بدعة إقامة المولد والرد عليها
مدة الملف
حجم الملف :
7993 KB
عدد الزيارات 2537

الحمد لله رب العالمين،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو يوم الخميس، الثالث من شهر ربيع الأول عام (1417هـ) وهو يوم اللقاء الأسبوعي، الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع.

في هذا اللقاء نود أن نتكلم عن مسألة اجتاحت العالم الإسلامي، وهي لا أصل لها، لا في القرآن، ولا في السنة، ولا في عمل الصحابة والتابعين، ألا وهي:

الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الاحتفال قد عم وطم، واعتقده بعض الناس ديناً وشريعة، بل ربما ظنه بعض الناس أنه من أوجب الواجبات، وأنه لا تتم محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا به، ونحن نبيِّن إن شاء الله تعالى في هذا اللقاء أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في اليوم الثاني عشر من هذا الشهر ليس له أصل، لا في التاريخ، ولا في الشرع.

بطلان المولد من الناحية التاريخية:

أما التاريخ: فإنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في اليوم الثاني عشر، بل إن بعض المحققين من علماء الفلك أَكَّدوا أن مولده كان في يوم التاسع من هذا الشهر، واختلف العلماء المؤرخون القدامى على نحو سبعة أقوال، أو ستة أقوال في تعيين يوم مولده، هذا من الناحية التاريخية.

بطلان المولد من الناحية الشرعية:

أما من الناحية الشرعية: فيقال: إن الذين يقيمون هذا الاحتفال: إما أن يكون الحامل لهم محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإما أن يكون الحامل لهم مضاهاة النصارى في الاحتفال بمولد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وإما أن تكون هذه عادة درجوا عليها.

فأما الاحتمال الأول: وهو أن يكون الحامل لهم على ذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنحن نقول: إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على كل مؤمن، بل يجب على كل مؤمن أن يقدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبة كل بشر، وأن يقدم محبته على محبة نفسه، وولده، ووالده، والناس أجمعين، ولا يتم الإيمان إلا بذلك.

ولكن ميزان المحبة الحقيقية هو: الأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن لا نتقدم بين يديه، وأن لا نشرع في دينه ما لم يشرعه؛ لأننا لو تقدمنا بين يديه لأسأنا الأدب، وإساءةُ الأدب يعني: عدم المبالاة بِمَن يكون أمام الشخص، ولو شرعنا في دينه ما لم يشرعه لكان في هذا قدح في تبليغه للأمة عليه الصلاة والسلام.

مفاسد البدع:

ونحن نتكلم الآن عن البدع من حيث هي، ومنها: الاحتفال بالمولد، أي إنسان يحدث بدعة فإننا نقول له: إنك واقع في معصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وفيما حذر عنه في قوله عليه الصلاة والسلام: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» وهذه مفسدة عظيمة.

ومن مفاسد البِدَع: أنها نوع من الشرك، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى:21]. ولا يخفى أن الشرك لا يُغْفَر، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:48]. وظاهر الآية الكريمة: أن الشرك لا يُغْفَر ولو كان أصغر.

ومن مفاسد البدع: أن فيها صداً عن سبيل الله؛ لأن الإنسان يشتغل بها عن العبادة الثابتة حقاً، فما ابتَدَع قومٌ بدعة إلا أضاعوا من السنة ما هو مثلها، أو أعظم منها.

ومن مفاسد البدع: أنها تستلزم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يبلغ ما أرسل به، أو كان جاهلاً به، ووجه ذلك: أننا إذا بحثنا في القرآن والسنة لم نجد هذه البدعة، فإما أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام غير عالم بها، وهذا قدح فيه عليه الصلاة والسلام، وإما أن يكون عالماً لكن لم يبلغها الناس، وهذا قدح فيه أيضاً، في أنه لم يبلغ ما أرسل إليه.

ومن مفاسد البدع: أنها تنافي قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً﴾ [المائدة:3]؛ لأن مقتضى المبتدع: أن الدين لم يَكْمُل؛ لأننا لا نجد هذه البدعة في دين الله، وإذا كانت من دين الله على زعم هذا المبتدع، وهي لم توجد فيه فإن الدين على زعمه لم يَكْمُل، وهذه مصادمة عظيمة؛ لقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3].

ومن مفاسد البدع: أن مبتدعها نَزَّل نفسه منزلة الرسول؛ لأنه لا أحد يشرع للخلق ما يقرب إلى الله تعالى إلا مَن أرسله الله عز وجل، ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا الذي ابتدع كأنه بلسان الحال يقول: إنه يُشَرِّع للناس ما يقرب إلى الله، وهذه تعني أنه مشارك للرسول صلى الله عليه وسلم في الرسالة.

