شروط وجوب الحج
مدة الملف
حجم الملف :
10927 KB
عدد الزيارات 3384

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

فهذا هو الدرس السابع والسبعون بعد المائة من دروس (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع عشر من شهر ذي القعدة عام (1418هـ). نعدل عما كنا نعتاده من تقديم تفسير الآيات إلى ما يحتاج الناس اليوم فيما يتعلق بالمناسك.

فنقول: الحج إلى بيت الله الحرام هو أحد أركان الإسلام، أوجبه الله تعالى على عباده في كتابه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم منزلته في الدين، فقال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران:97]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام». وأجمع المسلمون على فرضيته.فهو ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع، فرضه الله تعالى على عباده في السنة التاسعة من الهجرة، وقيل: في العاشرة، وإنما تأخر فرضه -والله أعلم- لأن مكة كانت قبل ذلك -أي: قبل السنة التاسعة- كانت تحت سيطرة المشركين، والمشركون يدخلون من شاءوا ويردون من شاءوا؛ ولهذا منعوا النبي صلى الله عليه وسلم من إتمام العمرة في غزوة الحديبية، فلم يوجب الله الحج إلا بعد أن خلصت للمسلمين بعد الفتح، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة؛ لأن الوفود من العرب تكاثروا في هذه السنة بعد فتح مكة، يفدون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لتعلم أمور دينهم، فكان بقاؤه هناك -أي: في المدينة- أيسر لكثيرٍ من العرب، وأفرغ له عليه الصلاة والسلام؛ ولأن المشركين في السنة التاسعة شاركوا المسلمين في الحج، فاختار الله سبحانه وتعالى أن تكون حجة الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة الخالصة للمسلمين.

البلوغ :

الحج لا يجب إلا بشروط: البلوغ: وضده الصغر. فالصغير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج نفعه، وصار لوليه أجر، ولو شرع فيه -أي: في الحج- وهو صغير ثم تحلل بدون عذرٍ يبيح التحلل للبالغ.

فالصحيح: أنه لا شيء عليه؛ لأنه ليس من أهل الوجوب، فإنه قد رفع عنه القلم، فلو أحرم الصبي ثم وجد المضايقة وتحلل، وقال: إنه لا يريد أن يتمم فله ذلك.

العقل :

العقل: فالمجنون لا حج عليه، ولا يصح منه؛ لأنه لا قصد له، ولا يصح أن ينوي وليه عنه؛ لأن ذلك لم يرد، والأصل في العبادات الحظر حتى يقوم دليل على مشروعيتها، ولكن كيف يتصور هذا أن يكون من أهل الوجوب وهو مجنون؟ بمعنى: كيف يجب عليه الحج في جنونٍ؟ نقول: هذا يمكن بأن يكون هذا المجنون بالغاً ثم يحصل له مال من إرثٍ أو غيره فيكون بذلك قادراً على أن يأتي بالحج، لكن جنونه يمنع وجوبه عليه، فلا يجب عليه، حتى لو مات وهو على جنونه وخلف مالاً كثيراً فإنه لا يجب الحج له منه؛ لأنه لم يجب عليه أصلاً.

مكانة الصيام من ديننا وفرضيته:

الإسلام: وضده الكفر. والإسلام شرطٌ لجميع العبادات؛ ومعنى اشتراط الإسلام: أنه لا يجب على الكافر، ولو حج لم يصح منه؛ لأن من شروط صحة العبادات: الإسلام؛ ومعنى قولنا: إنه لا يجب على الكافر، أنه لو أسلم بعد أن كان غنياً في حال الكفر ثم افتقر وأسلم بعد ذلك فإنه لا يلزمه الحج؛ لأنه حين استطاعته لم يكن من أهل الوجوب -لم يكن مسلماً- فلا يلزمه الحج. إلا أنه يعاقب عليه في يوم القيامة؛ لأن الكافر على القول الراجح مخاطب بفروع الإسلام؛ بمعنى: أنه يأثم بتضييعها ولكنه لا يلزم بقضائها لو وجبت في حال كفره؛ لقول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال:38].

