خصائص شهر رمضان
مدة الملف
حجم الملف :
18553 KB
عدد الزيارات 14398

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فإننا كنا نسير في تفسير سورة الفرقان، وانتهينا فيه إلى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾ [الفرقان:68] وسنرجئ الكلام على التفسير لمناسبة قرب شهر رمضان المبارك.

فأولاً: شهر رمضان له مزايا عظيمة:

منها: أن الله تعالى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، كما قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة:185] ومن ثم أوجب الله صيامه ليكون شكراً لله -عز وجل- على هذه المنة العظيمة، وهي إنزال القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

ومنها: أن الله فرض صومه فرضاً، وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، وكان أول ما فرض يخير الناس بين أن يصوم الصائم أو يغذي، ثم بعد هذا تعين الصوم وصارت الفدية لمن لا يستطيع الصوم على وجه مستمر، وعلى هذا فيكون النبي -صلى الله عليه وسلم- صام تسع سنين، ومن خصائص هذا الشهر: أن الله تعالى سن قيامه على وجهٍ خاص، وهو أنه يسن فيه أن يكون القيام جماعة مع الإمام، ثبت هذا في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإنه صلى بأصحابه ثلاث ليال ثم ترك القيام، وقال: إنه تركه خوفاً من أن يفرض علينا.

وبقي الناس يصلون أوزاعاً، الرجل وحده، والرجل مع الرجلين والثلاثة والأربعة، حتى كان زمن عمر -رضي الله عنه-، ولما كان زمن عمر قال: [أرى أن يجمع الناس على إمام واحد، فأمر رجلين: أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، انتبه إلى هذا! أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وعلى هذا فصلاة التراويح إحدى عشرة ركعة بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أما سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد سئلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: كيف كانت صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، ثم فصلت فقالت: يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، ومعنى قولها: (يصلي أربعاً) أي: يجعلها في وقت واحد لا في تسليم واحد، بل الأربع بتسليمتين كما جاء ذلك مفصلاً في حديثها -رضي الله عنها-: (ثم يستريح، ثم يصلي أربعاً بتسليمين ثم يستريح، ثم يصلي ثلاثاً) ومن ثم سمي هذا القيام تراويح، لأن الناس يتروحون فيه ويستريحون.

وقيام غيره سنة ولا شك، ينبغي للإنسان ألا يدع قيام الليل ولو كان يسيراً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله جل وعلا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر» لكن كونها جماعة في المساجد هذا خاص برمضان، ومن خصائص هذا الشهر: أن صيامه سببٌ لمغفرة الذنوب؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه» كل ما تقدم، إذا صمته إيماناً بالله واحتساباً لثواب الله يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك، كل ما تقدم والحمد لله، ومن خصائصه: أن من قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كل ما تقدم يغفر لك إذا قمت إيماناً واحتساباً، إيماناً بالله واحتساباً لثوابه؛ فإنه يغفر لك ما تقدم من ذنبك.

