تفسير آيات من سورة الأعلى
مدة الملف
حجم الملف :
7506 KB
عدد الزيارات 2158

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإننا نستفتح لقاءنا الأسبوعي هذا وهو اللقاء الثاني من شهر رجب عام (1414هـ)، والذي يتم في كل يوم خميس، نستفتحه بتفسير سورة ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى:1] لأنه انتهى بنا المطاف في تفسير جزء النبأ إلى هذه السورة، واخترنا أن نفسر السور القصيرة وهي المفصل؛ لأنها تقرأ كثيراً في الصلوات على العامة، والقرآن نزل لأمور ثلاثة: الأول: التعبد لله -سبحانه وتعالى- بتلاوته، مما يترتب عليه الأجر، فإن من قرأ حرفاً من القرآن كان له به عشر حسنات. والثاني: التدبر لمعانيه. والثالث: الاتعاظ به، قال الله -تعالى-: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص:29] ولا يمكن أن يتذكر أحد بالقرآن إلا إذا عرف المعنى؛ لأن الذي لا يعرف المعنى بمنزلة الذي لا يقرأ، كما قال الله -تعالى-: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾[البقرة:78] أي: إلا قراءة، لهذا ينبغي للمسلم أن يحرص على معرفة معنى القرآن؛ حتى ينتفع به، وحتى يكون متبعاً لآثار السلف فإنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات، حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل.


تفسير قوله -تعالى-: (سبح اسم ربك الأعلى):

فنبدأ بأول سورة ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى:1] البسملة سبق الكلام عليها، وأنها آية من كتاب الله مستقلة؛ ليست من الفاتحة ولا من البقرة، ولا من آل عمران ولا من أي سورة في القرآن، لكنها آية مستقلة تتنزل في ابتداء كل سورة، ولهذا كان الصحيح أن أول آية في الفاتحة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2] والثانية: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:3] والثالثة: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة:4] والرابعة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] والخامسة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:6] والسادسة: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة:7]والسابعة: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة:7] هذا هو القول الصحيح الذي دلت عليه سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول الله -تعالى-: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾[الأعلى:1] والخطاب هنا للرسول -صلى الله عليه وسلم- والخطاب الموجه للرسول في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يقوم الدليل على أنه خاص به فيختص به. والقسم الثاني: أن يقوم الدليل على أنه عام، فيعم. والقسم الثالث: ألا يدل الدليل على هذا ولا على هذا، فيكون خاصاً به لفظاً، عاماً له وللأمة حكماً. مثال الأول: قوله -تبارك وتعالى-: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ۞ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ [الشرح:1-2] وأيضاً قوله -تعالى-: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً﴾ [النساء:79] فإن هذا من المعلوم أنه خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ومثال الثاني: الموجه للرسول -صلى الله عليه وسلم- وفيه قرينة تدل على العموم قوله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق:1] فوجه الخطاب أولاً للرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ ولم يقل يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم، ثم قال: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ ولم يقل: يا أيها النبي إذا طلقت، فدل هذا على أن الخطاب موجه للرسول -صلى الله عليه وسلم- وللأمة. وأما أمثلة الثالث فهي كثيرة جداً، يوجه الله الخطاب للرسول -صلى الله عليه وسلم- والمراد: الخطاب له لفظاً وللعموم حكماً، هنا يقول الله -عز وجل-: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ ﴿سَبِّحِ﴾ يعني: نزه الله عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته، فإن التسبيح يعني: التنزيه، إذا قلت: سبحان الله يعني: تنزه الله عن كل سوء، عن كل عيب، عن كل نقص، ولهذا كان من أسماء الله -تعالى-: السلام، القدوس؛ لأنه متنزه عن كل عيب، ونحن نضرب لكم الأمثلة: من صفات الله تعالى: الحياة، هل في حياته نقص؟ لا. حياة المخلوق فيها نقص: أولاً: لأنها مسبوقة بالعدم، فالإنسان ليس أزلياً. وثانياً: أنها ملحوقة بالفناء ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن:26]. ومن صفاته -تعالى-: السمع، وسمع الله ليس فيه نقص، يسمع كل شيء، حتى إن المرأة التي جاءت تشتكي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- والتي ذكر الله -تعالى- قصتها في سورة المجادلة، كانت تحدث النبي -صلى الله عليه وسلم- و عائشة في الحجرة يخفى عليها بعض حديثها، والله -تعالى- يقول في كتابه: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة:1]. ولهذا قالت عائشة : [الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، إن المرأة لتشتكي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنه ليخفى علي بعض حديثها]. إذاً: معنى سبحان الله: أي أنزه الله عن كل عيب ونقص. وقوله: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ قال بعض المفسرين: إن قوله: (اسم ربك) يعني: مسمى ربك؛ لأن التسبيح ليس للاسم بل لله نفسه، ولكن الصحيح أن معناه سبح ربك ذاكراً اسمه، يعني: لا تسبحه بالقلب فقط، بل سبحه بالقلب واللسان، وذلك بذكر اسمه تعالى، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة:74] يعني: سبح تسبيحاً مقروناً بالاسم؛ وذلك لأن تسبيح الله تعالى قد يكون مقروناً بالقلب -بالعقيدة- وقد يكون باللسان، وقد يكون بهما جميعاً، والكمال أن يسبح بهما جميعاً: بقلبه لافظاً بلسانه. وقوله: ﴿رَبِّكَ﴾ الرب: معناه الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، فالله -تعالى- هو الخالق وهو المالك، وهو المدبر لجميع الأمور، وهل المشركون يقرون بذلك؟ الجواب: نعم. يقرون بذلك، قال الله -تعالى-: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزمر:38] .. ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[الزخرف:87] وأخبر الله -سبحانه وتعالى- أنهم إذا سئلوا: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ [يونس:31] فهم يقرون بأن الله له الملك، وله التدبير، وله الخلق، لكن يعبدون معه غيره من الجهل، كيف تقر بأن الله هو وحده الخالق المالك المدبر للأمور كلها وتعبد معه غيره؟! إذاً: معنى الرب على هذا هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، وكل إنسان يقر بذلك يلزمه ألا يعبد إلا الله، كما تدل عليه الآيات الكثيرة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:21] قال: (اعبدوا ربكم الذي خلقكم) يعني: لا تعبدوا غيره. وقوله -تعالى-: ﴿الْأَعْلَى ﴾من العلو، وعلو الله -عز وجل- نوعان: علو صفة، وعلو ذات. أما علو الصفة: فإنه أكمل الصفات لله -عز وجل- قال تعالى:﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل:60]. وأما علو الذات: فهو أن الله -تعالى- فوق عباده مستوٍ على عرشه، والإنسان إذا قال: يا الله! فأين يتجه؟ إلى السماء -إلى فوق- فالله -جل وعلا- فوق كل شيء مستوٍ على عرشه، إذاً الْأَعْلَى إذا قرأتها، فاستشعر في نفسك أن الله عال بصفاته وعالٍ بذاته، ولهذا كان الإنسان إذا سجد يقول: سبحان ربي الأعلى يتذكر بسفوله هو علو الله عليه، فالإنسان ينزل في حال السجود أشرف ما فيه، وأعلى ما فيه وهو وجهه، ويجعله في الأرض التي تداس بالأقدام، فكان من الحكمة أن يقول: سبحان ربي الأعلى، يعني: أنزه ربي الذي هو فوق كل شيء؛ لأني نزلت أنا أسفل كل شيء، فتسبح الله الأعلى بصفاته، والأعلى بذاته، وتشعر عندما تقول: سبحان ربي الأعلى، أن ربك -تعالى- فوق كل شيء، وأنه أكمل كل شيء في الصفات.