الحرية :

الحرية: وضدها الرق. فالرقيق ليس عليه حج؛ لأنه لا مال له; لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من باع عبداً له مالٌ فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع»؛ أي: المشتري. وهذا يدل على أن العبد ليس له مال، وإنما ماله لسيده، وحينئذٍ لا يكون مستطيعاً. فإن قال قائل: لو أن سيده أعطاه مالاً وقال: خذ هذا حج به فهل يلزمه؟

فالجواب: ظاهر كلام العلماء أنه لا يلزمه؛ لأنه لا يكون مستطيعاً ببذل غيره له.

الاستطاعة :

الاستطاعة: بأن يكون الإنسان قادراً بماله وبدنه على أداء الحج، فإن كان عاجزاً بماله قادراً ببدنه لزمه الحج؛ لأنه يستطيع أن يأتي به. كرجل يستطيع أن يمشي إلى مكة وإلى المشاعر مثل أن يكون قريباً من مكة فيلزمه الحج؛ لدخوله في قوله تعالى: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران:97]. وإن كان عاجزاً ببدنه قادراً بماله لزمه أن ينيب من يحج عنه؛ لأن هذا قادرٌ بماله فيلزمه أن يقيم من يحج عنه. أما أن يكون عاجزاً بماله وبدنه فلا حج عليه، حتى لو مات لا يلزم القضاء عنه. كرجل فقير عاجز لا يستطيع أن يحج بنفسه فهذا لا حج عليه، فلو مات لم يجب قضاؤه؛ لأنه لم يجب عليه أصلاً. فإن كان قادراً بماله عاجزاً ببدنه عجزاً طارئاً يرجى زواله فلينتظر حتى يزول المانع ثم يحج. كالصيام إذا كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه أطعم، وإن كان مريضاً مرضاً يرجى برؤه انتظر حتى يشفى.

وجوب الحج على الفور : 

إذا تمت الشروط فإنه يجب على الإنسان أن يسعى إلى الحج فوراً بدون تأخير؛ لأن الأصل في الأوامر المبادرة في تنفيذها، إلا إذا وقت الوقت أو علقت بسبب فإنه ينتظر حتى يأتي الوقت ويوجد السبب، وإلا فالأصل المبادرة، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أمر الصحابة أن يحلوا في الحديبية وتأخروا بعض الشيء غضب عليه الصلاة والسلام وهذا يدل على الفورية في الأوامر؛ ولأنه جاء في الحديث «من أراد الحج فليتعجل»، وفي آخره: «فإنه قد تضيع النفقة أو تهلك الراحلة» أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فالإنسان لا يدري ما يعرض له، ربما تتوفر له الشروط في هذا العام ولا تتوفر في الأعوام المقبلة، وربما يموت قبل أن يدرك العام المقبل فيبقى الحج في ذمته ديناً قد يبادر الورثة بقضائه وقد يتأخرون. هذه شروط وجوب الحج، فإذا لم تتم هذه الشروط فلا حرج كما ذكرنا.

صفة المناسك كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم :

اعلم أن الحج ينبغي للإنسان أن يأتي به على حسب ما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران:31]، ولقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [الأحزاب:21]؛ ولأن من شرط صحة العبادة الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لتأخذوا عني مناسككم».