ومن فضائل الشهر المبارك: أن فيه ليلة القدر، والدليل أن الله تعالى قال في القرآن العظيم: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر:1] وقال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة:185] فإذا جمعت بين الدليلين صارت النتيجة: أن ليلة القدر في رمضان، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف يتحرى ليلة القدر، فاعتكف العشر الأول، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر، فاعتكف العشر الأواخر، ومن خصائص هذا الشهر: أنه يسن اعتكاف العشر الأواخر منه، وأما غيره من الشهور فلا يسن فيه الاعتكاف، لكن لو اعتكف فلا بأس، إنما لا يطلب من الناس أن يعتكفوا في غير رمضان، في العشر الأواخر تحرياً لليلة القدر، ومن خصائص هذا الشهر: أن العمرة فيه تعدل حجة لحديث: «عمرة في رمضان تعدل حجة» حتى لو اعتمرت فطفت وسعيت وقصرت ومشيت تعدل حجة، فليس بلازم أن تبقى يوماً أو يومين أو أكثر، إنما عمرة واحدة تعدل حجة، وبهذه المناسبة أقول: إن العمرة في رمضان سنة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عمرة في رمضان تعدل حجة» وهذا يعني الحث عليها، ولكن إذا كان الإنسان إمام مسجد أو مؤذن مسجد فهل من حقه أن يذهب من أول يوم من رمضان ويبقى هناك إلى آخر الشهر؟ لا يجوز له ذلك؛ لأن قيامه بواجب الإمامة وواجب الأذان حتم واجب عليه، فكيف يليق بالمؤمن أن يقدم النفل على الواجب؟! بعض الناس يعبدون الله تعالى ويريدون الخير لكن يجهلون، يقول: أذهب هناك في رمضان أستأنس والحرم والعالم، نقول: لا بأس، هذا طيب، لكن بقاؤك لأداء الوظيفة أفضل، لأنك إذا ذهبت وتركت الوظيفة أثمت، وبعض الناس يذهب بأهله إلى هناك، وليس له وظيفة، لكن ذهب بأهله وترك الفتيات والفتيان لا يبالي بهم، يخرجون إلى الأسواق يتسكعون فيها وربما ينالهم أذىً من السفهاء، وهو جالس في المسجد الحرام، وتاركٌ ما يجب عليه، فإنه يجب عليه رعاية أهله وتحصينهم من سوء الأخلاق، لكن كثير من الناس عمرتهم عاطفة فقط، لا ينظرون إلى الأمور ويزنون بعضها ببعض حتى يعرف ما هو الأحسن والأفضل.

ومن خصائص هذا الشهر: أنه إذا دخل شهر رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران، تفتح أبواب الجنة استقبالاً للعاملين عملاً صالحاً، وهذا يعني حث الناس على العمل الصالح حتى يدخلوا من هذه الأبواب، وتغلق أبواب النار حتى ينكف الناس عن الأعمال الموجبة للنار؛ لأن أبوابها أغلقت، ومن خصائص هذا الشهر: أنه تصفد -أي: تغلُّ- فيه مردة الشياطين، فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره، وله مزايا كثيرة.
أنواع الصوم:
نعود إلى الصوم فنقول: إن الصوم نوعان: صوم عن المحسوسات. وصوم عن المعنويات، فالصوم عن المحسوس كل واحد يقدر عليه، لكن الصوم عن المعنويات ليس كل أحد يقدر عليه.

الأول: الصوم عن المحسوسات هو الصوم عن الأكل والشرب والجماع، وما يفطر الصائم، هذا صوم عن شيء محسوس غذاء للبدن فقط، وهذا كل إنسان يقدر عليه.

الثاني: الصوم عن المعنويات، وهذا هو الشاق، وهو الصوم عن المعاصي، فمن صام عن المفطرات الحسية ووقع في المعاصي والمآثم، فإنه لم يأت بروح الصوم ولا بحكمة الصوم، والدليل قول الله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183] ما قال: لعلكم تجوعون، لعلكم تعطشون، لعلكم تتركون التمتع بالنساء، لا، إنما قال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183] هذه هي الحكمة، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» إن الله -عز وجل- لا يريد منا إذا صمنا أن نتعذب بترك الأكل والشرب والنكاح، إنما يريد أن ندع قول الزور والعمل به والجهل، وليس الجهل ضد العلم، الجهل هو العدوان، وعلى هذا قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا.
إذاً: الصوم الحقيقي هو الصوم عن الأمور المعنويات، أي: عن المعاصي، ولهذا قال الشاعر:

إذا لم يكن في السمع مني تصاون *** وفي بصري غض وفي منطقي صمتُ
فحظي إذاً من صومي الجوع والظمأ *** فإن قلت: إني صمت يوماً فما صمتُ

