كتاب الصيام - 6
مدة الملف
حجم الملف :
83380 KB
عدد الزيارات 3557

عناصر المادة :
باب ما يكره ويستحب في الصوم وحكم القضاء

الشيخ: على رُجْحَان هذا القول، أنه إذا أكل شاكًّا في طلوع الفجر، ثم تبين أنه بعد طلوع الفجر فصومه صحيح على القول الصحيح فما هو الدليل؟
طالب: عموم الأدلة (...).
الشيخ: ما هو الدليل؟
الطالب: قوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: ٢٨٦].
الشيخ: إي نعم، رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا.
الطالب: وهذا من الخطأ.
الشيخ: وهذا من الخطأ، وهل هناك دليل خاص في المسألة؟
طالب: حديث أسماء رضي الله عنها أنها قالت: صُمْنَا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم، فطلعت الشمس .
الشيخ: فطلعت الشمس، وإذا كان هذا في آخر النهار فأوَّله من باب أَوْلَى؛ لأن أوله مأذون له أن يأكل ويشرب إلى أن يتبين له الفجر.
رجل آخر أكل يعتقد أنه ليل في آخر النهار، فبان نهارًا؟
طالب: نعم يا شيخ (...) حديث أسماء.
الشيخ: ما حكم هذا الذي فعل هذا الفعل؟
الطالب: غير آثم، وصومه صحيح، ولكن يلزمه الإمساك.
الشيخ: أنا أحب أن تجيب أولًا بما قاله المؤلف من أجل أن أعرف أنك هضمت الكتاب.
الطالب: لا أعرف كلام المؤلف.
الشيخ: إي، إذن ما درست الكتاب، لا تقول: إني درست زاد المستقنع.
الطالب: ما ألزمتمونا بالحفظ يا شيخ.
الشيخ: مو لازم الحفظ.
طالب: يبطل الصوم.
الشيخ: يلزمه القضاء؟
الطالب: نعم.
الشيخ: على رأي المؤلف يلزمه القضاء لأنهم في باب مفسِدات الصوم لا يعذرون بالجهل، والقول الراجح؟
الطالب: أنه لا قضاء عليه.
الشيخ: أنه لا قضاء عليه،
ما هو دليل رجحان هذا القول؟
طالب: حديث أسماء.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: أنهم أفطروا..
الشيخ: أنهم أفطروا؟
الطالب: ولَمَّا، ثم بَانَ النهار.
الشيخ: كيف؟
الطالب: أفطروا على غَيْم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: إي نعم، أفطروا متى؟
الطالب: أفطروا قبل، في يوم غيم.
الشيخ: في يوم غيم، ثم طلعت..
الطالب: الشمس.
الشيخ: ولم يأمرهم بالقضاء، هذا دليل خاص، وأما الأدلة العامة: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا، فهي واضحة.
ثم عقد المؤلف فصلًا خاصًّا للجماع، الجماع من مُفَطِّرات الصائم بالإجماع، ودليله قوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ، أي: الإمساك، إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: ١٨٧]، وهو مُفَطِّر بالإجماع، وهو أعظم المُفَطِّرات، ولهذا وجبت فيه الكفارة.
قال المؤلف: (وَمَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَان فِي قُبُلٍ أوْ دُبُرٍ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ)، (مَنْ جَامَعَ)، (مَنْ) هذه من صِيَغ العموم؛ لأنها اسم شرط، فيشمل كل مَن جامع في نهار رمضان وهو صائم فَعَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ، ولكن ليس هذا على عمومه، بل لا بد من شروط:
الشرط الأول: أن يكون ممن يلزمه الصوم، فإن كان ممن لا يلزمه الصوم -كالصغير- فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة؛ لأن له أن يُفْطِر بدون عذر.
الشرط الثاني: ألَّا يكون هناك مُسقِط للصوم، فإن كان هناك مُسقِط للصوم كما لو كان في سفر وهو صائم فجامع زوجته فإنه ليس عليه إثم وليس عليه كفارة، وإنما عليه القضاء فقط؛ لقوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: ١٨٥].
إذن لا بد من أن يكون ممن يلزمه الصوم، ولا بد ألَّا يوجد مُسْقِط للصوم.
رجل مريض صائم وهو ممن يباح له الفطر بالمرض، لكنه تكلَّف وصام، ثم جامع زوجته، فهل عليه الكفارة؟ لا؛ لأنه ممن يحلُّ له الفطر، فالحاصل إذا كان ممن يلزمه الصوم.
وقوله: (فِي قُبُلٍ أوْ دُبُرٍ) يشمل القُبُل الحلال والدُّبُر الحلال، والدُّبُر الحرام والقُبُل الحرام، يعني حتى ولو كان زنًا -والعياذ بالله- فإنه يلزمه القضاء والكفارة، (فَعَلَيْهِ القَضَاءُ).
طالب: قلت: الدُّبُر الحلال.
الشيخ: نعم؟
الطالب: هل الدُّبُر الحلال.
الشيخ: لا، الدُّبُر حرام، كل الدُّبُر حرام حتى لزوجته، لكن دُبُر مِن امرأة حلال، أما الدُّبُر فلا يحل وطؤه حتى من الزوجة، فهو يشمل كل هذا.
(فَعَلَيْهِ القَضَاءُ)؛ لأنه أفسد صومه الواجب فوجب عليه القضاء.
(وَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ)، الكفارة احترامًا للزمن، وبناءً على ذلك -أنه احترامًا للزمن- أنه لو كان هذا في قضاء رمضان فالقضاء واجب، وعليه القضاء لهذا اليوم الذي جامَع فيه وليس عليه كفارة، لماذا؟ لأنه خارجَ شهرِ رمضان، بخلاف ما إذا كان في الشهر فعليه الكفارة.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يُنزِل أو لا يُنزِل، فإذا أولج الحَشَفَة في القُبُل أو الدُّبُر، فإنه يلزمه -كما قال المؤلف- القضاء والكفارة.
قال: (وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الفَرجِ فأَنْزَلَ) فالجواب قوله: (أفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ)، إن جامع دون الفرج كما لو جامع بين فخذيها، أو ما أشبه ذلك، فأنزل فعليه القضاء ولَا كفارة.
كذلك إذا (كَانَتِ المرأةُ معذورةً) بجهل أو نسيان أو إكراه، فإنه ليس عليها كفارة، وعليها القضاء، وعُلِمَ من قوله: (أَو كَانَتِ المرأةُ معذورةً) .. إلى آخره أنه لو كانت مُطاوِعَةً فعليها..
طالب: القضاء.
الشيخ: القضاء والكفارة.
فإن قال قائل: ما هو الدليل على وجوب الكفارة؟
قلنا: الدليل على ذلك حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: هلكْت، قال: «مَا أَهْلَكَكَ؟»، قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، فسأله النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هل يجد رقبة؟ فقال: لا، قال: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟»، قال: لا، قال: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟»، قال: لا، فالرجل فقير وعاجز عن الصوم، ثم جلس الرجل، فجيء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتمر، فقال: «خُذْ هَذَا تَصَدَّقْ بِهِ»، قال: أَعَلَى أفقر مني يا رسول الله؟! والله ما بين لَابَتَيْهَا أهل بيت أفقر مني، فضحك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قال: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» فرجع إلى أهله بتمر.
فإن قال قائل: هذا الرجل عرفنا الدليل، لكن ما هو الدليل على وجوب الكفارة على المرأة؟ والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يذكر في هذا الحديث أن على المرأة الكفارة، مع أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يمكن، يعني لا يمكن أن يؤخر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيان الحكم مع دعاء الحاجة إليه؟
فالجواب عن هذا أن يقال: إن هذا الرجل استفتى عن فعل نفسه، والمرأة لم تَسْتَفْتِ، وحالها تحتمل أن تكون معذورة ومُكْرَهَة، وتحتمل أن تكون مُطاوِعة، فلمَّا لم تأتِ وتَسْتَفْتِ سكت عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يذكر أنَّ عليها كفَّارة، والاستفتاء لا يُشترط فيه البحث عن حال الشخص الآخر، ولهذا لَمَّا جاءت امرأة أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تشتكيه بأنه لا يُنْفِق لم يطلب أبا سفيان ليسأله، بل أَذِن لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي ولدها.
فإذا قال قائل: ما الدليل على الوجوب؟ أليس الأصل براءة الذمة؟
قلنا: الدليل على ذلك أن الأصل تَسَاوِي الرجال والنساء في الأحكام إلَّا بدليل، ولهذا لو أن رجلًا قذف رجلًا بالزنا لجُلِد ثمانين جلدة إذا لم يأت بالشهود، مع أن الآية في النساء: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور: ٤]، فالأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية إلَّا بدليل.
فإذا قال قائل: ظاهر كلام المؤلف أنه لو كان الرجل هو المعذور بجهل أو نسيان فإنَّ الكفارة لا تسقط عنه؟
قلنا: نعم، هذا ظاهره؛ لقوله: (أَوْ كَانَتِ المرأةُ معذورةً) ففُهِم منه أنه لو كان الرجل هو المعذور فإنَّ الكفارة لا تسقط عنه، وهذا هو المشهور من المذهب.
والصحيح أن الرجل إذا كان معذورًا بجهل، أو نسيان، أو إكراه، فإنه ليس عليه قضاء، وليس عليه كفارة، وأن المرأة كذلك إذا كانت معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه فليس عليها قضاء ولا كفارة، المذهب أن عليها القضاء، وليس عليها الكفارة، والصحيح أنه لا قضاء عليها ولا كفارة.
وكذلك بالنسبة للرجل، فلو كان الرجل جاهلًا لا يعلم أن الجماع بدون إنزال حرام على الصائم، قلنا له: ليس عليك قضاء وليس عليك كفارة؛ للجهل، وقد سبقت الأدلة على ذلك.
وكذلك لو قال: أنا نسيتُ أني صائم، قلنا: لا قضاء عليك ولا كفارة، وإن كان النسيان في مثل هذه الحال بعيدًا؛ لأن الناس في رمضان والنسيان يكون بعيدًا، لكن نقول: ربما يحصل، ولو قال قائل: إذا نَسِيَ هو لم تنسَ الزوجة، قلنا: يمكن أن تَنْسَ الزوجة أو تداهن، ربما تداهن وتسكت، وتقول: ما نقدر نذكِّره، كما يقول بعض العامَّة: إذا رأيت الرجل يشرب وهو صائم أو يأكل وهو صائم فلا تذكِّره؛ لأن الله هو الذي أطعمه وسقاه، فنقول: هذا قد يكون هي داهنت وسكتت وقالت: هذا ناسٍ ولا أُذَكِّره.
فعلى كل حال إذا وُجِدَ الجهل أو النسيان أو الإكراه من الزوج أو الزوجة وجامعها فالقول الراجح أنه ليس عليهما قضاء.
طلبة: ولا كفارة.
الشيخ: ولا كفارة.
بقي أن نُنَبِّه على مسألة مهمة، وهي أن الفقهاء رحمهم الله قالوا: لا يمكن الإكراه على الجماع من الرجل، يعني لا يمكن أن يُكْرَه الرجل على الجماع؛ لأن الجماع لا بد فيه من انتشار وانتصاب الذَّكَر، والمكْرَه لا يمكن أن يكون منه ذلك.
فيقال: هذا غير صحيح؛ لأن الإنسان إذا هُدِّد مثلًا بالقتل أو بالحبس، أو ما أشبه ذلك، ثم دنا من المرأة فلا يَسْلَم من الانتشار، وكونهم يقولون: هذا غير ممكن، نقول: هذا ممكن.
فإن قال قائل: الرجل الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أليس جاهلًا؟ كما استشكله الأخ.
نقول: هو جاهل ما يجب عليه، وليس جاهلًا أنه حرام، ولهذا يقول: «هَلَكْتُ»، فهو عارف وعالم، لكن لا يدري ماذا عليه، ونحن إذا قلنا: إن الجهل عذر، فليس مرادُنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرَّم، ولكنَّ مرادَنا الجهل بهذا الفعل هل هو حرام أو ليس بحرام.
