود عنها من أعدائها.

ومن ذلك أيضاً: أن ينوي الإنسان بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه؛ لأن الأصل في الإنسان الجهل، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78]. ولا يمكن رفع الجهل عن النفس إلا بالتعلم، ولهذا تشعر الآن أنك إذا جلستَ مجلس علم أدركتَ في هذا المجلس ما ليس عندك سابقاً، اقرأ مثلاً كتاباً، تقرؤه من أوله تحصل على علم، لكن آخره لا تدري ما فيه، حتى تأتي إليه، لذلك يكون في طلب العلم رفع الجهل عن النفس.

ومن ذلك أيضاً: أن تنوي رفع الجهل عن غيرك؛ لأن الناس محتاجون إلى طلب العلم، ومحتاجون إلى علماء يبصِّرونهم ويدلُّونهم على شريعة الله، ويحثونهم عليها، ويرهِّبونهم مما يخالفها، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صحَّت نيته. قالوا: كيف تصح النية؟ قال: ينوي به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره.

أهمية الدعوة إلى الله عز وجل لطلاب العلم: 

لابد لطالب العلم بعد ذلك: من أن يكون داعياً إلى الله عز وجل، والدعوة غير التعليم، المعلم يجلس على كرسيه من جاءه علمه، أو يجلس في مكانه في المسجد من جاء علمه، لكن الداعية هو الذي يخرج ليعلم الناس، لابد أن يكون داعية، الداعية هو الذي يتجول في القرى والمدن، ويدعو إلى الله عز وجل، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل في أيام الموسم قبل أن يهاجر ويدعوهم إلى الله.

فالداعية إلى الله تعالى لابد له من حركة، ثم يجب عليه أن يتجنب ما يكون سبباً للتشويش والخوض فيه، وفي رأيه، فمثلاً: إذا كان عنده أشياء تخالف ما عليه الناس فلا يبثها بين الناس، حتى يتمكن ويكون له قيمة، يؤخذ بقوله؛ لأنه إذا كان صغيراً وأتى بما يجهله الناس، ولا يعرفونه صار عرضة للكلامـ والقيل والقال، وربما لا يُقْبَل منه شيء بعد ذلك.

لزوم العمل بالعلم وثماره: 

كذلك يجب على طالب العلم أن يكون عاملاً بما علم؛ لأن هذه هي ثمرة العلم، أيُّ ثمرة للعلم إذا علمت ولم تعمل؟! لا شيء، بل إن هذا الذي علم ولم يعمل أشد ضرراً على الأمة من رجل جاهل؛ لأنه سيكون قدوة، والناس أكثر ما يأخذون، هو: الاقتداء والتأسي بفعل العالِم، فإذا كان هذا العالِم يبث الشرع في عباد الله، ويدعو إليه، لكن لا يَعْمَل به، لم يثق الناس بعلمه، ولا بدعوته، وهو مع ذلك من أول من تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة، نسأل الله العافية.

حاجة الداعية إلى الحكمة في الدعوة: 

ومما يجب أيضاً على طالب العلم: أن يكون عند دعوته إلى الله عز وجل ذا بصيرة وحكمة بحيث يُنَزِّل الأشياء منازلها، قد يأتي قوماً يكون الخير في دعوتهم، أن يرغبهم في الخير، ولا يذكر الوعيد، وقد يكون معه في قوم الخير أن يذكر لهم الوعيد حتى يتوبوا إلى الله، ويرجعوا مما هم عليه، فلكل مقام مقال.

فإذا استعمل الإنسان الحكمة في دعوته إلى الله عز وجل صار له أثر كبير بالغ.

وليُعْلَم أن الإنسان كلما عمل بعلمه زاده الله علماً، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد:17]. وفي الأثر: "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم".

وقيل:

العلم يهتف بالعملْ *** فإن أجابه وإلا ارتحلْ

نسأل الله لنا ولكم التوفيق لما فيه الخير الصلاح، وأن يجعلنا قادة هدى وإصلاح، إنه على كل شيء قدير.

تفسير قوله تعالى: ﴿وإخوان لوط﴾

أما ما نريد أن نتكلم عليه من التفسير فإنه سبق أن وصلنا إلى قول الله تعالى: ﴿وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ۞ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ [ق:13-14].