والشاعر أخذ هذا المعنى من الآية والحديث، وهل الذي يصوم ولا يصلي هل هو صائم حقيقة؟ لا والله، يوجد أناس -والعياذ بالله- يسهرون الليل كله في رمضان، وإذا تسحروا وملئوا بطونهم برزق الله ناموا عن صلاة الفجر والظهر والعصر، وإذا قاربت الشمس أن تغرب قاموا وصلوا الفجر والظهر والعصر، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلاً، ولو تأخر الغروب لتأخروا، لكن لقرب أكلهم استيقظوا، هؤلاء ما صاموا، صومهم ناقص للغاية، أناس صاموا وجعلوا يأكلون لحوم الناس بالغيبة، أصام هؤلاء؟ ما صاموا حقيقة، أناس صاموا ولكنهم يتعاملون في البيع والشراء بالغش والكذب والأيمان الكاذبة، أصام هؤلاء؟ لا، هؤلاء لم يصوموا، إذاً: يجب علينا أن نلاحظ الصوم المعنوي، وهو الصوم عن المعاصي، هذا أهم شيء، أما الصوم عن المفطرات الحسية فهذا أمر سهل كل يستطيعه.
مفسدات الصيام:
ولنعد الآن إلى الأشياء التي يصام عنها حساً، فنقول: الذي يصام عنه حساً: الأكل والشرب والجماع، وهذا مذكور في قول الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:187] فذكر من المفطرات الأكل والشرب والجماع، وهي مفسدة للصوم بإجماع المسلمين، هذا في القرآن.

ومن المفطرات: ما كان بمعنى الأكل والشرب، أي: ما أغنى عن الأكل والشرب، مثل الإبر المغذية التي يكتفى بها عن الأكل والشرب، أما غير المغذية فلا تفطر، سواء ضربها الإنسان في الفخذ أو في العرق، أو في الوريد، أو في أي شيء، لا يفطر من الإبر -أي: الحقن- إلا ما يغني عن الأكل والشرب؛ لأنه بمعنى الأكل والشرب، إذ إن البدن يتغذى به، هذه أربعة.

الخامس: إخراج المني بفعل الإنسان، أي: أن يفعل فعلاً يخرج به المني، سواء قبَّل زوجته فأمنى، أو ضمها فأمنى، أو ما أشبه ذلك، أو استمنى بيده، أو على مخدة أو على فراش حتى خرج المني فإنه يفطر ويفسد صومه، ولو قال قائل: ما هو الدليل؟ كيف تفسدون عبادة خلق الله بدون دليل؟ نقول: هذا اعتراض صحيح، أي إنسان يفسد أي عبادة من العبادات فعليه الدليل، وإلا فلا يجوز له أن يتحكم في عباد الله ويقول لهذا: عبادتك صحيحة، ولهذا عبادتك فاسدة، لا يمكن.

فالجواب: ربما يُستدل بما جاء في الحديث القدسي الذي رواه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه حيث إن الله يقول: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» والمني شهوة، والدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وفي بضع أحدكم صدقة) أن الرجل إذا جامع زوجته فهي صدقة (قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: «نعم، أرأيتم لو وضعها» -انتبهوا لكلمة (وضعها)- «في الحرام أكان عليه وزر؟» قالوا: نعم، قال: «كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» هذا هو تقرير الدليل في أن الإنزال بفعل الإنسان يفسد الصوم.

وما هو حكم الإمذاء؟ لو أن إنساناً قبل زوجته فأمذى أيفسد صومه؟ لا يفسد، ولا يمكن أن يقاس الإمذاء على الإمناء لظهور الفرق بينهما. السادس: إخراج القيء عمداً، والقيء معروف، أن يخرج الإنسان ما في معدته من الطعام والشراب، إذا تعمد، أما إذا غلبه القيء فإنه لا يضره، والدليل على هذا: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من استقاء عمداً فليقضِ، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه» وهنا سؤال: لو أحسست بالقيء هل يلزمك أن تحجبه وتمنعه؟

الجواب: لا يجب، وفي هذا ضرر عليك؛ لأن المعدة إذا هاجت لا بد أن تخرج، فلا تمنعها، دعه يخرج، لكن لا تجلبه أنت، وفرق بين الجلب وبين كون المعدة تهيج حتى يخرج ما فيها، فالأول بفعل الإنسان والثاني بغير فعله.

