أحكام الأضحية
مدة الملف
حجم الملف :
6645 KB
عدد الزيارات 1857

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثاني والتسعون من لقاءات الباب المفتوح، والذي يكون يوم الخميس الرابع من شهر ذي الحجة عام (1415هـ) نتكلم فيه الآن عن الأضحية.

الأضحية مشروعة بإجماع المسلمين، قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر:2] ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج:34].

وقد قال بعض العلماء: إنها واجبة ومن كان قادراً ولم يضح فهو آثم، وهذا مذهب أبي حنيفة -رحمه الله-، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، والأضحية مشروعة للأحياء إذ لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا عن الصحابة أنهم ضحوا عن الأموات استقلالاً، وإنما كان الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته.

شروط الأضحية:

الأضحية تكون من الإبل والبقر والغنم، ولهذا نقول: إن شروط ما يضحى به أربعة:

الشرط الأول: أن يكون من الجنس الذي ثبت في الشرع أنه يضحى به، وهو: الإبل والبقر والغنم، فلو ضحى بفرس مثلاً فإنه لا يقبل منه؛ لأنه ليس من الجنس الذي يضحى به، حتى وإن كان أغلى من الإبل والبقر والغنم، ودليل هذا: قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» أي: مردود عليه.

الشرط الثاني: أن يبلغ السن المعتبر شرعاً: وهو في الضأن نصف سنة، وفي المعز سنة، وفي البقر سنتان، وفي الإبل خمس سنوات، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن».

الشرط الثالث: السلامة من العيوب التي تمنع الإجزاء، وهي المذكورة في قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقي» العجفاء: الهزيلة، والتي لا تنقي: ليس فيها مخ.

فهذه العيوب الأربعة تمنع من الإجزاء، لو ضحى الإنسان بشاة عوراء بين عورها فإنها لا تجزئ، ولو ضحى بشاة عرجاء بين ضلعها لم تقبل. ولو ضحى بشاة مريضة بين مرضها لم تقبل، ولو ضحى بهزيلة ليس فيها مخ فإنها لن تقبل.

وكذلك ما كان بمعنى هذه العيوب أو أولى منها: كالعمياء مثلاً: فإنه لو ضحى بعمياء لم تقبل منه، كما لو ضحى بعوراء بين عورها، وكذلك مقطوعة اليد أو الرجل؛ لأنه إذا كان لا تجزئ التضحية بالعرجاء فالمقطوعة اليد والرجل من باب أولى، ولا تجزئ التضحية بما أصابها سبب الموت كالتي في الطلق المتعسر حتى تنجو، وكذلك المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع كل هذه لا تجزئ؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من المريضة، وأما العيوب التي دون هذه فإنها تجزئ الأضحية، ولو كان الأضحية فيها شيئاً من هذه العيوب، لكن كلما كانت أكمل فهي أفضل، فالتي قطع من أذنها شيء أو من قرنها شيء أو من ذيلها شيء تجزئ، لكن الأكمل أولى، ولا فرق بين أن يكون القطع قليلاً أو كثيراً حتى لو قطع القرن كله أو الأذن كلها أو الذيل كله، فإنها تجزئ، لكن كلما كانت أكمل فهي أفضل.

الشرط الرابع: أن تكون الأضحية في الوقت الذي حدده النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وهو من صلاة العيد إلى آخر يوم من أيام التشريق.

فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل الصلاة فإنه لا أضحية له، حتى وإن كان جاهلاً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس وأخبر: «أن من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له» فقام رجل يقال له أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله، إني نسكت قبل أن أصلي، فقال: «شاتك شاة لحم» وقال: «من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له» وقال: «فليذبح مكانها أخرى».

وكذلك من ضحى بعد انقطاع أيام التشريق فإنه لا أضحية له؛ وذلك لأنه ضحى خارج الوقت، فهذه شروط ما يضحى به: أن تكون من بهيمة الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم، وأن تبلغ السن المعتبر شرعاً بأن تكون ثنية من الإبل والبقر والماعز، أو جذعة من الضأن.

والشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء.

والشرط الرابع: أن تكون في الوقت المحدد.

ثم إن السنة ألا يغالى بالأضاحي لكثرة العدد؛ لأن هذا من الإسراف.

فإن بعض الناس الآن تجد الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته بأضحية كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- والسلف الصالح يفعلون ذلك، ولكن تأتي الزوجة تقول: أريد أن أضحي، وتأتي البنت تقول: أريد أن أضحي، وتأتي الأخت وتقول: أريد أن أضحي، فيجتمع في البيت ضحايا متعددة، وهذا خلاف ما كان عليه السلف الصالح، فإن أكرم الخلق محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فإنه لم يضح إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، ومعلوم أن له تسع نساء -يعني: تسعة بيوت- ومع ذلك ما ضحى إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، وضحى بأخرى عن أمته -صلى الله عليه وسلم-.

وكان الصحابة يضحي الرجل منهم بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، فما عليه كثيرٌ من الناس اليوم فهو إسراف، ونقول لهؤلاء الذين يضحون بهذه الضحايا: إذا كان عندكم فضل مال فهنا أناس محتاجون إليكم في الأرض من المسلمين، كالبوسنة والهرسك وكذلك في أفريقيا مدن كثيرة من هذا، وكذلك أيضاً في الجمهوريات الروسية التي تحررت من قبضة الشيوعية فيهم حاجة كثيرة.