ولهذا لو أن أحدًا زنى جاهلًا بالتحريم وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية، رجل حديث عهد بالإسلام، أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنا محرَّم فزنا فإنه لا حدَّ عليه، لكن لو كان يعلم أن الزنا حرام، لكن لا يعلم أنَّ حدَّه الرجم، أو أنَّ حدَّه الجلد والتغريب، فإنه يُحَدُّ؛ لأنه انتهك الحرمة، فصار الجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس أيش؟ ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام هذا عذر.
يقول: (أوْ جَامَعَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ أفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ)، (جَامَعَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ) يعني: من صام في سفره، هذا المراد، إنسان مسافر سفرًا يبيح الفطر فصام، ثم في أثناء النهار جامع زوجته، فهذا يُفْطِر، وليس عليه كفارة، ويلزمه القضاء أو لا يلزمه؟
طلبة: يلزمه.
الشيخ: يلزمه القضاء، وعليه فالذين يذهبون إلى العمرة في رمضان ويصومون هناك، ثم يجامع أحدُهم زوجته في النهار ليس عليه كفارة، لماذا؟
طلبة: مسافر.
الشيخ: لأنه مسافر، والمسافر يُبَاح له الفطر، هذا إذا نوى أقل من أربعة أيام، أما إذا نوى أكثر من أربعة أيام فالمسألة خلافية معروفة، والصحيح أنه مسافر، حتى لو أقام الشهر كله فإنه مسافر يجوز له الفطر، ويجوز له الجماع.
(أوْ جَامَعَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ أفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ)، لماذا؟
طالب: لأنه مسافر.
الشيخ: لأن الجماع والأكل والشرب في حقه مباح، له -أي المسافر- أن يُفْطِر في أثناء النهار.
(وإنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ كَرَّرَهُ فِي يَوْمٍ وَلَمْ يُكَفِّر فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ في الثانية، وفي الأولَى اثْنَتَانِ)، ذكر المؤلف رحمه الله مسألتين؛ المسألة الأولى: إذا جامع في يومين، بأن جامع في اليوم الأول من رمضان، وفي اليوم الثاني، فإنه يلزمه كفارتان، وإن جامع في ثلاثة أيام؟
طلبة: ثلاث.
الشيخ: كم؟
طلبة: ثلاث.
الشيخ: ثلاث كفارات، وإن جامع في كل يوم من الشهر؟
طالب: فثلاثون كفارة.
الشيخ: فثلاثون كفارة أو تسع وعشرون، حسب أيام الشهر؛ وذلك لأن كل يوم عبادة مستقلة، ولهذا لا يفسد صوم اليوم الأول بفساد صوم اليوم الثاني؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة فيلزمه لكل يوم كفارة.
وقيل: لا يلزمه إلَّا كفارة واحدة إذا لم يُكَفِّر عن الأول، وذلك لأنها كفارات من جنس واحد فاكتُفِيَ فيها بكفارة واحدة، كما لو حلف على أَيْمَان متعددة ولم يُكَفِّر، فإنه إذا حَنِث في جميعها تكفيه كفارة واحدة، وكما لو أحدث بأحداث متنوعة فإنه يجزئه..
طلبة: وضوء واحد.
الشيخ: وضوء واحد، وهذا القول -وإن كان له حظ من النظر وقوة- لكن لا تنبغي الفُتْيَا به؛ لأنه لو أُفْتِيَ به لانتهك الناس حرمة الشهر كله، وسَهُلَ عليه أن يُطْعِم ستين مسكينًا، ولا سيما إذا كان شابًّا تزوج في آخر شعبان، فإنه يقول: ما دام يجزي أن أُطْعِم ستين مسكينًا فسيفعل، ولا يبالي أنه فعل محرَّمًا، وإلَّا فهو آثم، ليس المعنى أن الكفارة تُبيح الفعل، لكنها تكفِّر الذنب، وأما الفعل فهو حرام.
على كل حال لا ينبغي الفتوى بهذا القول وإن كان له حظ من النظر، وذلك خوفًا من إيش؟
طلبة: التساهل.
الشيخ: من التهاون في هذا الأمر.
أما إذا جامع في يوم واحد مرتين، فإن كَفَّر عن الأول لزمه كفارة عن الثاني، وإن لم يُكَفِّر عن الأول أجزأه كفارة واحدة؛ وذلك لأن الموجَب والموجِب واحد، واليوم؟
طالب: واحد.
الشيخ: واحد، فلا تتكرر الكفارة.
وقيل: إنه لا يلزمه عن الثاني كفارة؛ لأن يومه فسد، فسد بإيش؟ بالجماع الأول، فهو في الحقيقة غير صائم، وإن كان يلزمه الإمساك لكنه ليس هذا الإمساك مُجْزِئًا عن صوم، فلا تلزمه الكفارة؛ لأن الكفارة تلزم إذا أفسد صومًا صحيحًا.
وهذا القول له وجه من النظر أيضًا؛ أنه إذا كرر في يوم واحد لم تلزمه إلَّا كفارة واحدة، سواء كفَّر عن الأول -يعني عن أول مرة- أم لم يكفِّر.
مثاله: رجل جامع في أول النهار بعد طلوع الشمس مثلًا بربع ساعة، ثم كفَّر بإعتاق رقبة، ثم جامع بعد الظهر، على ما مشى عليه المؤلف يلزمه؟
طلبة: كفارة.
الشيخ: كفارة ثانية؛ لأنه كفَّر عن الأول، وهو الآن وإن كان ليس صائمًا صومًا شرعيًّا لكنه يلزمه الإمساك، وعلى القول الثاني: لا تلزمه الكفارة؛ لأن الجماع وَرَد على صوم غير صحيح، وإنما هو على إمساك فقط، وفي الأولى اثنتان.
(وإنْ جَامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ فِي يَوْمِهِ، فَكَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، وَكَذَلكَ مَنْ لَزِمَه الإِمْسَاكُ إِذَا جَامَعَ)، يعني: مَن لزمه الإمساك إذا جامع فإنه يُكَفِّر وإن كان لا يُعْتَدُّ بصومه.
مثاله: رجل مسافر، وكان مُفْطِرًا، فقدِم إلى بلده، فعلى المذهب يلزمه أن يُمْسِك، مع أن هذا الإمساك لا يُعتبر له، فلو جامع فإن عليه الكفارة؛ لأنه يلزمه الإمساك، أعرفتم ولَّا فيه نظر؟
طلبة: (...).
الشيخ: رجل مسافر مُفْطِر في سفره قدِم إلى بلده، فالمذهب -كما سبق- يلزمه..
طالب: الإمساك.
الشيخ: الإمساك؛ لحرمة اليوم، فلو كان مشتاقًا إلى أهله، وجامع زوجته في ذلك اليوم الذي قَدِم فيه وهو مُفْطِر فعليه؟
طلبة: الكفارة.
الشيخ: الكفارة، أما القضاء فواضح إنه لا بد أن يقضي لأنه مُفْطِر، وهذا ما مشى عليه المؤلف، والقول الثاني أنه لا يلزمه الإمساك؛ لأن هذا اليوم في حقه غير محترَم؛ إذ إنه..
طالب: مُفْطِر في أوله.
الشيخ: في أوله مُفْطِر بإذن من الشرع، وليس عندنا صوم يجب في أثناء النهار، إلَّا إذا قامت البينة فهذا شيء آخر، وهذا هو القول الراجح، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من أفطر أول النهار فليفطر آخره ، يعني: مَن أُبيح له أن يُفْطِر في أول النهار أُبِيح له أن يُفْطِر في آخر النهار.
ومثل ذلك أيضًا إذا كان مريضًا يُبَاحُ له الفطر، وهو الآن مُفْطِر، ثم شفاه الله، وزال عنه المرض الذي استباح به الفطر، فإنه على المذهب إيش؟
طلبة: يمسك.
الشيخ: يلزمه؟
طلبة: الإمساك.
الشيخ: الإمساك، فإن جامع في هذه الحال فعليه؟
طلبة: الكفارة.
الشيخ: الكفارة، كذلك بالنسبة للمرأة لو طَهُرَت من الحيض في أثناء النهار وهي -طبعًا- مُفْطِرة؛ لأن الحيض ليس فيه صيام، فيلزمها على المذهب..
طلبة: الإمساك.
الشيخ: الإمساك، فلو جامعها زوجها المريض الذي يباح له أن يُفْطِر فعليها؟
طلبة: كفارة.
الشيخ: الكفارة، والصحيح أنه لا كفارة عليها
، وبناءً على ذلك لو قَدِم المسافر مُفْطِرًا في يوم كانت زوجته طاهرًا في أثنائه من الحيض، فهل يجوز أن يجامعها؟
طلبة: نعم.
الشيخ: على القول الراجح يجوز أن يجامعها، ولا إثم عليه ولا عليها؛ لأن هذا اليوم في حقهما غير محترَم؛ لإذن الشارع لهما بالفطر فيه، لكن على المذهب -كما رأيتم- يلزمه الإمساك، ويترتب على الجماع ما يترتب على الصوم من أول النهار.
(وَكَذَلكَ مَنْ لَزِمَه الإِمْسَاكُ إِذَا جَامَعَ، وَمَنْ جَامَعَ وَهُوَ مُعَافًى، ثُمَّ مَرِضَ، أوْ جُنَّ، أَوْ سَافَرَ لَمْ تَسْقُطْ)، هذه عكس المسألة الأولى، جامع وهو معافًى وصائم، ثم مُرِض في أثناء النهار، أصابه مَرض يُبِيحُ له الفطر، فهل تلزمه الكفارة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إي نعم، تلزمه الكفارة مع أنه في آخر النهار..
طالب: يُبَاح.
الشيخ: يُبَاحُ له أن يُفْطِر، لكن نقول: هو حين الجماع كان ممن لم يؤذن له في إيش؟
طلبة: في الفطر.
الشيخ: في الفطر، فلزمته الكفارة.
كذلك أيضًا مَن جامع وهو عاقل، ثم جُنَّ في أثناء النهار، فالصوم يبطل بالجنون، وعليه..
طلبة: الكفارة.
الشيخ: الكفارة؛ لأنه حين الجماع من أهل الوجوب، وهو أيضًا صائم.
وكذلك مَن جامع في أول النهار، ثم سافر في أثنائه، فإنه يباح له الفطر، وتلزمه الكفارة.
فإذا قال هو: إنه قد أُذِنَ لي في الفطر آخر النهار فلا كفارة علَيَّ، كالذي أُذِنَ له في الفطر أول النهار وجامع في آخره وقلتم: إنه لا كفارة عليه، ما الفرق؟
نقول: الفرق ظاهر جدًّا، أنت حينما جامعت هل سبق من الشارع إِذْن لك بالفطر؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، بل أنت مُلْزَم بالصوم، وما ورد من العذر أو ما طرأ من العذر فهو طارئ بعد انتهاكك لحرمة الزمن، فَظَهَر الفرق.
ثم قال المؤلف: (وَلَا تَجِبُ الكَفَّارَةُ بِغَيْرِ الجِمَاعِ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ)، نزيد قَيْدًا: (مِمَنْ يلزَمَه الصوم)، فلا تجب الكفارة في صيام النفل، ولا تجب الكفارة في صيام كفارة اليمين، ولا تجب الكفارة في صيام فدية الأذى، ولا تجب الكفارة في صيام المتعة لمن لم يجد الهَدْي، ولا تجب الكفارة في صيام النَّذْر، لا تجب إلَّا في الجماع في نهار رمضان ممن يلزمه..
طالب: الصوم.
الشيخ: الصوم، أيضًا لا تجب الكفارة في الإنزال بقُبلة، أو مباشرة، أو غير ذلك؛ لأنه ليس بجماع، وظاهره أن الكفارة تجب بالجماع وإن لم يحصُل..
طلبة: إنزال.
الشيخ: إنزال، وهو كذلك؛ لأن الكفارة مُرَتَّبَة على الجماع.
طالب: يا شيخ، أنتم قلتم الآن ويظهر من كلامك أنك تميل إلى عدم الكفارة كل يوم من أيام رمضان؟
الشيخ: إي، لا ما نُفْتي.
الطالب: إي، لكن كلامك الآن يُفْهَم الآن أنك تقول بعدم الكفارة بكل يوم.
الشيخ: إي، أقول: هذا قوي جدًّا
.
الطالب: ما هو الدليل؟
الشيخ: الدليل القياس على ما سمعت.
الطالب:لِمَ لا نقيسه على كفارة القتل أو كفارة الظِّهَار؟
الشيخ: أحسنت، حتى كفارة الظِّهَار إذا ما كفَّر عن الأول ما تكرر.
الطالب: (...) كفارة اليمين لكن كفارة القتل.
الشيخ: إي نعم، كفارة القتل؛ لأنها عِوَض عن نفس، كما لو قتل المحْرِم صُيودًا في الحرم، لو مثلًا قتل عشر حمامات يلزمه عشر شِياه وإن لم يفدِ عن الأولى؛ لأنها عِوض عن أنفس.
الطالب: لكن الآن توجيه القياس هذا يا شيخ هل يتجه، يعني (...)؟
الشيخ: قوي قوي جدًّا، أنا أرى أنه قوي لكننا لا نُفتي به حذرًا من التهاون، ومثل هذه المسائل نحن نعطيكم، إن شاء الله أنتم مستقبلًا ستكون من أهل الفُتيا.
مثل هذه المسائل التي يظهر فيها الدليل لكن يُخْشَى من انتهاك الناس ما لا يجوز يمكن أن يُفْتِيَ بها الإنسان سرًّا في حال معينة، يعني فلو جاءنا إنسان في هذه المسألة: إنسان مثلًا واقَعَ ثلاثة أيام أو أربعة أيام، وقال: أنا ما أستطيع أصوم عن كل يوم شهرين، فإنَّا في هذه الحال إذا درسنا حاله وعرفنا أن الرجل صحيح يشق عليه ذلك، وأن القياس ظاهر لنا، فهذا ربما نُفْتِيه سِرًّا، ونقول له: لا تُخْبِر الناس، وكان كثير من العلماء يفتون في مثل هذه المسائل سِرًّا مثل المجد رحمه الله جد شيخ الإسلام ابن تيمية كان يُفتي بأن الطلاق الثلاث واحدة، لكن يُفتي به سِرًّا ما هو جهرًا.

