بيان سماحة الشريعة الإسلامية
مدة الملف
حجم الملف :
4452 KB
عدد الزيارات 2275

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فهذا هو اللقاء الأسبوعي الثالث لشهر جمادى الثانية عام: (1414هـ) والذي يتم في كل يوم خميس، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفع به. وقد أتممنا الكلام عن تفسير سورة البروج في اللقاءات الماضية.

أما اليوم فأرى أن نتكلم عما يتعلق بالوقت، وهو: مسح الجوارب والخفين؛ لأن زمن الشتاء عند العامة بدأ منذ يومين.

فنقول: إن الله -سبحانه وتعالى- جعل هذا الدين يسراً، فقال الله -عز وجل- في كتابه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[البقرة:185]. وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إن الدين يسر». وقال -صلى الله عليه وسلم- وهو يبعث البعوث للدعوة إلى الله: «إنما بعثتم مُيَسِّرين ولم تبعثوا مُعَسِّرين، فيسِّروا ولا تعسِّروا». وهذه القاعدة العامة في الدين الإسلامي كل شرائع الإسلام تشهد لها، فأصل الشرائع يسيرة سهلة، ثم إذا طرأ ما يوجب التيسير تيسرت، قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لعمران بن حصين: «صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب». وقال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183].

وفي أثناء الآيات قال: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:185]. وفي الحج قال الله -تعالى-: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ﴾[البقرة:196] يعني: فلا يحلقه، وعليه ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة:196].

والقاعدة العامة: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة:286]. وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16]. كلها تعتبر طريقاً يجب على المسلم أن يسير عليه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16].

وجوب الوضوء على كل محدث أراد الصلاة: 

ومن يسر الله -عز وجل- أنه فرض الوضوء عند إرادة الصلاة على كل مَن أحدث، فقال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة:6]. ولهذا ينبغي لنا ونحن نتوضأ أن نستشعر أننا نمتثل أمر الله، كأن الله -تعالى- يخاطبنا الآن، فيقول: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة:6] حتى نكون بذلك مخلصين لله عز وجل، وأن نستشعر أننا نقتدي بالرسول -عليه الصلاة والسلام- حتى تتحقق لنا المتابعة، أعني: كأن الرسول أمامنا الآن يتوضأ، فنحن نتبعه بذلك ليتحقق لنا بهذه العبادة الإخلاص والمتابعة، وهكذا بقية العبادات. فيجب الوضوء، والواجب منه ما ذكره الله في القرآن: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾[المائدة:6] وجاءت السنة مبينة لبعض الإبهام في هذه الآية وهي: المضْمَضَة والاستنشاق، فإنهما واجبان في السنة، وهما داخلان في قوله: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة:6]؛ لأن الأنف والفم جزء من الوجه، وكذلك الأذنان، جاءت السنة ببيان مسحهما مع الرأس، وذلك لأنهما من الرأس، فعلى هذا لا بد من المضمضة والاستنشاق، ولا بد من مسح الأذنين. هذه هي الوجبات في الوضوء؛ لكن الوضوءَ الأكملَ، هو ما توفر فيه الآتي:

- النية: وهذه لا بد أن تقترن بكل عمل.

- البسملة.

- غسل الكفين ثلاثاً قبل غسل الوجه.

- البدء بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه.

- تخليل اللحية الكثيفة التي لا تصف البشرة، وغسل اللحية إلى أصول الشعر إذا كانت تصف البشرة؛ لأنها لا تغطي البشرة، فتغسل من جهة البشرة التي لا تغطيها هذه اللحية. - التثليث في الأعضاء ما عداء الرأس أحياناً وفي الأكثر الأغلب، وأحياناً يقتصر الإنسان على مرة، وأحياناً على مرتين، وأحياناً يفرِّق، فيغسل الوجه ثلاثاً، واليدين مرتين، والرجلين مرة، كما جاءت بذلك السنة.

