تفسير آيات من سورة الضحى
مدة الملف
حجم الملف :
2534 KB
عدد الزيارات 1281

ثم بين الله -تعالى- ما أقسم عليه في قوله: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ أي: ما تركك وأهملك، وما قلاك، أي: أبغضك.. بل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحد الخليلين اللذين اختصا بهذه الصفة العظيمة؛ وهي من صفات الله -عز وجل- وهي الخلة، والخلة أعلى أنواع المحبة، وليس من عباد الله من هو خليل الله إلا إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً)». وقوله: (وَمَا قَلَى) أي: ما قلاك وأبغضك، فهو لم يتركك، ولم يبغضك بل هو -سبحانه وتعالى- قد اعتنى به، وحفظه، وأحبه.

تفسير قوله تعالى: (وللآخرة خير لك من الأولى): 

بين الله لرسوله أن الآخرة خير له من الأولى، فإن الآخرة، وما فيها من النعيم لا يعدله شيء من النعم مهما كان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها».

تفسير قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى): 

ثم وعده -سبحانه وتعالى- بهذه العدة العظيمة، والبشارة السارة: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ فأعطاه الله -عز وجل- من النصر في الدنيا، والعز والعلو على عدوه ما رضي به -صلى الله عليه وسلم- وسيعطيه أيضاً في الآخرة ما هو أعظم؛ فإنه في الآخرة يبعثه الله مقاماً محموداً، فيشفع للخلائق، ويعطيه الله -عز وجل- الوسيلة، وهي درجةٌ في الجنة لا ينالها إلا عبد من عباد الله، وهو الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

تفسير قوله تعالى: (ألم يجدك يتيماً فآوى): 

ثم ذكَّره الله -تعالى-- بالنعم، فقال: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى﴾ [الضحى:6] فقد ولد النبي صلى الله عليه وسلم -يتيماً ليس له أب، وماتت أمه أيضاً وبقي -صلى الله عليه وسلم- متفرداً في كفالة جده، ثم مات جده، فكفله عمه أبو طالب، فالله -عز وجل- خلقه يتيماً، ولكنه آواه ونصره وأيده ويسر له من عباده ما يحصل به المنعمة والحفظ.

تفسير قوله تعالى: (ووجدك ضالاً فهدى...):

قال -تعالى-: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى﴾ [الضحى:7] فالرسول -صلى الله عليه وسلم- ما كان يعرف شيئاً من العلم قبل بعثة الله إياه، قال الله -تعالى-: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ ﴾ [الشورى:52] وقال الله -تعالى-: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾  [النساء:113] فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يوحى إليه ما كان عنده من العلم الذي أوحاه الله إليه شيء، ولهذا قال: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى﴾ [الضحى:7]. وهنا قال: (فهدى) ولم يقل: (فهداك) لأن الله هداه وهدى به.

تفسير قوله تعالى: (ووجدك عائلاً فأغنى):

قال -تعالى-: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى﴾ [الضحى:8] أي: فقيراً فأغناه الله -تعالى- وأغنى به -صلى الله عليه وسلم- وذلك بما أحل الله له من الغنائم، التي يغنمها من أعدائه.

تفسير قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر...): 

قال -تعالى-: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ﴾ [الضحى:9] أي: تذكر يتمك؛ فعامل اليتيم باللطف والحنان، ولا تقهره إلا أن يكون قهره في أمرٍ فيه مصلحة له، فهذا ليس قهراً في الحقيقة، وإن كان قهراً ظاهرياً، ولكن المصلحة عظيمة لهذا اليتيم.

تفسير قوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر): 

قال -تعالى-: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾ (السائل): الذي يسأل عن العلم، والسائل الذي يسأل المال، لا تنهره حتى وإن أغلظ لك القول، فلا تنهره، وعامله باللين، واللطف، والقبول عندما يسأل، وإذا كان على خطأ، فبإمكانك أن تنصحه بعد أن تعطيه ما سأل.

تفسير قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث): 

قال -تعالى-: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ وهو ما أنعم الله به عليه من الوحي المبين والهدى، وما جبله عليه من مكارم الأخلاق وحسن العبادة.. حدِّث بها، ولكن تحديث المعترف بنعم الله لا المفتخر على عباد الله، نسأل الله لنا، ولكم التوفيق، والهداية لما يحب ويرضى؛ إنه على كل شيء قدير.