طالب: لكنك يا شيخ أعطيته جهرًا، فلا بد أن يشرِّق ويغرِّب والمنتهِك يا شيخ يسمع هذا الكلام.
الشيخ: لا، لا ما دام أني قلت لا أفتي به، الآن قلت لكم: لا أفتي به.
الطالب: لكن هذا الشريط الكلام غالبًا يسمعه.
الشيخ: ما يخالف، يسمعون هذا وهذا، يسمعون أنه قول قوي، ويسمعون أننا لا نُفتي به.

الطالب: عظَّم الله أجركم.
الطالب: لو احتال وأكل ثم جامع؟
الشيخ: هل ينفع ذلك؟
الطالب: أنا أسأل: هل تلزمه الكفارة يا شيخ؟

الشيخ: إي، تلزمه الكفارة، ما فيه شك.
الطالب: ليش؟
الشيخ: لأنه يلزمه الإمساك أصلًا، أصلًا أكله هذا حرام. أنتم سمعتم سؤال الأخ؟
طلبة: لا.
الشيخ: يقول لو أنه تحيَّل وأكل ثم جامع في نهار رمضان، وهو ممن يجب عليه الصوم، نقول: لا يفيده هذا شيئًا؛ لأن أصل الأكل حرام عليه.

طالب: رجل نوى أن يسافر، وقبل السفر جامع زوجته وهو في..
الشيخ: يعني قبل أن يخرج من البلد؟
الطالب: قبل أن يخرج من البلد.
الشيخ: إي نعم، عليه القضاء والكفارة؛ لأنه لا يحل له أن يُفْطِر إلَّا إذا سافر.