السابع: إخراج الدم بالحجامة، فلو أن الصائم حجم فخرج منه دم فسد صومه، ولا بد من دليل، فقد ذكرت لكم الآن أن كل إنسان يقول هذه العبادة فاسدة، قل: عليك الدليل، ولا يحل لإنسان أن يقول للناس: عباداتكم باطلة إلا بدليل؛ لأنه لو أبطل عبادة قام بها الإنسان لربه افترى على الله كذباً إلا بدليل، إذاً: ما هو الدليل؟ الدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أفطر الحاجم والمحجوم» وهذا الحديث صحيح عند الإمام أحمد -رحمه الله-، صححه وأخذ به، وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في رسالة صغيرة له اسمها: حقيقة الصيام، قرر هذا وأكده، وبين أنه هو القول الراجح، وإن كان بعض العلماء يقول: الحجامة لا تفطر، لكن الصحيح أنها تفطر، وهل الرعاف يفطر أم لا؟ أما لو غلب الإنسان فإنه لا يفطر، ولا إشكال شفي هذا، فلو أن الإنسان رعف أنفه وخرج دم كثير فإنه لا يفسد صومه؛ لأنه بغير قصد وقياساً على القيء، فإن القيء إذا غلبه لا يفطر، وهذا أيضاً مثله، لكن لو أن الإنسان أدخل إصبعه في أنفه لينظفه فصار الرعاف أيفطر أم لا؟ لا يفطر؛ لأنه ما أراد أن يخرج الدم، بخلاف الذي أتى للحاجم وقال: احجمني.

الثامن: خروج دم الحيض والنفاس، فإذا خرج دم المرأة وهي صائمة فسد صومها، أعني بذلك الحيض أو النفاس، فلو حاضت المرأة قبل غروب الشمس بخمس دقائق فقط فإنه يفسد صومها، ولو حاضت بعد الغروب بدقيقة فلا يفسد صومها، وأما ما اشتهر عند النساء أنهن يقلن: إذا حاضت المرأة قبل أن تصلي المغرب ولو بعد غروب الشمس فصومها فاسد، فهذا غير صحيح، بل متى غابت الشمس وهي لم تحض فصيامها صحيح، حتى لو أحست بأن الحيض تحرك قبيل الغروب ولم يخرج إلا بعد الغروب فصيامها تام وصحيح، وإن لم تصلِّ، فالعبرة بغروب الشمس وخروج الدم.

والنفاس كذلك، ودم الاستحاضة، الدم الذي يسمى دم فساد هل يفسد الصوم؟ لا يفسد الصوم إلا دم الحيض أو دم النفاس، إذاً: هذه ثمانية مفطرات، لكن الثامن في الواقع بغير اختيار الإنسان، إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الحائض مقرراً الحكم: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟».

والسبعة الأولى هي: الأكل، الشرب، الجماع، إنزال المني بفعله، القيء عمداً، الحجامة، ما كان بمعنى الأكل والشرب. 
شروط تفطير المفطرات:
اعلموا -أيها الإخوة- أن هذه المفطرات السبعة لا تفطر إلا بشروط ثلاثة:

الأول: أن يكون عالماً.

الثاني: أن يكون ذاكراً.

الثالث: أن يكون عامداً.