ومن مفاسد البدع: أنها قول على الله بلا علم، وهذا محرم بإجماع المسلمين، قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:33]. ولها مفاسد أخرى لو تأملها الإنسان لوجدها تزيد على هذا بكثير، لكنَّا نقتصر على ذلك.

أقسام الناس المحتفلين بالمولد:

نعود إلى أصل الكلام وهو: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: إن الذين يحتفلون بذلك لا تخلو حالهم من ثلاث حالات:

إما أن يكون محبة للرسول عليه الصلاة والسلام.

أو مضاهاة للنصارى.

أو لأنه أمرٌ معتاد مَشَوا عليه.

شبهة من يقيمون المولد محبة لرسول الله والرد عليهم:

الذين يحتفلون بالمولد إذا كان محبةً للرسول عليه الصلاة والسلام فنقول: لا شك أن محبة الرسول واجبة، بل يجب تقديم محبته على محبة النفس والناس أجمعين، لكن هل من محبته أن نتقدم بين يديه، وأن نشرع في دينه ما ليس منه؟ كلا، يقول الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران:31] . ويقول الله تبارك وتعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف:158].

فلازم المحبة الصادقة: أن لا يتقدم الإنسان بين يدي الرسول فيدخل في دينه ما ليس منه.

ثم نقول ثانياً: هل أنت أيها المحتفل بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام أشد حباً لرسول الله من أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وفقهاء الصحابة، وعامتهم، وأئمة التابعين مِن بعدهم، وتابعي التابعين؟!

إن قال: نعم، فهو من أكذب الناس، وإن قال: لا، نقول: يسعك ما وسعهم، فهل أقاموا احتفالاً للرسول عليه الصلاة والسلام؟! أبداً لم يُقَمْ هذا الاحتفال إلا في القرن الرابع الهجري، فما بال الأمة الإسلامية لم تقمه قبل ذلك؟! أهي جاهلة به، أم مخالفة عن علم، أم هي ناقصة المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

ثم نقول ثالثاً: إذا كان ذلك بدعوى أنك تحيي ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول له: ألا يكفيك ما تحيا به ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عباداتك؟!

كل عبادة هي إحياء لذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن كل عبادة شرطها:

1- الإخلاص.

2- المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.

فإذا شعرت وأنت تتعبد لله تعالى بهذين الشرطين: الإخلاص لله، والمتابعة، فإن هذه ذكرى للرسول عليه الصلاة والسلام.

لكن مع الأسف أن كثيراً من الناس اليوم يتعبدون لله بالعبادات على أن هذا هو الأمر الجاري، وقَلَّ مَن يتنبه إلى أنه يصلي إخلاصاً لله، ومتابعةً لرسول الله، أو يتطهر لذلك، أو ما أشبهه، وإلا فكل إنسان يشعر حين العبادة بالإخلاص، والمتابعة للرسول، فإن عبادته إحياء لذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام.

ثم نقول: إن الله شرع لعباده ما تكون به ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو خير من هذا الذي تريد، خير وأعم وأشمل، فالمسلمون في كل صلاة مفروضة يُعْلِنون إعلاناً بأعلى ما يكون من الصوت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، في كل أذان، وليس يقتصر على ليلة من العام، بل كل العام، بل كل يوم، والمسلمون في كل صلاة يقولون: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. فهذا كافٍ في إحياء ذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا -أعني: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والتقيد بسنته- أكبر دليل على محبته، وكلما كان الإنسان للرسول أتبع، كان له أحب، وكلما كان أحب فهو له أتبع.

من يقيمون المولد مضاهاة للنصارى والرد عليهم:

الثاني: أن يفعلوا ذلك مضاهاة للنصارى: فنقول: إن ثبت أن النصارى قد شُرِع لَهُم أن يَحتفلوا بِمَولد نبيهم عيسى عليه الصلاة والسلام فقد ورد شرعنا بِخِلافه، فهل نأخذ بشريعة النصارى؟ أم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام؟! الجواب: الثاني بلا شك.

إذا قُدِّر على الفرض الذي قد يكون محالاً: أنه من المشروع للنصارى أن يحتفلوا بميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام، فإن شريعتنا لم تَرِد بالاحتفال بمولد رسولنا صلى الله عليه وسلم، فكيف تتأسى بالنصارى في احتفالهم بمولد عيسى عليه الصلاة والسلام، ولا تتأسى بأبي بكر، و عمر، و عثمان، و علي، وفقهاء الصحابة، وعامتهم، وأئمة المسلمين مِن بعدِهم؟! ليس هذا إلا جهل وسفه.