طالب: شيخ، قول الشيخ هنا: (والنَّزْعُ جِمَاع)، الإنزال بالمساحقة كالجماع.
الشيخ: (النَّزْعُ جِمَاع) يعني لو أن الإنسان كان يجامع زوجته في آخر الليل، ثم أَذَّن المؤذن الذي يؤذن على طلوع الفجر وهو على أهله، فنزع في الحال، يعني أخرج ذَكَره، فيقول المؤلف: إن (النَّزْعُ جِمَاع)، وهذا من غرائب العلم والواقع، الفارُّ من الشيء كالذي يفعله؟ هو لَمَّا نزع من يوم سمع الأذان هل هو فارٌّ من الجماع ولَّا واقع فيه؟
طلبة: فارٌّ.
الشيخ: فارٌّ منه، ولهذا القول الراجح أن النزع ليس جماعًا، أن النزع توبة، وأنه لا يفسُد صومه، ولا تلزمه كفارة، وهذه أنا تركت التنبيه عليها -وإن كانت مهمة- لأنها نادرة الوقوع، أما المساحقة -والعياذ بالله- فالمساحقة تكون بين المرأتين، كل واحدة تجامع الأخرى، فلو أنزلت إحداهما أو كلتاهما فإنه ليس عليهما كفارة.

طالب: شيخ، قلنا: إن المقصود من الكفارة، الحكمة منها احترام الزمان.
الشيخ: من إيجابها، إي نعم.
الطالب: قلنا: الدليل على ذلك أنه لو أفطر في غير رمضان.
الشيخ: لو جامع.
الطالب: لو جامع.
الشيخ: في صوم واجب غير رمضان.
الطالب: كفارة (...)؟
الشيخ: فلا كفارة.
الطالب: فلا كفارة.
الشيخ: نعم.
طالب: وقلنا يا شيخ: مَنْ جامع وهو حاضر.
الشيخ: نعم.
الطالب: في المدينة فعليه كفارة.

الشيخ: نعم.
الطالب: المهم الزمان فسد.
الشيخ: لكن متى جاز انتهاك الزمان أَبَعْدَ الجماع أو قبله؟
الطالب: قبل الجماع.
الشيخ: لا، بعد الجماع، هو لَمَّا جامع (...) ما فيه خلاف.
الطالب: شيخ، الزمن كله (...).
الشيخ: لا، لا، فرق بين إنسان انتهك الحرمة بعد والحرمة باقية، وبين إنسان لم ينتهكها.

طالب: قلنا: إنه لا تجب الكفارة إلَّا بالجماع، فلو استمنى أو باشر فأنزل لا تجب عليه الكفارة.
الشيخ: نعم.

الطالب: لو قيل يا شيخ: إن العلة في حديث الأعرابي أنه قضى شهوته فأُمِر بالكفارة.
الشيخ: لا، لا.
الطالب: كما أننا سوَّينا بين مباشرته بالإنزال والجماع بجامع الشهوة والإفطار، كذلك يكون في الكفارة؟
الشيخ: لا ما يصح؛ لأن الرجل يقول: وقعت على امرأتي ، ولم يذكر أنه أنزل، فجعل العلة الوقاع.
طالب: رجل جامع وأذَّن الأذان -أذان الفجر- فقال: لا أريد أن أنزع قياسًا على رجل شرب الماء فجاز.
الشيخ: إن شاء الله تعالى إذا تزوجت إن شاء الله أجبناك على هذا، يقول الأخ: أفلا نقيس الرجل إذا كان يجامع وأذَّن على مَن أذَّن والإناء في يده فإنه لا يلزمه ترك الشرب حتى يقضي نَهمته، فيقول هذا: ما هو نازع حتى يقضي شهوته؟
نقول: هذا ربما يكون له وجهة نظر، لكن الأصل المنع، ثم إن الماء قد يكون لدفع ضرورة، بخلاف الجماع، فعلى كل حال يلزمه أن ينزع، لكن الصحيح أنه ليس بجماع
.

طالب: إذا أُكرِه على الجماع وكذلك امرأته، هل يُلزَمون بالإمساك؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: يُلزَمون بالإمساك بعد..
الشيخ: لا، أصلًا ما فسد صومهما، صومهما باقٍ.
الطالب: يعني الصوم باقٍ.
الشيخ: إي نعم، ما فيه ما يحتاج إلى الإمساك.

الطالب: المسألة التي ذكرها الأخ؛ الإنزال ما يكون عليه كفارة يا شيخ، مثلًا لو استيقظ..
الشيخ: لا، ما يكون عليه، يعني حتى مثلًا لو فرضنا أنه متهيئ لنزول الماء الدافق يخرج حتى مع النزع.


طالب: عفا الله عنك، الشرع ميسر على التيسير.
الشيخ: حمدًا لله.
الطالب: والمذهب بعض ما يسره المذهب فيه تشديد شوي، مثل المسافر القادم من السفر والمرأة التي طهرت نهار اليوم، هذا فيه تشديد من المذهب؛ لأنهم حقهم إنهم معذورون في أول النهار.
الطالب: (...).
الشيخ: بس يقولون: لأنه رُخِّص لهما في الفطر بالنسبة للمسافر ما دام مسافرًا، أما الآن فهو مقيم.
الطالب: المهم أن الله ما كلفهم بالصوم لأنهم (...).
الشيخ: صحيح، كلامك صحيح أبدًا، ولو حصل مثل هذا وقَدِم الإنسان مسافرًا وهو مُفْطِر وأهله كذلك قد طَهُروا من الحيض فلا حرج أن يجامع.

طالب: بالنسبة للإفطار أليس يكون بالنية؟
الشيخ: بالنية، إذا نوى الإفطار أفطر.
الطالب: يا شيخ اللي نوى السفر.
الشيخ: نعم، نوى السفر؟
الطالب: ألا يفطر قبل أن يخرج؟
الشيخ: ما حصل السفر إلى الآن.
الطالب: اللي نوى الأكل ما أكل.
الشيخ: إي.
الطالب: يعني نوى الفطر وما أكل.
الشيخ: فَرْق، شوف، لا، لو نوى أن يأكل ولم يأكل فإنه لا فِطْر عليه؛ لأن فَرْق بين من نوى المحظور ولم يفعله، وبين مَن قطع العبادة، ولهذا لو نوى أن يُحْدِث وهو يصلي ولم يُحْدِث فصلاته صحيحة.