فضد العلم الجهل، والجهل نوعان: إما جهل بالحكم الشرعي، وإما جهل بالوقت، وكلاهما إذا حصل فلا إثم على الصائم ولا قضاء ولا كفارة، فإذا كان جاهلاً بالحكم الشرعي، كرجل استمنى -مثلاً- وهو لا يدري أن الاستمناء حرام في الصيام، فنقول: لا يفسد صومه، رجل استقاء عمداً، وهو لا يدري أنه يفسد الصوم، فنقول: صومه صحيح، رجل أكل وشرب يظن أنه في الليل وإذا هو بعد الفجر، فصومه صحيح، رجل كان في غيم وليس معه ساعة، فظن أن الشمس غربت فأفطر، وإذا بالشمس تخرج من وراء الغيم، فنقول: صومه صحيح لأنه جاهل بالوقت، رجل سمع في الراديو مؤذناً فظنه مؤذن الحي فأفطر، وإذا بمؤذن الحي يؤذن بعد ذلك، فصومه صحيح؛ لأنه جاهل بالوقت.

قد يقول قائل: ما هو الدليل على أنه يصح الصوم مع الجهل، والله تعالى يقول: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:187]؟ قلنا: عندنا أدلة:

أولاً: قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة:286] قال الله قد فعلت، لا أؤاخذكم إذا نسيتم أو أخطأتم، والخطأ الجهل. ثانياً: عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قرأ قول الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:187] فأتى بعقالين، والعقال هو الذي تقيد به البعير، واحد أسود وواحد أبيض، وجعلهما تحت وسادته، وجعل يأكل ويشرب والنور في السماء ساطع، لكن إلى الآن لم يتبين العقال الأسود من الأبيض، فلما تبين العقال الأسود من الأبيض أمسك، فهم من الآية أن المراد بالخيط الأبيض هو الحبل الأبيض،
والخيط الأسود الحبل الأسود، إذاً: هو جهل معنى الآية، فلما أصبح أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال له: «إن وسادك لعريض» أي: أن وسع الخيط الأبيض والأسود؛ لأن الخيط الأبيض بياض النهار، والأسود سواد الليل، فإذا كان الخيط الأبيض والأسود تحت الوسادة، فإنها سوف تكون عريضة عرض الأفق، فبين له النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه بياض النهار وسواد الليل ولم يأمره بقضاء الصوم؛ لأنه كان جاهلاً بالحكم، يظن أن هذا معنى الآية.

كذلك الجهل بالوقت روت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أنهم كانوا في يوم غيم فأفطروا، ثم طلعت الشمس؛ لأنه ليس عندهم ساعات، ولا يعرفون الوقت إلا بالشمس، ولعل الغيم كان شديداً متكاثفاً، المهم أنهم أفطروا ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا، لأنه إذا أمر به كان من الشريعة والشريعة لا بد أن تنقل إلينا تامة.

تبين الآن أنه لا بد أن يكون عالماً، فإن كان جاهلاً فلا شيء عليه، كذلك إذا أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام- في نفس المسألة: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه».

اللهم لك الحمد (فليتم صومه) إشارة إلى أن الصوم لم يحصل فيه نقص ولا فساد، ثم بين الحكمة والسبب، فقال: «إنما أطعمه الله وسقاه» لأنه لم يتعمد.

يقولون: الشيء بالشيء يذكر، قال أحد التلاميذ وهو في قاعة الاختبار: إنه يكتب الجواب فسمع شخصاً يعلِّم تلميذاً إلى جانبه بالجواب، يسأل هذا التلميذ ويقول: هل يجوز أن أكتب الجواب وأنا سمعته؟ نعيد.

السؤال: تلميذ على الماسة يكتب الجواب ولا يريد الغش بأي حال من الأحوال، لكنه سمع شخصاً يقول لجاره: الجواب كذا وكذا، والجواب صحيح، فهل يجوز أن ينقل الجواب أم لا يجوز؟ نقول: إنما علمه الله، هذا رزق جاء بدون تعب، فلا حرج أن يكتب الجواب، حتى لو فرض أنه لم يكن يعرفه فيكتبه؛ لأنه ما حاول الغش ولا غش، بقي علينا من الشروط شرط ثالث: أن يكون عامداً، إذا لم يكن عامداً فلا شيء عليه، دليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب:5] فإذا لم يتعمد فلا شيء عليه، وله أمثلة: إنسان يستنشق في الوضوء فنزل الماء من خياشيمه إلى معدته، فلا يفطر؛ لأنه غير متعمد، كذلك إنسان يتمضمض فنزل الماء إلى بطنه، فلا يفطر؛ لأنه غير متعمد، والله -عز وجل- يقول: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب:5].

