هدي السلف في قضاء أوقات رمضان
مدة الملف
حجم الملف :
11411 KB
عدد الزيارات 9575

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد جرت عادة السلف أو كثير منهم إذا دخل رمضان أن يتفرغوا لقراءة القرآن؛ وذلك لأن الشهر يمضي، وهو شهر القرآن، فينبغي أن يتفرغ الناس فيه لقراءة القرآن، ولكن نظراً لطلب الإخوة في مركز الدعوة في عنيزة أن يحصل هذا اللقاء العارض، ونظراً لما أرجو الله -سبحانه وتعالى- فيه من المصلحة، وافقت على عقد هذا اللقاء في هذه الليلة ليلة الأحد الحادي عشر من شهر رمضان المبارك عام (1420هـ). هذه الليلة ليلة الأحد أول أيام الأسبوع، وهي أول العشر الأواسط من رمضان، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يصلح لنا ولكم الأولى والآخرة.
معنى تقارب الزمان ودلالاته:
في هذه الليلة أود أن أذكر نفسي وإياكم باغتنام الوقت قبل فواته، فإن الأيام تمضي بسرعة ولا سيما في وقتنا هذا، فإن الإنسان بينما هو في يوم الجمعة وإذا بالجمعة التالية كأن لم يكن بينهما إلا يوم واحد، وهذا معنى قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان» فإن قوله: حتى يتقارب الزمان، قال بعض العلماء: إن المعنى هو أن المدن تكبر فتكون المسافة التي بين المدينتين عشرة أيام فإذا كبرتا وصارتا أقل من ذلك، فيتقارب الزمان، ولكن الذي يظهر: أنه يفسر بما نحن عليه اليوم، الزمان متقارب جداً، وجرب نفسك، شهر رمضان في العام الماضي كأنه لم يمش إلا في شعبان، هذا ما أجده في نفسي ولا أدري أتجدون ذلك في أنفسكم أو لا؟ تجدون هذا! كأنما دخل شهر رمضان هذا العام الليلة الماضية والآن تم ثلثه والثلث كثير، نسأل الله تعالى أن يعفو عما مضى وأن يعيننا على الأعمال الصالحة فيما بقي.

فضل أيام رمضان:
العشر الأواسط أفضل من العشر الأول والعشر الأواخر أفضل من العشر الأواسط، وتجدون هذا في الغالب مطرد وأن الأوقات الفاضلة آخرها أفضل من أولها، ويوم الجمعة عصره أفضل من أوله، ويوم عرفة عصره أفضل من أوله، والحكمة من هذا والله أعلم: أن النفوس إذا بدأت بالعمل كلت وملت فرُغِّبت بفضل آخر الأوقات على أولها حتى تنشط فتعمل العمل الصالح.

من أحكام الزكاة:
الغالب أن الناس في هذا الشهر يخرجون زكاتهم نظراً لفضيلة الزمان، وهذا لا بأس به ولا حرج في أن الإنسان يجعل شهر رمضان شهر الزكاة، وكان أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- يخطب في الناس ويقول: أما بعد فإن هذا شهر زكاتكم، قيل: إنه شهر محرم، وقيل: شهر رمضان، وعلى كل حال فلا حرج أن يجعل الإنسان شهراً معيناً يحصي فيه ماله الذي فيه الزكاة ويزكي، ولكن لا يؤخر ما وجبت زكاته إلى الشهر، مثلاً: لو وجبت زكاتك في رجب فلا يجوز أن تؤخرها إلى رمضان، لكن لك أن تقدم زكاتك التي لا تحل إلا في ذي الحجة تقدمها في رمضان ولا حرج، فالمهم لما كان عادة كثير من الناس أن يخرج زكاته في رمضان كان لا بد أن يعرف الإنسان.

أولاً: الأموال الزكوية.

ثانياً: مقدار الزكاة.