***

طالب: .. وهْيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هل تجب الكفارة في غير الجماع؟
طالب: لا تجب.
الشيخ: وما هو الجماع الذي تجب فيه الكفارة؟
طالب: الجماع في الصوم.
طالب آخر: تجب بشرطين: أن يكون المجامِع ممن يلزمه الصيام، وألَّا يكون هناك عذر يبيح له الإفطار.
الشيخ: لا.
الطالب: كالسفر والمرض.
الشيخ: ما دام قلت: ممن لا يجب عليه الصيام، يكفي عن هذا الذي قلت.
طالب: المراد بالجماع إدخال الحَشَفَة في..
الشيخ: لا، لا، ما هو الجماع الذي تجب فيه الكفارة؟
الطالب: للجماع شرطين:
الشيخ: الأول؟
الطالب: الأول أن يكون ممن يلزمه الصوم.
الشيخ: هذا واحد.
الطالب: الثاني ألَّا يكون هناك مُسْقِط لهذا..
طالب آخر: أن يكون ممن يلزمه الصوم، وأن يكون في نهار رمضان، وأن يكون (...).
الشيخ: إذا قلنا: (ممن يلزمه الصوم) معناه العذر، يعني يشترط شرطان: الأول؟
طالب: ممن يلزمه الصوم.
الشيخ: أن يكون في نهار رمضان، والثاني: ممن يلزمه؟ الصوم.
رجل جامع في قضاء رمضان، هل عليه الكفارة؟ لا كفارة عليه، لماذا؟
الطالب: لأن الكفارة احترامًا للزمن.
الشيخ: لأن الكفارة احترامًا للزمن، ولا يكون ذلك إلَّا في نهار رمضان.
مسافر جامع وهو صائم في نهار رمضان؟
طالب: لا كفارة، يُفْطِر ولا كفارة عليه.
الشيخ: هل عليه كفارة؟
الطالب: لا.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه لا يلزمه الصوم.
الشيخ: لأنه لا يلزمه الصوم.
كرَّر الجماع فهل تتكرر الكفارة؟
طالب: إذا كرر الجماع، إن كَفَّر قبل أن يجامع جماعُا ثانيًا فعلى قول المؤلف أنه تلزمه كفارتان.
الشيخ: هكذا نقول؟
الطالب: شيخ، إذا لم يُكَفِّر فإنها لا تلزمه الكفارة.
الشيخ: إذا كَفَّر عن الأول لزمه كفارة عن الثاني، وإن لم يُكَفِّر؟
الطالب: يكفِّر كفارة واحدة.
الشيخ: خطأ.
طالب: على ما مشى عليه المؤلف يلزمه.
الشيخ: قبل ما نشوف المؤلف وغير المؤلف، نحتاج إلى تفصيل قبله.
طالب: تلزمه كفارة واحدة على القول الصحيح
، وإذا كان كَفَّر..
الشيخ: نعم.
طالب: هل كان الجماع في يوم واحد أو في يومين؟
الشيخ: نحن نقول: إذا كَفَّر عن الأول؟
الطالب: لزمته كفارة ثانية.
الشيخ: لزمه؟
الطالب: كفارة ثانية عن الجماع الثاني.
الشيخ: سواء في يوم أو في يومين.
الطالب: على قول المصنف سواء في يوم أو في يومين.
الشيخ: كفَّر عن الأول يا أخي.
الطالب: تلزمه كفارة ثانية عن الثاني.
الشيخ: نعم.
الطالب: سواء في يوم أو في يومين.
الشيخ: في يوم أو في يومين، إذا لم يُكَفِّر عن الأول؟
طالب: إن كان في يوم تلزمه كفارة واحدة.
الشيخ: نعم.
الطالب: إن كان في أيام متفرقة فيلزمه لكل يوم كفارة؛ لأنها عبادة مستقلة على..
الشيخ: بعد ما وصلنا للتعليل، بس أعطنا الحكم.
الطالب: تلزمه كفارة واحدة.
الشيخ: إذن إذا كان في يوم واحد فكفارة واحدة، وإن كان في أيام متعددة فعليه لكل يوم؟
طلبة: كفارة.
الشيخ: كفارة، فيه رأي فيما إذا كرره في يومٍ وكفَّر عن الأول؟
طالب: لا يجب عليه كفارة ثانية.
الشيخ: نعم.
الطالب: لأنه جامع في يوم فاسد.
الشيخ: نعم؛ لأن جِماعه الثاني كان في يوم..
الطالب: فسد.
الشيخ: فاسد الصيام، هل يُفَرَّق بين أن يكون الجماع من امرأة واحدة أو من ثنتين؟
طالب: بالنسبة له؟
الشيخ: إي نعم، بالنسبة للزوج.
الطالب، لا، لا يُفَرَّق.
الشيخ: لا يُفَرَّق، يعني فلو جامع.
الطالب: لو جامع الأولى في أول النهار.
الشيخ: والثانية في آخره.
الطالب: والثانية في غد أو في آخره.
الشيخ: لا ما هو غدًا، خلينا في آخره.
الطالب: في آخره.
الشيخ: ولم يكفِّر.
الطالب: يلزمه كفارة ثانية على قول، والقول الثاني لا تلزمه.
الشيخ: ولم يكفِّر، جامع إحداهما في أول النهار، والثانية في آخره ولم يكفِّر.
الطالب: كفارة واحدة.
الشيخ: كفارة واحدة.
الطالب: نعم.
الشيخ: مع أن الموطوءة؟
الطالب: اثنتين.
الشيخ: طيب.
ثم نأخذ الدرس الجديد، قال: (وَهِيَ) أي: كفَّارة الوطء في نهار رمضان (عِتْقُ رَقَبَةٍ)، أي: فَكُّها من الرِّق، هذا عتق الرقبة.
ووجه المناسبة هو أنَّ هذا الرجل لَمَّا جامع في نهار رمضان مع وجوب الصوم عليه استحق أن يُعاقَب، ففدى نفسه بعِتق الرقبة.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) يعني: إن لم يجد رقبة، أو لم يجد ثمنها، (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)، (فَصِيَامُ) الفاء: رابطة للجواب، و(صِيَامُ): مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: فَعَلَيهِ صيام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، بدلًا عن عِتق الرقبة.
(فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصوم (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)، أي: فعليه إطعام ستين مسكينًا، والمسكين هنا يشمل الفقير والمسكين؛ لأن الفقير والمسكين إذا ذُكِرَا جميعًا كان الفقير أشد حاجة، وإذا أُفْرِد أحدهما عن الآخر صارَا بمعنى واحد، إذا اجتمعَا افترقَا وإذا افترقَا..
طلبة: اجتمعَا.
الشيخ: اجتمعَا.
(فَإِطْعَامُ سِتِيِّنَ مِسْكِينًا)، ودليل ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للرجل الذي قال إنه أتى أهله في رمضان: «أَعْتِقْ رَقَبَةً»، فقال: لا أجد، قال: «صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قال: لا أستطيع، قال: «أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» ، قال: لا أجد، فجعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مُرَتَّبة.
وهذه أغلظ الكفَّارات، ويساويها كفَّارة الظِّهَار التي وصف الله الظِّهَار بأنَّه مُنْكَر من القول وزور، ويليها كفَّارة القتل؛ لأن القتل ليس فيه إلَّا خصلتان، العِتق والصيام، وليس فيه إطعام.
وقوله: (صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) هل المعتَبر الأَهِلَّة؟ أو المعتبر الأَهِلَّة في شهر كامل، والأيام في الشهر المجَزَّأ؟
في هذا قولان للعلماء، والصحيح أن المعتَبَر الأَهِلَّة،
سواء في الشهر الكامل، أو في الشهر المجَزَّأ، أيش الفرق؟
نعم، إذا ابتدأ الإنسان هذين الشهرين من أول يوم، من أول ليلة ثبت الشهر، ولنقل: إنه شهر جُمادى الأولى -كما أنَّا فيه الآن- ابتدأه من أول يوم من شهر جُمادَى الأولى، فيختمه في آخر يوم من شهر جُمادَى الثانية.
ولنفرض أن جُمادَى الأولى تسعة وعشرون يومًا، وكذلك جمادى الثانية، فيكون صومه؟ ثمانية وخمسين يومًا، هذا لا شك أنَّه يُعْتَبَر بالهلال.
لكن إذا ابتدأ الشهر من نصف شهر جُمادَى الأولى، فجُمادَى الثانية معتبرة بالهلال، أليس كذلك؟ لأنه سوف يُدْرِك أوَّل الشهر وآخر الشهر، فيعتبَر بالهلال.
بقِينا آخر شهر جُمادَى الأولى وأول شهر رجب، هل يعتبَر بتسعة وعشرين يومًا، أو بستين يومًا؟
الصحيح أنه يعتبَر بتسعة وعشرين يومًا إذا كان شهر جُمادَى الأولى تسعة وعشرين، وقيل: بل يُجبَر ويُجعَل ستين يومًا.
إذا ابتدأ الصوم في النصف من شهر جُمادَى الأولى متى ينتهي؟ في الرابع عشر من شهر رجب، آخره الرابع عشر من شهر رجب، وإذا قدَّرنا أن شهر جُمادَى الأولى ناقص، وشهر جُمادَى الثانية ناقص صار صومه؟
طالب: ثمانية وخمسين.
الشيخ: ثمانية وخمسين يومًا، وإذا قلنا بأنه كَمَّل النصف بالعدد صار لا ينتهي إلَّا في الخامس عشر من رجب، فيكون الشهر الْمُجَزَّأ كم؟
طلبة: ثلاثين.
الشيخ: ثلاثين يومًا.
وقول المؤلف: (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)، هنا قُدِّر الطاعِم دون الْمُطعَم، فهل الْمُطعَم مقدَّر؟