إذاً: هذه الشروط الثلاثة لا بد من مراعاتها حتى لا يفسد الإنسان عبادة عباد الله، وهي غير فاسدة، وكما لا يجوز لنا أن نتساهل لا يجوز أن نشدد، بعض الناس يقول: شدد لا تفتح للناس ويقول: ناسي، هذا غير صحيح، كما لا يجوز لنا أن نتساهل فيما أوجب الله لا يجوز لنا أن نتشدد، دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، هذا ما يتعلق بالصيام، وأرجو الله تعالى أن ينفعني وإياكم به.

وصايا متفرقة في الصيام:
ولكن يا إخوان احفظوا صيامكم، صونوه عن قول الزور، وعن عمل الزور، وعن العدوان على الناس، ابتعدوا عن الغيبة، أكثروا في الصيام من قراءة القرآن، ومن الذكر، ومن الصلاة في غير أوقات النهي؛ حتى يكون صومكم على وجه يرضى الله -جل وعلا- به. 
المحافظة على السحور:
كذلك تسحروا في آخر الليل، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر به، فقال: (تسحروا) وفعله هو صلوات الله وسلامه عليه، وقال: «فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب أكلة السحور».

إذاً: عندما يقدم السحور استحضر ثلاثة أشياء: الأول: امتثال أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ حتى تكون من الذين قالوا: سمعنا وأطعنا، الثاني: التأسي به -عليه الصلاة والسلام- كأنما يتسحر أمامك.

الثالث: مخالفة أهل الكتاب اليهود والنصارى، ولا أدري أنحن نستحضر هذه المعاني أم لا؟ قليل من الناس، إما جهلاً أو نسياناً، لكن احرص على هذا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فإن في السحور بركة» وصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإنك تأكل وتشرب وتمسك من طلوع الفجر، كل النهار لا تأكل ولا تشرب ومع ذلك يعينك الله عليه، بواسطة السحور الذي أكلت وشربت، كم تشرب في أيام الصيف في اليوم من مرة؟ كل خمس دقائق تشرب مرة، فإذا صمت تصبر إلى غروب الشمس، كل ذلك من بركة السحور.

الإفطار على الرطب:
وعند الإفطار اختر أن تفطر على رطب، والرطب الآن -بحمد لله- موجودة في الثلاجات، وإن لم تجد فعلى تمر، وإن لم تجد فعلى ماء، وهنا سؤال: ليس عندك تمر ولكن عندك أطباق حلوى وكأس ماء، فأيها تفطر به: أطباق الحلوى أم الماء؟ تفطر بالماء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فإن لم يجد فعلى ماء» ولم يقل: فعلى حلو، فالماء أفضل من أطباق الحلوى، ثم إذا شربت كل ما شئت.

تأخير السحور وتعجيل الفطر:
والأفضل في السحور أن تؤخره بشرط أن تأمن طلوع الفجر، اجعله آخر شيء قبل الفجر بيسير، وأما قول بعض العوام: أمسك قبل الفجر بخمس دقائق فلا أصل له، كل حتى يتبين الفجر، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أعد في رمضان مؤذنين:

أحدهما بلال والثاني ابن أم مكتوم وكان بلال يؤذن قبل الوقت، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنه يؤذن ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم» من أجل القائم يرجع ويأكل والنائم يستيقظ «كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم» -وهو أعمى- «فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» إذا طلع الفجر ذهب يؤذن، إذاً هناك مسافة بين طلوع الفجر وبين أذانه، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أذن لهم أن يأكلوا إلى أن يسمعوا أذان ابن أم مكتوم.