قوله: ﴿وَإِخْوَانُ لُوطٍ أي قوم لوط، أُرسل إليهم لوط عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم كانوا -والعياذ بالله- يأتون الذكران ويدَعُون النساء، أي: أن الواحد يجامع الذكر ويَدَع النساء، كما قال لهم عليه الصلاة والسلام: ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ۞ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء:165-166]. دعاهم إلى الله عز وجل، وأنذرهم، وخوفهم من هذا الفعل الرذيل، ولكنهم أصروا عليه، فأرسل الله: ﴿عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ ۞ مُسَوَّمَةً﴾ [الذاريات:33-34]؛ أي: مُعَلَّمَة، كل حجارة عليها العَلَم؛ أي: علامة على مَن تنزل عليه وتصعقه.

وهذه الخصلة الرذيلة من أقبح الخصال، ولهذا كان حدها في الشريعة الإسلامية القتل؛ لأنها أعظم من الزنا؛ لأن الزاني إذا كان لم يتزوج من قبل فإنه يُجلد مائة جلدة، ويُغَرَّب عن البلد سنة كاملة، وإن كان محصناً وهو الذي قد تزوج، وجامع زوجته فإنه يرجم حتى يموت، أما اللواط فإن حده القتل بكل حال، فلو لاط شخص بالغ بآخر بالغ باختيار منهما، فإنه يجب أن يُقتل الفاعل والمفعول به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به». 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الصحابة أجمعوا على قتله، لكنهم اختلفوا كيف يقتل:

فقال بعضهم: يحرَّق بالنار؛ لعظم جرمه والعياذ بالله.

وقال آخرون: يُرجم بالحجارة.

وقال آخرون: يُلقى من أعلى مكان في البلد، ويُتْبَع بالحجارة.

والشاهد أنه رحمه الله نقل إجماع الصحابة على قتله، وإجماع الصحابة حجة، فيكون مؤيِّداً للحديث: «مَن وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به». ولأن هذه الفاحشة الكبرى -والعياذ بالله- فاحشة مفسِدة للمجتمع؛ لأن المجتمع الرجالي يصبح مجتمعاً نسائياً، وهو أيضاً لا يمكن التحرز منه، الزنا يمكن التحرز منه إذا رؤيت امرأة مع رجل في محل ريبة، فإنه يمكن مناقشتهما، لكن إذا رؤي ذكر مع ذكر كيف يمكن أن نناقشهما؟ والأصل أن الرجل مع الرجل يجتمع ولا يتفرق، لهذا كان القول بوجوب قتلهما هو الحق.

أما قوم لوط فقد عرفتم أن الله تعالى أرسل عليهم حجارة من سجيل، مسومة، فدمرهم تدميراً، حتى جعل عالي قريتهم سافلها.

تفسير قوله تعالى: ﴿وأصحاب الأيكة﴾

ثم قال تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ﴾ [ق:14]؛ أي: الشجرة، أرسل الله تعالى إليهم شعيباً فدعاهم إلى الله، وذكرهم به، وحذرهم من بخس المكيال والميزان، لكنهم -والعياذ بالله- بقوا على كفرهم وعنادهم: ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ [الشعراء:189] وهذا العذاب يقال: إن الله تعالى أرسل عليهم حراً شديداً، فلم يجدوا مفراً منه، إلا أنه أُرْسِلَت غمامة واسعة باردة فصاروا يتدافعون إلى ظلها يتظللون بها، فأنزل الله عليهم ناراً فأحرقتهم، وفي هذا يقول تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الشعراء:189].

تفسير قوله تعالى: ﴿وقوم تبع كلٌ كذب الرسل﴾

قال تعالى: ﴿وَقَوْمُ تُبَّعٍ﴾ [ق:14]. أيضاً ممن كذبوا الرسل، وهم أصحاب تبع، وهو ملك من ملوك اليمن أرسل الله إليهم رسولاً فكذبوه، ولم ينقادوا له.

فيقول عز وجل: ﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ [ق:14]؛ أي: أن هذه الأمم الذين حكى الله عنهم الإشارة، بل أشار الله تعالى إلى قصصهم، كلهم كذبوا الرسل، فحق عليهم وعد الله بعذابه وانتقامه.

نسأل الله لنا ولكم الهداية والعافية، إنه على كل شيء قدير.