المشهور من المذهب أنَّه مُقدَّر، وهو مُدٌّ من البُرّ، أو نصف صاع من غيره لكل مسكين، مُدٌّ من البُرّ أو نصف صاع من غيره لكل مسكين، والْمُدّ ربع الصاع -أعني صاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعلى هذا فتكون الأصواع لستين مسكينًا كم؟
طلبة: خمسة عشر.
الشيخ: خمسة عشر صاعًا بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم ينقص عن الصاع المعروف الآن هنا في القصيم الخُمُس وخُمس الخُمُس، ولندع خُمس الخُمُس، ينقص الخُمُس، وعلى هذا فيكون الصاع في القصيم خمسة أمداد، ويكون إطعام ستين مسكينًا كم بالأصواع القَصِيمِيَّة؟ اثني عشر صاعًا.
وقيل: بل يُطعِم نصف الصاع من البُرّ أو من غيره، واحتج هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لكعب بنِ عُجرة رضي الله عنه حين حلق رأسه في العمرة، قال: «أَطْعِم سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» ، وأَطْلَق، ولم يقل: من التمر أو من البُرّ، وهذا يقتضي أن يكون المقدَّر نصف الصاع، وإذا كان كذلك فزِد على ما قلنا النصف، فيكون بالنسبة لصاع الرسول صلى الله عليه وسلم إطعام ستين مسكينًا كم؟ ثلاثين صاعًا، وبالنسبة لصاعنا أربعة وعشرين صاعًا.
والأمر في هذا قريب، فلو أن الإنسان احتاط وأطعم لكل مسكين نصف صاع لكان حسنًا.
المؤلف يقول: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ) الكفارة، ودليل ذلك من الكتاب والسُّنَّة؛ أما من الكتاب فقوله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق: ٧]، وهذا الرجل الفقير ليس عنده شيء، فلا يُكَلَّف إلا ما آتاه الله، والله عز وجل بحكمته لم يؤتِه شيئًا، ودليل آخر قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: ١٦]، ودليل ثالث: العموم؛ عموم القاعدة الإسلامية الشرعية وهي أنه: لا واجب مع عجز، فالواجبات تسقط بالعجز عنها، وهذا الرجل الذي جامَع لا يستطيع الرقبة ولا الصيام ولا الإطعام، نقول: إذن لا شيء عليه وبرئت ذمته، فإن أغناه الله في المستقبل فهل يلزمه أن يُكَفِّر أو لا؟
طلبة: لا يلزمه.
الشيخ: لا يلزمه؛ لأننا نقول: سقطت، وكما أن الفقير لو أغناه الله لم يلزمه أن يؤدي زكاة عما مضى من سنواته؛ لأنه فقير، فكذلك هذا الذي لم يَجِد الكفارة إذا أغناه الله تعالى لم يجب عليه قضاؤها.
نحن قلنا: من الكتاب والسُّنَّة؛ من السُّنَّة أن الرجل لَمَّا قال: لا أستطيع أن أُطْعِم ستين مسكينًا، لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: أَطْعِمْهم متى استطعت، بل أمره أن يُطعم حين وَجَد، فقال: «خُذْ هَذَا تَصَدَّقْ بِهِ»، فقال: أَعَلَى أفَقَرَ مني يا رسول الله؟ قال: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» ، ولم يقل: والكفارة واجبة في ذمتك، فدلَّ هذا على أنها تسقط بالعجز.
وقال بعض العلماء: إنها لا تسقط بالعجز، واستدل بالحديث، قال: لأن الرجل قال: لا أجد، فلمَّا جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم التمرُ قال: «خُذْ هَذَا تَصَدَّقْ بِهِ»، ولو كانت ساقطة بالعجز لم يقل: «خُذْ هَذَا تَصَدَّقْ بِهِ».
فيقال في الجواب: إن هذا وجده في الحال، يعني وجده في حال في المجلس الذي أفتاه النبي صلى الله عليه وسلم به، فكان كالواجد قبل ذلك؛ ولهذا لَمَّا قال: أطعمه أهلك لم يقل: وعليك كفارة إذا اغتنيت.
فالقول الراجح أنها تسقط، وهكذا أيضًا نقول في جميع الكفارات إذا لم يكن قادرًا عليها حين وجوبها فإنها تسقط؛ إما بالقياس على كفارة الوطء في رمضان، وإما لدخولها في عموم قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: ١٦] ولَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق: ٧] وما أشبهها، وعلى هذا فكفارة الوطء في الحيض إذا قلنا: إن الوطء في الحيض يوجب الكفارة، ثم عجز، تسقط أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: تسقط، فدية الأذى إذا لم يجد ولم يستطع الصوم تسقط، وهكذا جميع الكفارات، بناءً على ما استدللنا به لهذه المسألة، وبناءً على القاعدة العامة الأصولية التي اتفق عليها الفقهاء في الجملة، وهي أنه لا واجب؟
طلبة: مع عجز.
الشيخ: مع عجز.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (بَابُ مَا يُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ، وَحُكْمِ القَضَاءِ).
طلبة: إيمان الرقبة.
الشيخ: كيف؟
طالب: اشتراط الإيمان.
الشيخ: إي نعم، جاء الحديث مطلقًا: «أَعْتِقْ رَقَبَةً»، ولكن كلما جاءت الرقبة مطلَقة فلا بد من شرط الإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا جاءه معاوية بن الحكم يستفتيه في جارة له لَطَمَها، غضِب عليها ولطمها، فأراد أن يُعْتِقَها، فدعاها الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال لها: «أَيْنَ اللهُ؟»، قالت: في السماء، قال: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ، فهذا يدل على أن عِتق غير المؤمن ليس بمشروع، فكلَّما جاءت الرقبة مطلَقة فإنها مقيَّدة بالإيمان.
طالب: ما فيه وجه على التخيير؟
الشيخ: ها؟
الطالب: الكفارة على التخيير أو الترتيب؟
الشيخ: على الترتيب.
الطالب: فيه ذكر في شرح حديث في الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلًا أفطر يومًا من رمضان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يُكَفِّر بعِتق رقبة، أو بصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكينًا.
الشيخ: مو بهذا اللفظ، هذا معنى الحديث، سؤال فقه ولَّا؟
طالب: هل يشترط يا شيخ في الرقبة سلامتها من العيوب؟
الشيخ: إي نعم، اشتراط سلامتها من العيوب فيه خلاف، فمنهم من قال: إنه شرط، ومنهم من قال: لا نشترط سوى ما اشترط الله، وهو الإِيمان.
الطالب: الأدلة؟
الشيخ: الأدلة يقول: إنه إذا كان معيبًا عيبًا يُخِلّ بالعمل خللًا بَيِّنًا فإن إعتاقه يكون به عالة على غيره، وعدم إعتاقه أحسن له، يبقى عند سيده يُنْفِق عليه، لكن إذا كان مثلًا مكسَّر رجليه ما يستطيع يعمل، ويش الفائدة من إعتاقه، هذا لا يزداد إلَّا حَسْرة.
الطالب: الصحيح.
الشيخ: يحتاج إلى تحرير، لكن يظهر لي أنه لا يشترط.
يقول: ما وجه خطأ من يقول: محمد حبيب الله، وقد قلنا: إن الخُلَّة أعلى درجات المحبة، والقائل لهذا نطق بالعموم الذي تدخل تحته الخُلَّة، أيهن أعلى؟
طالب: الخُلَّة.
الشيخ: إذا وصفته بالأدنى هضمتَه حقه ولَّا لا؟
الطالب: أنا ما وصفته بالأدنى.
الشيخ: لا؛ لأن الخُلَّة ما تدخل في المحبة.
الطالب: الخُلَّة ما تدخل؟
الشيخ: لا، ما تدخل.
الطالب: ما قلنا: إن ابن القيم عدها من عشرة أقسام؛ أقسام المحبة.
الشيخ: إي.
الطالب: (...).
الشيخ: درجات، أعلاها الخُلَّة، فالحبيب ليس بخليل، ولهذا قال الرسول: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ» ، واتخذ من أمته أَحِبَّة.
الطالب: بس كل خليل حبيب.
الشيخ: وليس كل حبيب.
الطالب: خليلًا.
الشيخ: إذن؟
الطالب: إذن لا (...).
الشيخ: نعم، إذا وصفتَ بالأعم دون الأخص الذي هو أعلى فهذا هضم لحقه.
الطالب: وعن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: أوصاني خليلي.
الشيخ: نعم، أبو هريرة اتخذ الرسول خليلًا، لكن الرسول ما اتخذه خليلًا، هذا الفرق، يعني أنا لي أن أقول: اتخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم خليلًا، لكن الرسول ما يقول، فالخُلَّة هنا بالنسبة لأبي هريرة من أبي هريرة للرسول، لا من الرسول لأبي هريرة.