فعليك أن تؤخر السحور فهو أفضل، والفطر الأفضل تعجيله، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر».

التوبة من شرب الدخان في رمضان:
وإنني بهذه المناسبة أزف إلى إخواني الذين ابتلوا بشرب الدخان نصيحة باستقبال هذا الشهر المبارك: أن يحاولوا ترك الدخان؛ لأنه يسهل لهم في هذا الشهر أكثر من غيره، إذ إنهم سيكونون في النهار ممتنعين بحكم الصيام، وفي الليل يتلهون عنه بالقراءة، بأن يروح بعضهم على بعض، أو بأي شيء، يتصبرون في الليل، فإذا مضى شهر كامل وهم لم يتناولوا الدخان انقطع عنهم بإذن الله، فهو فرصة أن يتوب الإنسان من شرب الدخان، ومن استعان بالله أعانه الله، ومن اتقى الله جعل له مخرجاً، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسراً.

أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المتقين.

قيام الليل في رمضان:
وإلى هنا ينتهي القول فيما يتعلق بالصوم، أما بالنسبة للقيام فإنني أبشركم بما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام بأصحابه وأنهى الصلاة قبل طلوع الفجر، فقالوا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -أي: لو قمت بنا إلى آخر الليل- فقال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» اللهم لك الحمد يكتب لك قيام ليلة وأنت على فراشك ومع أهلك، لكن قم مع الإمام حتى ينصرف، وتقوم معه من صلاة العشاء أو من القيام، فإذا قال قائل: ماذا تقولون في قوم يذهبون إلى مساجد أخرى غير مساجد حاراتهم؟ فالجواب: لا حرج عليهم في هذا، المساجد كلها بيوت الله، إلا إذا كان يترتب على ذهابهم تعطيل المسجد في حارتهم فلا، أما إذا كان سيبقى من يقيم الصلاة في هذا المسجد فلا حرج أن يذهب الإنسان إلى مسجد آخر يرتاح لقراءته صوتاً وأداءً؛ لأن الأمر -والحمد لله- واسع، وكثيرٌ من الناس إذا صلى مع من يرتاح له نفسياً أو لحسن صوته أو لحسن أدائه يكون أخشع، وما دام الله -عز وجل- قد فسح ولم يحرم علينا أن نتعدى مساجدنا في حاراتنا إلى غيرها فالأمر -والحمد لله- واسع، إلا إذا لزم من ذلك تعطيل المسجد فلا، كلٌ يصلي في حارته، وإذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة، وهذا من نعمة الله -عز وجل-. وإنني أوصي إخواني الأئمة أن يتقوا الله -عز وجل- فيمن خلفهم؛ بأن يؤدوا الصلاة بطمأنينة، في القراءة، والركوع، والسجود، والقيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، والتشهد أيضاً، فإن كثيراً من الأئمة يسرع في الركوع والسجود والقيام، ويسرع في التشهد، فإن الإنسان يتشهد التشهد المعروف فإذا وصل إلى قوله: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وإذا بالإمام يسلم، هذا غلط وخطأ، دع المصلين يدعون الله -عز وجل- بعد التشهد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر التشهد، قال: «ثم ليتخير من الدعاء ما شاء» على الأقل دعهم يصلون على النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة الكاملة، دعهم يستعيذون بالله من الأربع: «أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال».

ولو سألنا سائل: ما هو الوقت الذي يربحه الإنسان في حياته؟ لقلنا: طاعة الله -عز وجل-، نصيبنا من أعمارنا في الدنيا هو طاعة الله -عز وجل-، أما الباقي فهو إما علينا وإما لا لنا ولا علينا، أما الذي نربحه من أعمالنا فهو طاعة الله -عز وجل-.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.