ذبح الأضحية في بلد المضحي: 

ومما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه: ما شاع وذاع من هيئة الإغاثة بطلب الفلوس من الناس يضحى بها في أماكن أخرى، فإن هذا خلاف السنة.

السنة: أن الإنسان يضحي في بيته عنه وعن أهل بيته يأكلون ويتمتعون ويشكرون الله -سبحانه وتعالى- على هذه النعمة، ونقل الأضحية إلى أماكن أخرى يفوت به مصالح كثيرة:

منها: ظهور الشعيرة، فإنك إذا ضحيت في مكان آخر خفيت الشعيرة في البلد، وربما مع طول الزمن لا يكون في البلد أضاحي إطلاقاً تصرف إلى الخارج، لا سيما إذا قيل للناس: إنها في الخارج أرخص من هنا، وإنك إذا ضحيت هنا بأضحية واحدة تستطيع أن تضحي بثلاث ضحايا في البلاد الأخرى، ولا شك أن خفاء الشعائر ضرر.

ومن المصالح التي تفوت: أن الإنسان إذا ضحى في بلاد أخرى فإنه يفوته ذكر اسم الله عليها، وذكر اسم الله عليها من أفضل الأعمال كما قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36].

ومنها: أنه يفوته أن يأكل منها، والأكل منها مؤكد فقد قدمه الله تعالى على الصدقة: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28] ولهذا لما أهدوا النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة بدنة أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدرٍ فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها؛ تحقيقاً لأمر الله تعالى في قوله: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج:28].

ومن المصالح التي تفوت في التضحية خارج البلد: أن الإنسان لا يطمئن كيف وزعت، وهل وزعت على وجه مشروع أم على وجه غير مشروع؟ وإذا كانت عنده اطمأن، ووزعها بنفسه أو يوزعها وكيله الذي يشاهده.

ومنها: أنها إذا ضحيت في بلاد أخرى فإنه لا يدري متى تضحى، قد تضحى قبل الوقت جهلاً من المضحي، وقد تضحى بعده، ثم هو مرتبط بها؛ لأنه لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي، ولا يدري متى تذبح هذه الأضحية فيبقى معلقاً كل أيام العيد لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشره شيئاً؛ لأنه لا يدري هل ذبحت الأضحية أم لا؟ ولا سيما إن كانت في بلاد شرقية فإنهم يتأخرون عنها في الغالب يوماً وربما يتأخرون يومين، فيبقى معلقاً من العيد إلى أيام التشريق الثلاثة.

إلى اليوم الرابع الزائد أو الخامس، ومن المصالح التي تفوت: التعيين وهو أمر مهم، فإن الأضاحي هناك إذا جمعوا -مثلاً- ألف رأس، ثم أرادوا أن يذبحوها لا يقولون: هذه عن فلان؛ لأن هذا يصعب عليهم، فلا يعينوها، وإذا لم تعين فقد يقال: إنها لا تجزئ؛ لأنه إذا ذبح واحدة من ألف وسئل: لمن هذه؟ قال: هذه لواحد من هؤلاء الألف، فمن الواحد إذ أنه ليس عندهم قوائم كتبت بها الأسماء وصاروا يعطون للغنم ويذبحونها على حسب هذه القائمة، وهذا أمر خطير؛ لأنه قد يقال بعدم الإجزاء في هذه الصورة إذا لم يعين من هي له.

ليست الأضاحي كطعام يجمع ويوزع وكل ينال أجر صدقته، ولا دراهم كذلك تجمع وتوزع وكل له أجر صدقته، هذه قربات يتقرب الإنسان بها إلى الله في ذبح المعينة التي له، وهذا قطعاً لا يتسنى فيما إذا ضحى في بلد آخر.

ومن المحاذير التي تحصل: أنه إذا جمع مثلاً في هذا المكان آلاف الضحايا فهل بإمكانهم أن يذبحوها في وقت الأضحية، قد لا يستطيعون كما جرى هذا في المسالخ التي في منى، فإنهم في سنة من السنين عجزوا أن يقوموا بذبح الهدايا كلها قبل فوات أيام التشريق، وحينئذٍ لا تذبح الأضحية إلا بعد فوات الوقت، والحاصل: أن كل شيء يخل الإنسان فيه بالمشروع فإنه يترتب عليه محاذير.

إذاً:المشروع أن تذبح الأضحية في البلد، والأفضل أن يذبحها الإنسان في بيته ويشاهدها أهله وأولاده، ويصطبغ في قلوبهم محبة هذه الشعيرة، وليعلم أنه ليس المقصود من الأضحية الفائدة المادية -يعني: الأكل أو الدراهم- لقول الله تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج:37] والدليل على ذلك: أن هذه الأضحية جعل الله لها حرمات قبلها، واعتنى الشرع بها، فإذا دخلت العشر من ذي الحجة والإنسان يريد أن يضحي حرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو بشرته أو جلده.

ونسأل: لو أراد أن يتصدق يوم العيد بألف ريال فهل يحرم عليه إذا دخل العشر أن يأخذ من شعره وبشرته وأظفاره شيئاً؟ لا، إذاً: عرفنا أن الأضحية عبادة مستقلة لها كيانها ولها أهميتها، وليس المقصود لحماً يأكله الفقير أو ما أشبه ذلك.

فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم البصيرة في دينه، وأن يعيننا على العمل به إنه على كل شيء قدير.

وإنني بهذه المناسبة: أود من إخواني المسلمين أن لا ينسابوا أمام العواطف، بل يجب عليهم أن يتحروا ما كان موافقاً للشرع.