أحكام الإحرام :

فلنبدأ الآن بذكر الصفة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي التمتع، أن يأتي بالعمرة أولاً ثم بالحج ثانياً. فإذا وصل إلى الميقات اغتسل وتجرد من الثياب المعروفة ليلبس ثياباً خاصة بالإحرام وهي الإزار والرداء، ويتطيب بعد الاغتسال بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يضره بقاء الطيب بعد الإحرام؛ لأن هذا الطيب سابق على الإحرام، وقالت عائشة رضي الله عنها: (لقد كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم)، ثم يلبي، فإن كان وقت الفريضة قريباً فليجعل التلبية بعد الفريضة، وإن لم يكن قريباً فقال بعض العلماء: إنه يسن أن يصلي ركعتين من أجل الإحرام؛ ففي الحديث «صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة وحجة أو عمرة في حجة»والشاهد قوله: «صلِّ في هذا الوادي المبارك». وقال بعض أهل العلم: إنه ليس للإحرام صلاة خاصة، وإنما يحرم الإنسان بمجرد أن ينتهي من الاغتسال والتطيب ولباس ثياب الإحرام بدون صلاة. إلا إذا كان وقت صلاة مشروعة، مثل: أن يكون في الضحى فيصلي صلاة الضحى ويحرم عقبها، أو يريد أن يصلي ركعتين سنة الوضوء فيحرم عقبها، وهذا الذي هو الصواب إذا كان من عادته أن يفعله -يعني: من عادته أن يصلي صلاة الضحى؛ من عادته أن يصلي إذا توضأ- أما إذا صلى وليس من عادته ذلك فمعروف أنه إنما أراد الصلاة في الإحرام، الإنسان الذي يصلي لا ينكر عليه، والذي لا يصلي لا ينكر عليه.

عقد النية والشروع في النسك :

أهم شيء هو أن تعقد النية على أنك دخلت في النسك فتقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وتنوي الدخول في النسك، وتسمي نسكك، وماذا نسمي الآن؟ نسمي العمرة. نقول: لبيك اللهم عمرة، ولا حاجة أن تقول: متمتعاً بغير الحج، ولا تزال تلبي إلى أن تصل إلى المسجد الحرام وتشرع في الطواف، فإذا وصلت إلى المسجد الحرام فادخل المسجد الحرام كما تدخل المساجد الأخرى، تقدم اليمنى وتقول الذكر المشروع، ثم تعمد إلى الحجر الأسود لتستلمه وتقبله إن تيسر، وإلا فتشير إليه إشارة، وتقول عند الابتداء: «باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم». وتجعل الكعبة عن يسارك لتطوف طواف العمرة سبعة أشواط.

سنتا الرمل والاضطباع ومعناهما :

في هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى. كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع، ويضطبع في جميع الطواف، فالرمل: الإسراع في المشي بدون أن تبسط الخطوة، وهذا هو معنى قولهم: الإسراع مع مقاربة الخطا؛ أي: أنك لا تمد الخطوة. خطوة عادية لكن بإسراع، ولا يسن أن يهز كتفيه كما نشاهد عند بعض العامة تجده يمشي رويداً رويداً ولكن يهز الكتفين وهذا لا أصل له، هذا ينبغي أن يقال: إنه بدعة؛ لأن الذين يفعلونه يتعبدون لله بذلك وهو لم يشرع. إذاً: يسن سنتان: الأولى: الرمل. والثانية: الاضطباع. أما الرمل ففي الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والاضطباع في جميع الطواف، وكيفيته: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر حتى ينتهي من الطواف.

الذكر في الطواف والاستلام والتقبيل :

يقول في طوافه ما شاء من ذكر وقراءة ودعاء، إلا أنه بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة:201] ولا يزيد على ذلك، وأما زيادة بعضهم: وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار، فهذه لا أصل لها. ولكن إذا كان المطاف زحاماً فستكون المسافة ما بين محاذاة الركن اليماني والحجر الأسود طويلة، وسيكون المشي قليلاً، فماذا يفعل إذا قالها مرة؟

الجواب: أنه يكررها، ويلح على الله عز وجل بها، ولكن لو دعا بغيرها معها فلا بأس إذا كان لهذه الحاجة؛ لأنه فرغ من الدعاء قبل أن يحاذي الحجر الأسود. فنقول: إذا كررها فهو أفضل، وإذا دعا بشيءٍ آخر فلا بأس، كلما حاذى الحجر الأسود كبر واستلمه وقبله، ومع المشقة تكفي الإشارة.