تفسير قوله -تعالى-: (الذي خلق فسوى): 

ثم قال: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ [الأعلى:2] (خَلَقَ) أي: أوجد من العدم -كل المخلوقات أوجدها الله -عز وجل- قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الحج:73] استمع لهذا المثل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج:73] والله مثل عظيم! كل الذين تدعون من دون الله لا يخلقون ذباباً ولو اجتمعوا له؛ ولو يجتمع جميع الآلهة التي تعبد من دون الله، وجميع السلاطين، وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذباباً واحداً ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدم العلم هذا التقدم الهائل؛ لو اجتمع كل هؤلاء الخلق على أن يخلقوا ذباباً ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون صنعوا آدمياً آلياً، ما يستطيعون أن يخلقوا ذباباً، هذا الآدمي الآلي ما هو إلا آلة تتحرك فقط، لكن لا تجوع، ولا تعطش ولا تفرح ولا تحزن، ولا تتحرك إلا بتوجيه الإنسان لها عن طريق ما ركب فيه من آلات كهربائية، الذباب لا يمكن أن يخلقه كل من سوى الله ولو اجتمعوا، فالله -سبحانه وتعالى- وحده هو الخالق، وبماذا يخلق؟ بكلمة واحدة، قال -تعالى-: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران:59] وقال -تعالى-: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:82] الخلائق كلها تموت وتفنى وتأكلها الأرض وتأكلها السباع وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زجرها الله زجرة واحدة، اخرجي فتخرج.. ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ۞ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات:13-14].. ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾[يس:53] كل العالم من إنس وجن، ووحوش وحشرات، وغيرها كلها يوم القيامة تحشر بكلمة واحدة. إذاً: فالله -عز وجل- وحده هو الخالق، ولا أحد يخلق معه، والخلق لا يضعفه ولا يعجزه بل سهل عليه. وقوله: خَلَقَ فَسَوَّى يعني: سوى ما خلق على أحسن صورة وعلى الصورة المناسبة؛ كالإنسان مثلاً كان خلقه على أحسن صورة كما قال -تعالى-: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ۞ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار:7-8] وقال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾[التين:4]. لا يوجد في الخلائق شيء أحسن من خلقة الإنسان، رأسه فوق، وقلبه في الصدر، وعلى هيئة تامة، ولهذا كان أول ما يدخل في قوله: ﴿فَسَوَّى﴾ هو تسوية الإنسان.