***

باب ما يكره ويستحب في الصوم وحكم القضاء
01:02:14

طالب:
كتاب الصيام: بَابُ مَا يُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ، وَحُكْمِ القَضَاءِ: يُكْرَهُ جَمْعُ رِيقِهِ فَيَبْتَلِعَهُ، وَيَحْرُمُ بَلْعُ النُّخَامَةِ، وَيُفْطِرُ بِهَا فَقَطْ إِنْ وَصَلَتْ إِلَى فَمِهِ، وَيُكْرَهُ ذَوْقُ طَعَامٍ بِلَا حَاجَةٍ، وَمَضْغُ عِلْكٍ قَوِيٍّ، وإنْ وَجَدَ طَعْمَهُما فِي حَلقِهِ أَفْطَرَ، ويَحْرُمُ العِلْكُ المُتَحَلِّلُ إِنْ بَلَعَ رِيقَهُ، وَتُكْرَهُ القُبْلَةُ لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، وَيَجِبُ اجْتِنَابُ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ ونَمِيمَةٍ، وسُنَّ لِمَنْ شُتِمَ قَوْلُهُ: إِنِّي صَائِمٌ، وَتَأخِيرُ سَحُورٍ، وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ عَلَى رُطَبٍ، فَإِنْ عُدِمَ فَتَمْرٌ، فَإِنْ عُدِمَ فَمَاءٌ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبق لنا أن الكفارة تجب في الوطء في نهار رمضان لمن يلزمه الصوم، وأنها عِتق رقبة، فإن لم يجد؟
طلبة: فصيام شهرين.
الشيخ: فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع؟
طلبة: إطعام.
الشيخ: فإطعام ستين مسكينًا، فإن لم يجد سقطت، وقلنا: إن هذا سارٍ في كل واجب يعجز عنه، وبيَّنَّا دليلَ ذلك.
ثم قال المؤلف: (بَابُ مَا يُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ، وَحُكْمِ القَضَاءِ)، هذه ثلاثة عناوين جمعها المؤلف في باب واحد، فقوله: (مَا يُكْرَهُ) أي: في الصيام، (وَيُسْتَحَبُّ) أي: في الصيام، (وَحُكْمِ القَضَاءِ) أي: قضاء رمضان.
والمكروه عند الفقهاء هو الذي نهى عنه الشرع لا على وجه الإلزام بالتَّرْك، هذا المكروه عندهم، نهى عنه الشرع لا على وجه الإلزام بالترك؛ لأنه إن نهى عنه على وجه الإلزام بالترك صار حرامًا، وأمثلته كثيرة؛ في الصلاة مكروهات، في الوضوء مكروهات، في الصيام مكروهات، في الحج مكروهات، في البيع مكروهات، يعني الأمثلة كثيرة.
أما حُكْمُهُ فإنه يُثاب تاركه امتثالًا، ولا يُعاقَب فاعلُه، وبهذا ظهر الفرق بينه وبين الحرام؛ أن الحرام إذا فعله الإنسان استحق العقوبة، أما هذا فلا، أما في لسان الشرع فإن المكروه يُطلَق على المحرَّم، بل قد يكون من أعظم المحرَّمات، قال الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء حين نهى عن أشياء متعددة منهيات عظيمة قال: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء: ٢٨]، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» .
أما المستحب، وهو قوله: (يُسْتَحَبُّ)، فالمستحب هو المسنون، وهو ما أُمِرَ به لا على وجه الإلزام بالفعل، فإن أُمِرَ به على وجه الإلزام بالفعل كان واجبًا.
وحُكْمُهُ أنه يُثَابُ فاعله امتثالًا ولا يُعاقَب تاركُه، يثاب فاعله امتثالًا ولا يُعاقَب تاركه، ولكنَّ ثواب المندوب أو المستحَب أو المسنون أقل من ثواب الواجب، بالدليل الأثري والنظري؛ أما الدليل الأثري فقوله تعالى في الحديث القدسي: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» ، فصلاة ركعتين فريضةً أَحَبُّ إلى الله من صلاة ركعتين نافلة.
وأما النظر فإن إيجاب الله للواجب يدل على أنه أَوْكَد، وأنَّ المكلَّف محتاج إليه أكثر من احتياجه إلى النوافل.
وعلى هذا فنقول: إن المندوب يُثَابُ فاعله امتثالًا، ولكن ثوابه أقل من ثواب الواجب.
وهل يُفَرَّق بين المستحب والمسنون؟
فرَّق بعض العلماء بينهما بأن المستحب ما ثبت بقياس، والمسنون ما ثبت بسُنَّة، أي بدليل.
ولكن الصحيح أنه لا فَرْق،
والمسألة اصطلاحية، ممن قال: لا فَرْق بينهما، الحنابلة في أصول الفقه، قالوا: لا فَرْق بينهما، فلا فَرْق بين أن تقول: يستحب أن يتوضأ ثلاثًا بثلاث، أو تقول: يُسَنّ أن يتوضأ ثلاثًا بثلاث، وهذا مجرد اصطلاح.
يعني لو أن أحدًا قال في مؤلَّف له: أنا إنْ عَبَّرْتُ بـ(يُسَنّ) فإنما أُعَبِّر عن ثابت بسُنَّة، وإن عَبَّرْتُ بـ(يُستحب) فإنما عَبَّرْتُ عن ثابت بقياس، ثم مشى على هذا الاصطلاح، لم نقل له شيئًا.
وأما حكم القضاء فسيأتي إن شاء الله حكمه، وأنه يجب القضاء، ولكن ليس على الفور، وإنما يكون على التراخي، فلك أن تؤخِّر قضاء رمضان ولو بلا عذر إلى أن يبقى بينك وبين رمضان الثاني مقدار ما عليك، فحينئذ يجب عليك أن تقضي.
قال المؤلف رحمه الله: (يُكْرَهُ جَمْعُ رِيقِهِ فَيَبْتَلِعَهُ)، (يَبْتَلِعَ) بالنصب، ولك أن تقول: لماذا ننصِبُها وهي فعل مضارع، والأصل في الفعل المضارع أن يكون مرفوعًا، فنقول: لأنه عُطِف على اسم خالص صريح، وابن مالك يقول:
وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ تَنْصِبُهُ (أَنْ) ثابتًا أو مُنحَذِفْ