شروط المسح على الخفين: 

ومن نعمة الله وتيسيره في هذا الوضوء أنه إذا كان على الرجلين ما يسترهما من جوارب أو خفين وهما (الكنادر) فإن الإنسان يمسح عليهما؛ لكن في مدة محددة كما سيُبَيَّن وبشروط: 

1 - أن يلبسهما على طهارة:
لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للمغيرة بن شعبة لما أهوى لينزع خفيه، قال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» فمسح عليهما. فإن لبسهما على غير طهارة لم يجز المسح، ولو نسي فمسح فإنه يلزمه إعادة الوضوء، وغسل الرجلين، وإعادة الصلاة؛ لأنه صلى على غير طهارة.
2 - أن يكون المسح في الحَدَث الأصغر لا في الأكبر:
ودليله حديث صفوان بن عسال ، قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سَفْراً -يعني: مسافرين- ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة؛ ولكن من غائط، وبول، ونوم) فإذا حصل على الإنسان جنابة وعليه جوارب وَجَبَ عليه أن يخلعهما، وأن يغسل قدميه؛ وذلك لأن الطهارة الكبرى وهي الغسل من الجنابة ليس فيها مسح إلا إذا كانت هناك جبيرة، ولهذا لا يُمسح الرأس فيها، بل يجب أن يُغسل غسلاً تاماً.
3 - أن تكون الجوارب أو الخفاف طاهرة:
فلا يصح المسح على النجس؛ لأن النجس لا يزيد بالمسح عليه إلا خبثاً وتلويثاً لليد التي باشرت النجاسة؛ ولأن الإنسان في الغالب يمسح ليُصَلي، ولا صلاة في الشيء النجس، والدليل على أنه لا صلاة في الشيء النجس: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ذات يوم يصلي بأصحابه، فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم سألهم: «لماذا خلعتم نعالكم؟» قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: «إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً» أي: أنه خلعها من أجل ذلك، وهذا يدل على أنه لا بد أن يكون الملبوس طاهراً.
4 - أن يكون في الوقت المحدد شرعاً:
الوقت المحدد شرعاً هو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مَسَحَ بعد الحدث، فإذا لَبِسها من صلاة الفجر مثلاً، وتوضأ لصلاة الظهر ومسحها، فابتداء المدة من الظهر، أي: من الوقت الذي مسح فيه، حتى يأتي مثله من اليوم التالي إذا كان مقيماً، أو في اليوم الثالث إذا كان مسافراً، فهي ثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويوم وليلة للمقيم. والحكمة في هذا واضحة؛ لأن المسافر أحوج إلى ستر قدمه من المقيم. هذه هي شروط المسح على الجوربين، أو على الخفين، وما عدا ذلك من الشروط التي ذكرها بعض الفقهاء فإنه ليس عليها دليل، وإنما هي تعاليم استنبطها الفقهاء تُسَلَّم لهم أو لا تُسَلَّم؛ لكن هذه هي الشروط التي يطمئن إليها الإنسان، وأنه لا بد من أن تتوفر في جواز المسح على الخفين، أو الجوربين.

المسح على الجبيرة: 

أما ما يتعلق بالجبيرة على جرح أو على كسر؛ فإذا كانت على جرح فالعلماء يقولون: يُتَّبَع ما يلي:

: أولاً: يغسل الجرح بالماء.

ثانياً: فإن كان يضرُّه مسحه، أي: بلَّ يدَه ومسح عليه.

ثالثاً: فإن كان يضره المسح، أو كان قد لُفَّ عليه شيء، فإنه يمسح هذه اللفافة في الحدثين الأصغر والأكبر، وكذلك اللَّصْقة على وَجَعٍ في الظهر أو في الرقبة أو ما أشبه ذلك، فإنه يمسح عليها في الحدثين الأصغر والأكبر.

رابعاً: فإن لم يكن هذا؛ بمعنى أن الجرح طريٌّ لا يمكن أن يُلَفَّ عليه، ولا يمكن أن يُمْسَحَ بالماء، فإنه يتيمم عنه.

فهذه مراتبٌ: غسلُه، ثم مسحه. ثم مسح اللفافة. ثم التيمم، وهذا يجوز في الحدث الأصغر، وفي الحدث الأكبر؛ لأنها ضرورة فتتقدَّر بقَدْرها، حتى لو بقيت أياماً أو شهوراً، فإن الحكم لا يزال باقياً؛ لأن الحكم يتقدر بقدره.

والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.