تفسير قوله -تعالى-: (والذي قدر فهدى): 

قوله -تعالى-: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى:3] قدر كل شيء -عز وجل- كما قال -تعالى-: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾[الفرقان:2] قدره في حاله وفي مآله، وفي ذاته وفي صفاته، كل شيء له قدر محدود، الأجل محدود، والأحوال محدودة، والأجسام محدودة، كل شيء مقدر تقديراً كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾[الفرقان:2] وقوله: ﴿فَهَدَى﴾ يشمل الهداية الشرعية والهداية الكونية. الهداية الكونية: أن الله هدى كل شيء لما خلق له، قال فرعون لموسى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ۞ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه:49-50] تجد أن كل مخلوق قد هداه الله -تعالى- لما يحتاج إليه، انظر للطفل إذا خرج من بطن أمه وأراد أن يرضع، هل هناك أحد يقول له: ارفع رأسك والقم ثدي أمك؟ لا. لكن يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه. انظر إلى أدنا الحشرات النمل مثلاً، أين تضع بيوتها؟ لا تضع بيوتها إلا في مكان مرتفع من الأرض على ربوة من الأرض، لماذا؟ لأنها تخشى من السيول أن تدخل بيوتها فتفسدها، وأيضاً إذا جاء المطر وكان في جحورها أو في بيوتها طعام من الحبوب تخرج به، فإذا طلعت الشمس تنشره، لماذا؟ لئلا يعفن، وهي قبل أن تدخره تأكل أطراف الحبة؛ لئلا تنبت فتفسد عليها، هذا شيء مشاهد فمن الذي هداها لذلك؟ هداها الله -عز وجل- وهذه هداية كونية أنه هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه. أما الهداية الشرعية -وهي الأهم بالنسبة لبني آدم- فهي: الدلالة على شرع الله، وقد بينها الله -عز وجل- على وجه تقوم به الحجة، حتى الكفار قد هداهم الله -يعني: بين لهم- قال الله -تعالى-: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت:17] يعني: استحبوا الكفر على الإيمان والعياذ بالله، والهداية الشرعية هي المقصودة من حياة بني آدم، قال الله -تعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] وإنما أخبرنا الله بذلك لأجل أن نلجأ إليه في جميع أمورنا، إذا علمت أنه هو الخالق بعد العدم، وأصابك مرض إلى من تلجأ؟ إلى الله، الجأ إلى الله؛ لأنه هو الذي خلقك وأوجدك من العدم، وهو قادر على أن يصحح بدنك، ولا حرج أن تتناول ما أباح الله لك من الدواء، لكن مع اعتقاد أن هذا الدواء سبب من الأسباب جعله الله -عز وجل- وإذا شفيت بهذا السبب فمن الذي شفاك؟ الله -عز وجل- هو الذي جعل هذا الدواء سبباً لشفائك، لو شاء لجعل هذا الدواء سبباً لهلاكك، فإذا علمنا أن الله هو الخالق؛ فنحن نلجأ في أمورنا كلها إليه عز وجل. إذا علمنا أنه هو الهادي؛ فإننا نستهدي بهدايته -بشريعته- حتى نصل إلى ما أعد لنا ربنا عز وجل من الكرامة. نسأل الله -تعالى- أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وأن يحلنا وإياكم دار كرامته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين. وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه الآيات الكريمة، وأحثكم مرة أخرى على تعلم معاني آيات القرآن إذا شئتم أن تنتفعوا به حقيقة، لكن من العلماء الموثوقين أو من تفاسير العلماء الموثوقين؛ لأن الناس تكلموا في كلام الله وبحثوا في معانيه، لكن منهم من هدي إلى الصراط المستقيم، ومنهم من حصل له انحراف لسبب من الأسباب؛ إما لقصور علمه، أو فهمه أو سوء نيته؛ لأن الإنسان قد يحرم الصواب بسبب سوء النية، والعياذ بالله.