وهنا (يَبْتَلِع) معطوفة على (جَمْع)، و(جَمْع) اسم خالص، يعني مصدر، ومنه قول الشاعر الجاهلي:
وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي أَحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ

و(تقرَّ) بالنصب معطوفة على (لُبس).
هنا (يَبْتَلِع) بالنصب معطوفة على (جَمْع)، يعني: يُكره جمع ريقه، يُكره أن يجمع ريقه فيبتلعه، سواءٌ فعل ذلك عبثًا، أو فعل ذلك لدفع العطش، أو لأي سبب، المهم أنه يُكْرَه أن يجمعه فيبتلعه، لماذا؟ قال في الشرح: للخروج من الخلاف، أي: خلاف من قال: إنه إذا فعل ذلك أفطر، فإن من العلماء من يقول: إن الصائم إذا جمع ريقه فابتلعه أفطر.
ولكن هل التعليل بالخلاف تعليل صحيح تثبت به الأحكام الشرعية؟
الجواب: لا، ولهذا كلما رأيت حكمًا عُلِّل بالخروج من الخلاف فإنه لا يكون تعليلًا صحيحًا، بل نقول: الخلاف إن كان له حظ من النظر بأن كانت النصوص تحتمله فإنه يُراعَى جانب الخلاف هنا، لا من أجل أن فلانًا خالف، ولكن من أجل أن النصوص تحتمله، فيكون تجنبه من باب الاحتياط، وأما أن نقول في أمر فيه خلاف: يُكْرَه خروجًا من الخلاف، لو قلنا بذلك لكانت المكروهات عندنا كثيرة جدًّا؛ لأنك لا تكاد تجد مسألة إلَّا وفيها خلاف، فلو قلنا: إنه يصح التعليل بالخلاف أو بمراعاة الخلاف لكان في هذا مشكلة، مع أنه لا دليل على هذا، بل نقول: الخلاف إن كان له أيش؟
طالب: حظ من النظر.
الشيخ: حظ من النظر، بأن كانت النصوص تحتمله، فإننا نراعيه لا لأجل أنه خالف فلان وفلان، لكن لأجل احتمال الأدلة، وهنا ليس هناك دليل يدل على أن جمع الريق يُفَطِّر، إذا جمعه إنسان وابتلعه، وإذا لم يكن هناك دليل فإنه لا يصِح التعليل.
وعلى هذا فنقول: لو جمع ريقه فابتلعه فليس بمكروه، ولا يقال: إن الصوم نَقَص بذلك؛ لأننا إذا قلنا: إنه مكروه، لزم من ذلك أن يكون الصوم ناقصًا؛ لفعل المكروه فيه.
وعُلِم من كلام المؤلف أنه لو بلع ريقه بلا جمع فإنه لا كراهة في ذلك، وهو ظاهر، وعليه فلا يجب التَّفْل ولو بعد شرب الماء عند أذان الفجر، فإنه لم يُعْهَد من الصحابة - فيما نعلم- أن الإنسان إذا شرب عند طلوع الفجر جعل يَتْفُل حتى يذهب طعم الماء، بل هذا مما يُسامَح فيه، نعم لو بقي طعم طعامٍ كحلاوة تمر، أو ما أشبه ذلك فهذا لا بد أن يتفله ولا يبتلعه.
(يُكْرَهُ جَمْعُ رِيقِهِ فَيَبْتَلِعَهُ وَيَحْرُمُ بَلْعُ النُّخَامَةِ) بلع النُخامة حرام على الصائم وغير الصائم؛ وذلك لأنها مستقذَرة، وربما تحمل أمراضًا خرجت من البدن، فإذا رددتها إلى المعدة قد يكون في ذلك ضرر عليك، فهي حرام على الصائم وعلى غيره، لكنها تتأكد على الصائم؛ لأنها تُفْسِد صومه، ولهذا قال: (وَيُفْطِرُ بِهَا فَقَطْ إِنْ وَصَلَتْ إِلَى فَمِهِ).
بلع النخامة حرام، قلنا: على الصائم وغيره؛ لما فيها من القَذَر، وربما يحصل فيها ضرر على البدن من حيث لا يشعر المرء.
وقوله: (وَيُفْطِرُ بِهَا فَقَطْ إِنْ وَصَلَتْ إِلَى فَمِهِ)، (فَقَطْ) التفقيط هنا لإخراج الريق، فالريق ولو كثُر لا يُفْطِر به الإنسان.
(إِنْ وَصَلَتْ إِلَى فَمِهِ)، وهو ما يذوق به الطعام، فإن لم تَصِل بأن أحس بها نزلت من دماغه، وذهبت إلى جوفه فإنها لا تُفَطِّر؛ وذلك لأنها لم تصل إلى ظاهر البدن، والفم في حكم الظاهر، فإذا وصلت إليه ثم ابتلعها بعد ذلك أفطر، وأما إذا لم تصل إليه فإنها ما زالت في حكم الباطن فلا تُفَطِّر.
وفي المسألة قول آخر في المذهب؛ أنها لا تُفَطِّر أيضًا ولو وصلت إلى الفم، وهذا القول أرجح؛ لأنها لم تخرج من الفم، ولا يُعَدُّ بلعها أكلًا ولا شربًا، فلو ابتلعها بعد أن وصلت إلى فمه فإنه لا يُفْطِر بها، ولكن - كما قلنا أولًا- إن ابتلاعها محرَّم؛ لما فيها من استقذار وخوف الضرر.
إذا ظهر دم من لسانه، أو من أسنانه، من لِثَتِه فهل يجوز بلعه؟
طلبة: لا، ما يجوز.
الشيخ: لا يجوز، لا للصائم ولا لغيره؛ لعموم قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ [المائدة: ٣]، وإذا وقع من الصائم فإنه يُفْطِر، ولهذا يجب على الإنسان أن يلاحظ الدم الذي يخرج من ضرسه إذا قلعه في أثناء الصوم، أو قلعه في الليل، واستمر يخرج منه الدم ألَّا يبتلع هذا الدم؛ لأنه يُفَطِّرُه، وأيضًا هو حرام، حتى لو فرضنا أنك لست بصائم فإن بَلْع الدم حرام؛ لقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ، وبعض الناس يتدمَّى سِنُّه ولكن حوله أُناس فيخجل منهم فتجده يقول: في البِير ولا في راس البعير، يبتلعه، وهذا خطأ ما هو صحيح.
يقول: (وَيُفْطِرُ بِهَا فَقَطْ إِنْ وَصَلَتْ إِلَى فَمِهِ) وَيُكْرَهُ أيضًا، هذا المكروه الثاني (يُكْرَهُ ذَوْقُ طَعَامٍ بِلَا حَاجِةٍ)، يُكْرَه أن يذوق طعامًا كالتمر والخبز والمَرَق وغيرها، إلَّا إذا كان لحاجة فلا بأس.
ووجه هذا أنه ربما ينزل شيء من هذا الطعام إلى الجوف من غير أن يشعر به، فيكون في ذوقه الطعام تعرُّض لفساد الصوم، وأيضًا ربما يكون مشتهيًا للطعام كثيرًا، ثم يتذوقه لأجل أن يتلذَّذ به، وربما يمتصه بقوة، ثم ينزل إلى جوفه، لهذا يُكْرَه أن يذوق طعامًا إلَّا لحاجة، الحاجة مثل أن يكون طباخًا يحتاج أن يذوق الطعام لينظر ملحه، أو حرارته، أو ما أشبه ذلك.
قال: (وَيُكْرَهُ مَضْغُ عِلْكٍ قَوِيٍّ) يعني: يُكْرَه للصائم أن يمضَغ، أن يعلك، عِلْكًا قويًا، والقوي هو الشديد الذي لا يتفتت، فيُكْرَه للصائم أن يمضَغه؛ لأنه ربما يتسرَّب إلى بطنه شيء من طعمه إن كان له طعم، فإن لم يكن له طعم فلا وجه للكراهة، ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يمضَغه أمام الناس؛ لأنه إذا مضغه أمام الناس فما الذي يدريهم أنه علك قوي أو غير قوي، وما الذي يدريهم أنه علك ليس فيه طعم أو فيه طعم، فلذلك لا ينبغي.
عندي تعليل في الشرح يقول: لأنه يجلب البلغم، ويجمع الريق، ويُورِث العطش، ثلاث أشياء فيه.
قوله: (وَيُكْرَهُ مَضْغُ عِلْكٍ قَوِيٍّ وإنْ وَجَدَ طَعْمَهُما فِي حَلقِهِ أَفْطَرَ)، (إنْ وَجَدَ طَعْمَهُما) أي: الطعام الذي ذاقه ولو لحاجة، (إنْ وَجَدَ طَعْمَهُما فِي حَلقِهِ أَفْطَرَ)، وإن وجد طعم العلك القوي في حلْقه أفطر.
وعُلِمَ من قول المؤلف: (فِي حَلْقِهِ) أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الحلْق لا إلى المعدة، وخالف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: ليس هناك دليل يدل على أن مناط الحكم وصول الطعم إلى الحلْق، وهو واضح؛ لأنه أحيانًا يصل الطعم إلى الحلْق، ولكن ما يبتلع، ما ينزل، يكون منتهاه الحلْق، فمثل هذا لا يمكن أن نتجاسر ونقول: إن الإنسان يُفْطِر بذلك، ثم إنه أحيانًا عندما يتجشأ الإنسان يجد الطعم في حلقه، لكن لا يصل إلى فمه، ومع ذلك يبتلع هذا الذي تجشأ به، يعني ربما يتجشأ ويخرج بعض الشيء لكن لا يصل إلى الفم، بل ينزل وهو يُحِسّ بالطعم.
(وإنْ وَجَدَ طَعْمَهُما فِي حَلقِهِ أَفْطَرَ، ويَحْرُمُ العِلْكُ المُتَحَلِّلُ)، قال: (إِنْ بَلَعَ رِيقَهُ)، (العِلْكُ المُتَحَلِّلُ): هو الذي ليس بصَلْب، إذا عَلَكْتَه تحلَّل وصار مثل التراب، هذا حرام، على مَنْ؟
طلبة: على الصائم.
الشيخ: على الصائم؛ لأنه إذا عَلَكَه لا بد أن ينزل منه شيء؛ لأنه مُتَحَلِّل يمشي مع الريق، وما كان وسيلة لفساد الصوم فإنه يكون حرامًا إذا كان الصوم واجبًا، ويُفْسِد الصوم إذا بلع منه شيئًا.
قال المؤلف: (إِنْ بَلَعَ رِيقَهُ)، يعني: فإن لم يبلع ريقه فإنه لا يحرُم، يعني لو كان الإنسان يعلك العلك فلمَّا تحلل لَفَظَه، فإنه ليس بحرام، أو كان يجمعه، يعلكه ويجمعه ولا ينزل ثم لفظه، فإنه على كلام المؤلف -الماتِن- لا يحرُم؛ لأن المحظور من مضْغ العلك المتحلِّل أن ينزل إلى الجوف، وهذا لا ينزل.
فإن قال قائل: هل يُقَاس ما يكون في الفرشة من تدليك الأسنان بالمعجون على العلك المتحلِّل؟ أو على العلك الصلب القوي؟
طلبة: الأول.
الشيخ: هو للمتحلِّل أقرب، ولهذا نقول: لا ينبغي للصائم أن يستعمل المعجون في حال الصوم؛ لأنه ينفُذ إلى الحلق بغير اختيار الإنسان؛ لأن نفوذه قوي، واندراجه تحت الريق قوي أيضًا، فنقول: إذا كنت تريد تنظيف أسنانك فانتظر إلى أن تغرب الشمس ونظِّفْها، لكن مع هذا لا يفسُد الصوم باستعمال المعجون.
قال: (وَتُكْرَهُ القُبْلَةُ لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ)، القبلة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ألَّا يصحبها شهوة إطلاقًا، مثل تقبيل الإنسان أولاده الصغار، أو تقبيل القادم من سفر، أو ما أشبه ذلك، فهذه لا تؤثر، ولا حكم لها.
القسم الثاني: أن تُحَرِّك الشهوة، ولكنه يَأْمَن من إفساد الصوم بالإنزال، أو بالإمذاء أيضًا إذا قلنا بأن الإمذاء يُفَطِّر الصوم، هذا يقول المؤلف: إن القبلة تُكْرَه في حقه.
القسم الثالث: أن يخشى من فساد الصوم؛ إما بإنزال وإما بإمذاء، إن قلنا بأنه يُفْطِر بالإمذاء، وسبق أن الصحيح أنه لا يُفْطِر، فهذه تحرُم إذا ظن الإنزال، بأن يكون شابًّا قوي الشهوة، شديد المحبة لأهله، فهذا لا شك أنه على خطر إذا قبَّل زوجته في هذه الحال، فمثل هذا نقول: يحرُم عليه أن يُقَبِّل؛ لأنه يُعَرِّض صومه لماذا؟
طلبة: للفساد.
الشيخ: للفساد.
أما القسم الأول -وهي التي لا تحرِّك الشهوة- فلا شك أنها جائزة، ولا إشكال فيها؛ لأن الأصل الحِلّ حتى يقوم دليل على الكراهة أو التحريم.
وأما الثاني -وهو الذي إذا قَبَّل تحرَّكت شهوته لكن يأمن على نفسه- فالصحيح أن القبلة لا تُكْرَه، وأنه لا بأس بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله سلم كان يُقَبِّل وهو صائم ، وسأله رجل عن قُبْلَة الصائم وكان عنده أم سَلَمَة، فقال له: سل هذه، اسألها، فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُقَبِّل وهو صائم. وهذا يدل على أنها جائزة، سواء حرَّكت الشهوة أم لم تُحَرِّك.
ويُروَى عن عمر -أظن- أنه قال: ما أبالي قَبَّلْتُ امرأتي أم شَمَمْتُ ريحانًا ، شم الريحان لا يُفَطِّر، لكنه ينعش النفس ويَسُرّ النفس، تقبيل الزوجة كذلك يسر وينعش الإنسان، لكن ليس جماعًا ولا إنزالًا، فبأي شيء تكون الكراهة.
وأما ما ذُكِر من أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن القبلة فأَذِن له، وسأله آخر فلم يأْذَن له، فإذا الذي أَذِنَ له شيخ، والذي لم يأْذَن له شاب، فحديث ضعيف لا تقوم به الحجة.
إذن القبلة تنقسم إلى كم؟
طلبة: إلى ثلاثة أقسام.
الشيخ: ثلاثة أقسام: قسم جائز، وقسم مكروه، وقسم محرَّم، والصحيح أنها قسمان فقط: قسم جائز، وقسم محرَّم.
والجائز له صورتان:
الأولى: ألَّا تحرِّك القُبلة شهوته إطلاقًا.
والثانية: أن تحرِّك شهوته ولكن يأمن على نفسه
.
(وَتُكْرَهُ القُبْلَةُ لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ)، غير القُبلة من دواعي الوطء كالضم ونحوه، نقول: حكمها حكم القُبلة، ولا فرق.
قال: (وَيَجِبُ اجْتِنَابُ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ وشَتْمٍ)، يجب على مَن؟
طلبة: الصائم وغيره.
الشيخ: على الصائم، لكن حتى غيره يجب عليه أن يتجنب هذه الأشياء، ولكنهم ذكروا هذا من باب التوكيد؛ لأنه يتأكد على الصائم مِن فِعْل الواجبات وتَرْك المحرَّمات ما لا يتأكد على غيره، ودليل ذلك قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: ١٨٣]، هذه هي الحكمة من فرض الصيام؛ أن يكون وسيلة لتقوى الله عز وجل بفعل الواجبات وتَرْك المحرَّمات.
ودليله من السُّنَّة قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» ، يعني: لم يُرِد الله منا بالصوم أن نترك الطعام أو الشراب؛ لأنه لو كان هذا مراد الله لكان يقتضي أن الله يريد أن يُعَذِّبنا.