أما الركن اليماني فالسنة استلامه بدون تقبيل، وإذا لم يتمكن فإنه لا يشير إليه؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح قياسه على الحجر الأسود؛ لأن القياس في العبادات ممنوع، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: أن استلام الحجر الأسود أوكد، ولذلك يشرع فيه التقبيل، ولا يشرع التقبيل في الركن اليماني. فإذا اختلفا فإنه لا يمكن قياس أحدهما على الآخر، وحينئذٍ نقول: إذا حاذيت الركن اليماني ولم تتمكن من استلامه فلا إشارة.

الصلاة في مقام إبراهيم :

فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً﴾ [البقرة:125] يذكر نفسه بهذه الآية حتى يشعر نفسه أنه إنما تقدم لمقام إبراهيم امتثالاً لأمر الله عز وجل، ويصلي خلف المقام ركعتين خفيفتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ [الكافرون:1]، وفي الثانية بعدها: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:1] ثم ينصرف من حين أن ينتهي من الركعتين ولا يجلس للدعاء؛ لأن هذا ليس مكاناً للدعاء إنما هو للصلاة ويخفف؛ لأن هذا هو السنة؛ ولأجل أن يخلي المكان لمن أراد أن يصلي فيه.

صفة السعي وما يجوز فعله بعد انتهائه :

ثم يخرج من المسجد الحرام متجهاً إلى الصفا ، ويتبع الأيسر في اتجاهه إلى الصفا ، فمثلاً: إذا كان هناك زحام أو أناس يصلون بينه وبين جهة الصفا فليهرع من مكان آخر؛ لأن المقصود أن يصل إلى الصفا ، ثم إذا أقبل إلى الصفا قرأ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به. وقبل أن يصعد على الصفا ليشعر نفسه أنه إنما أتى إلى هذا لكون ذلك من شعائر الله، فيبدأ بالصفا ويرقى عليه حتى يرى الكعبة ويتجه إليها ويرفع يديه للدعاء، ويقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ويكبر، ثم يدعو بما شاء، ثم يعيد الذكرى مرة ثانية ويدعو، ثم يعود الذكرى مرة ثالثة ولا يدعو بعده بل ينحدر متجهاً إلى المروة ، يمشي على عادته إلى أن يصل إلى محل السعي -يعني: الركض: وهو ما بين العلمين الأخضرين- فيسعى سعياً شديداً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه سعى في هذا المكان سعياً شديداً حتى إن إزاره لتدور به من شدة السعي، ثم يمشي بعد العلم الثاني مشياً عادياً إلى أن يصل إلى المروة، فيصعد عليها ويتجه إلى القبلة ويرفع يديه ويقول مثلما قال على الصفا، ثم ينحدر منها متجهاً إلى الصفا، يمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه، إلى أن يتم سبعة أشواط من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، في السعي يقول ما شاء من ذكر أو قراءة قرآن؛ لأنه إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله. فإذا أتم سبعة أشواط فقد انتهى السعي، فيقصر رأسه ويعم جميعه تعبداً لله عز وجل ولا يحلق لأجل أن يبقى الشعر للحج، وبذلك انتهت العمرة وحل من جميع محظورات الإحرام، فيحل له كل شيء يحل للمحل من إتيان النساء إذا كانت زوجته معه، والطيب واللباس وغير ذلك إلا الصيد فإنه لا يحل له ما دام داخل الحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة : «لا ينفر صيدها». وبناءً على ذلك: ننبه إلى أن الجراد الذي يكون حول الحرم يحترم ولا يجوز صيده ولا قتله، بل ولا تنفيره، إن نفر بمسيرك حوله فليس عليك شيء لكن تتعمد أن تذهب إلى هذه الجرادة لتنفرها، إن فعلت ذلك فقد عصيت أمر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لا ينفر صيدها) والجراد من الصيد.

وبهذا انتهت العمرة، ويأتي إن شاء الله ذكر الحج.