حكم أخذ الفوائد الربوية وإنفاقها في أوجه الخير
مدة الملف
حجم الملف :
3222 KB
عدد الزيارات 11584

السؤال:

شخص اضطر لأخذ الفوائد الربوية يقول: أليس الأفضل أن آخذها، وأجعلها في بناء المساجد أو للفقراء بدلاً من أن يستفيد منها أعداء الإسلام؟

الجواب:

الواقع أن هذا السؤال سؤال مهم لشدة الحاجة إلى معرفة الجواب المبني على الكتاب والسنة لا على استحسان العقل، ونحن إذا بنينا جواب هذا السؤال على الكتاب، والسنة، تبين لنا أنه لا يحل لهذا أن يأخذ هذا الربا؛ لقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۞فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ﴾[البقرة:278-279] فهنا بين الله -عز وجل- أن الإنسان إذا تاب فليس له إلا رأس ماله فقط، لا يظلم ولا يُظلم.

وثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس يوم الجمعة، فقال:« ألا وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول رباً أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله»، فأنت ترى في هذا الحديث أن الرسول وضع الربا الذي كان معقوداً في الجاهلية قبل تقرر الأحكام في الإسلام، فما بالك بربا حصل بعد تقرر الأحكام في الإسلام؟!

وعلى هذا نقول: لا يجوز للشخص أن يأخذ الربا من البنوك مهما كانت هذه البنوك، ثم نقول: لو فرضنا صدق ما قيل من أن هذه الفوائد ترسل إلى الكنائس وإلى محاربة المسلمين فإنه لا إثم عليه في ذلك، لماذا؟ لأن هذه الفوائد ليس فوائد ماله، إذ من الممكن أن يكون ماله الذي أعطاه هذا البنك تصرف فيه البنك تصرفاً خسر فيه أو تصرفاً لم يربح فيه، أو تصرفاً ربح فيه دونما وضع من الربا، فالقول: إن هذه فوائد ماله ليس بصحيح، هذه ليست فوائد ماله، هذه ربا يعطيها البنك من أعطاه هذا المال ينتفع به، وإذا لم تكن ثمرات ماله فليس عليه من إثمه نصيب فيما لو صُرفت إلى بناء الكنائس أو إلى سلاح يصوب إلى صدور المسلمين.

ثم نقول: إننا إذا منعنا هذا الربا وقد يكون أموالاً طائلة -قد يكون ملايين- إذا منعناه وقلنا للمسلمين: أيها المسلمون، إنكم بإيمانكم وإسلامكم لا يحل لكم أن تأخذوا الربا، فسوف يضطر المسلمون إلى أن يبحثوا عن مصارف إسلامية وبنوك إسلامية يستغنون بها عن هذه البنوك الربوية؛ لأن الأزمات والحاجات والضرورات لا بد أن تبرز شيئاً ما، فإذا قيل للناس: هذا الربا الذي تدَّعون أنه فوائد لا يحل لكم، وأنتم إذا أخذتموه فقد أكلتم الربا حين أكلتموه، وإن تصدقتم به تقرباً إلى الله لم يقبل منكم، وإن تصدقتم به تخلصاً منه، فما الفائدة من أن يلوث الإنسان يده بالنجاسة، ثم يذهب ليغسلها.

فنقول: إن مُنع هذا، فإنه لا شك أنه سيكون سبباً لكون الناس يبحثون عن مصادر إسلامية، ويُكَوَّنون بنوكاً إسلامية يستغنون بها عن هذه البنوك الربوية.

ثم إننا نقول: لا شك أن علماء اليهود والنصارى يعلمون أن الربا محرم عليهم، فإن الله تعالى قال في القرآن: وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ [النساء:161] فهم يعلمون هذا في كتبهم، ويعلمون كذلك أن المسلمين قد نهوا عنه، فيفرح أعداء المسلمين إذا رأوا أن المسلمين استحلوا الربا وأخذوه، ويعلمون أن المعاصي من أسباب الخذلان، فيرون أن أخذ المسلمين لهذه الأموال الربوية سهام صوبها المسلمون نحو صدورهم؛ لأن المعاصي سبب للخذلان، ولا يخفى علينا جميعاً ما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم والله أعظم جند على وجه الأرض، منذ خُلق آدم وقد كانوا تحت قيادة أعظم قائد من بني آدم، ومع ذلك حصلت عليهم الهزيمة لمعصية واحدة:﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾[آل عمران:152] حصلت الهزيمة، فإذا كانت معصية واحدة وهي دون الربا حصل فيها الخذلان فما بالك بالربا الذي جاء فيه من الوعيد ما لم يأتِ على أي معصية كانت إلا الشرك، كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (فكيف نستحل الربا؟!) فهؤلاء إذا علموا أننا استحللنا الربا لا شك أنهم يفرحون بهذا، ويقولون: الآن فعل المسلمون ما به خذلانهم، والواقع شاهد بهذا؛ فالمسلمون يمثلون اليوم جزءاً كبيراً من البشرية، ومع هذا تُقَطَّع أوصالهم قَطْعاً وهم يشاهدون، لم يستطيعوا أن يرفعوا رأساً بذلك، فهذه البوسنة والهرسك جمهورية إسلامية مستقلة معترف بها دولياً تمزق؛ يقتّل أبناؤها، وتنتهك أعراض نسائها، ويُيَتم أطفالها، والمسلمون لم يحركوا لذلك ساكناً! ولا يخفى علينا الوثيقة السرية التي عثر عليها الإخوة في البوسنة والهرسك الصادرة من رئيس وزراء بريطانيا إلى وزير خارجيته، حيث يقول: إن المسلمين لا يمكن أن يتحركوا تحركاً تستفيد منه البوسنة والهرسك؛ لأنهم تحت إمرتنا. أو كلمة نحوها.

ويقول: إننا سنمانع بشدة أن تقوم جمهورية إسلامية في أوروبا، ونمانع بشدة أن نعطي المسلمين سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم، وهذا تحدٍّ للشعور الإسلامي، لكن لماذا؟ لأن المسلمين مع الأسف عندهم من العصيان ما يوجب الخذلان والانكسار، نسأل الله العافية.

فلهذا نقول: إن هذه الأموال الربوية التي يقال عنها: إنها فوائد، هي والله خسائر، ولا يجوز أخذها بأي حالٍ من الأحوال، فأنتم أيها المسلمون! إذا شئتم التخلص من هذا الإثم اتركوا الربا، أنشئوا بنوكاً إسلامية تسير على نهج الله؛ على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وبذلك تسلموا، لكن لو فرض أن البنك أصر على أخذ هذه الأموال الربوية كما يوجد في بعض البنوك؛ فبعض البنوك تقول: لا يمكن أن أقبل منك رد هذا الشيء؛ لأن هذا يخل بحساباتي، فهنا تأخذها؛ لأنك مرغم عليها، ثم تتصدق بها تخلصاً منها لا تقرباً إلى الله بها.