من يقيمون المولد على سبيل العادة والرد عليهم:

وأما إذا كان الاحتفال على سبيل العادة وهو الاحتمال الثالث: أنها عادة مشى الناس عليها، فإننا نقول: العبادات لا تنقلب عادات باستمرار الناس عليها، ولو أننا أخذنا بذلك لكانت صلاتنا، وصيامنا، وحجنا، وزكاتنا، كلها عادات، ولا أحد يقول بهذا.

ولو فتحنا هذا الباب لكنا نسمي هذه العبادات العظيمة: تقاليد وعادات، وما أشبه ذلك، ونسلب عنها معنى العبادة وروحها.

ثم نقول: هل العادات يَحِلُّ فيها أن يَذْكُر الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نهى عنه هو عليه الصلاة والسلام؟ الجواب: لا، فهو عليه الصلاة والسلام نهى عن البدع وقال: «كل بدعة ضلالة» ونهى عن الغلو فيه.

والذي بَلَغَنا أن هؤلاء الذين يحتفلون بعيد المولد، أنهم يذكرون من الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصل إلى حد الشرك، فنسمع أنهم يرددون ما قاله البوصيري في قصيدته، فيرددون:

يا أكرم الخلق، ما لي من ألوذ به *** سواك عند حلول الحادث العَمِمِ
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي *** عفواً وإلا فقل: يا زلة القَدَمِ

حتى قال:

فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقَلَمِ

إذا كانت الدنيا وضرتها -وهي: الآخرة- من جود الرسول فماذا يبقى لله؟! لا يبقى لله شيء! ومع ذلك ليست الدنيا والآخرة هي جود الرسول بل هي من جوده، وهناك جود آخر فوق الدنيا والآخرة.

ومن علومك علم اللوح والقَلَمِ

من علومه: علم اللوح والقلم، والله عز وجل يقول لرسوله: ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام:50] وهذه الجملة تعني: أنه يقول: إنما أنا عبد أتبع مايوحَى إلي. وهؤلاء يرددون:

فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقَلَمِ

وبلغنا أيضاً: أنه يجتمع الرجال والنساء في مكان واحد، ويحصل التصفيق، وترنَّمات بأصوات مغرية، مثيرة للشهوة، موجبة للفتنة.

وبَلَغَنا عنهم -يعني: عن بعضهم، والمراد: الجنس، ليس هو كل واحد بعينه- ما يُعَدُّ سفهاً في العقل، كما هو ضرر في الدين.

بلغنا أنهم في أثناء هذه السَّكرة؛ ولا أعني سكرة الخمر، ولكنها سكرة الفكر، في هذه السكرة يقومون: عليك السلام، عليك السلام، يقولون: إن الرسول حضر ودخل عليهم، ولو كانوا في أقصى المشرق، أو أقصى المغرب، قام من قبره في المدينة، وأتى إليهم، وسلم عليهم، وهذا لا شك أنه سفه.

هل أحد يبعث قبل يوم القيامة؟! الجواب: ليس هناك أحد يبعث من هذه الأمة قبل يوم القيامة، إلا أن يكون كرامة لسبب من الأسباب ويزول، أما أن يبعث الرسول عليه الصلاة والسلام ويأتي إلى هؤلاء، وإذا قدَّرنا أن في الأمة الإسلامية عشرات الآلاف يَحتفلون بهذا، في عدة أماكن، والليلة واحدة، كيف يدور الرسول عليه الصلاة والسلام على هؤلاء؟!

أقول ذلك ليتبين أن مثل هذه الاحتفالات كما أنها مخالفة للشرع، فإنها مخالفة للعقل، ضلال في الدين، وسفه في العقول.

أقول هذا لا لأنها موجودة عندنا في المملكة العربية السعودية -والحمد لله- على وجه ظاهر كما توجد في البلاد الأخرى، ولكن ليتبين لطالب العلم حكم هذه المسألة، ولتقوم الحجة عليه -أي: على طالب العلم- بأن يعلنها صريحة لقومه، بأن هذا ليس من شريعة الله، يعني: يخاطب الناس ويقول: أنتم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإذا كان لا إله إلا الله فالحكم لمن؟ لله، وإذا كان محمد رسول الله فالشريعة شريعة رسول الله، فليس لنا أن نحكم بشيء إلا ما حكم الله به، ولا أن نتبع بشراً إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

هذا ما أحببت أن يكون موضوع درسنا في هذا اللقاء.

وأسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً، وأن يهدي المسلمين لاتباع سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنه على كل شيء قدير.