ثالثاً: إلى من تصرف الزكاة؟

هذه ثلاثة، أولاً: الأموال الزكوية، هل كل مال فيه زكاة؟ هذه واحدة.

ثانياً: مقدار الزكاة نصف أو ربع أو عشر أو أكثر أو أقل، لا بد أن نعرف، كما يجب علينا أن نعرف صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وعدد ركعاتها، فكذلك الزكاة؛ لأن الزكاة أخت الصلاة وقرينتها في كتاب الله.

الثالث: إلى من تصرف؟ هل الإنسان بالخيار يصرفها كيف يشاء؟ لا. 
الأموال الزكوية:
الأموال الزكوية هي: بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم.

ثانياً: الذهب والفضة.

ثالثاً: الخارج من الأرض.

رابعاً: عروض التجارة.

الأول: بهيمة الأنعام، وليس كل بهيمة الأنعام تجب فيها زكاة، لا بد أن تكون سائمة -أي: ترعى- لا يعلفها صاحبها، ترعى إما كل السنة أو أكثر السنة، فأما التي تعلف فليس فيها زكاة ولو بلغت آلافاً، فمثلاً: إنسان عنده ألف شاة لكنه يعلفها وهو قد أعدها للتنمية ولم يعدها للتجارة، فهذه ليس فيها زكاة؛ لأنها ليست سائمة.

والسائمة: هي التي ترعى مما أخرج الله -عز وجل- إما السنة كلها أو أكثرها.

الثاني: الخارج من الأرض، وهل كل خارج من الأرض تجب فيه الزكاة؟ قال الله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ﴾ [البقرة:267] وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «فيما سقت السماء أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» فلو أخذنا بعموم هذه الآية والحديث لقلنا: تجب الزكاة في كل خارج من الأرض، حتى في البطيخ والخضروات وفي كل شيء؛ لأن الآية عامة والحديث عام، لكن هناك شيء مقيد وهو: أنه لا بد أن يبلغ نصاباً؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» إذاً، لا بد أن يبلغ خمسة أوسق فأكثر.

الثاني: لا بد أن يكون مما يوسق. أي: يحمل ويدخر ويقتات، مثل: التمر والبر والشعير، والأرز، وأما ما لا يوسق فليس فيه زكاة.

الآن نسأل: الخضروات والفواكه وما أشبه ذلك توسق؟

الجواب: لا، جرت العادة أنها تؤخذ أفراداً أو بالوزن وتؤكل مباشرة فليس فيها زكاة، إذاً ليس كل خارج من الأرض فيه زكاة.

الثالث: الذهب والفضة، والنصوص فيها عامة، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ [التوبة:34] ومعنى يكنزونها أي: لا يؤدون زكاتها ﴿وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۞يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة:34-35] وهذه عامة سواء كان الذهب قليلاً أو كثيراً وسواءً كان دراهم أو دنانير، أو قطعاً من الذهب وقطعاً من الفضة أو كان حلياً مع أن الحلي حرام استعماله في الأكل والشرب، أو كان حلياً، النصوص عامة، فهل هي مخصصة أم لا؟

الجواب: ننظر، نقول: لا بد أن تبلغ النصاب، والنصاب من الفضة خمس أواق؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» والأوقية: أربعون درهماً، فتكون الخمس الأواق مائتي درهم، وهذه الأواق بالنسبة للجرامات بلغت (595) جراماً، فمن كان عنده من الفضة دون ذلك فليس فيه زكاة.

الذهب جاء فيه حديث رواه أهل السنن: «ليس عليك فيما دون عشرين ديناراً زكاة» والدينار مثقال، فيكون نصاب الذهب عشرون مثقالاً، تبلغ بالجرامات (85) جراماً، وما دون ذلك ليس فيه زكاة، لكن لو قال قائل: عندي نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة هل أكمل أحدهما بالآخر؟

الجواب: قال بعض العلماء: تكمل أحدهما بالآخر، فإذا كان عندك عشرة دنانير وعندك مائة درهم، لو نظرت إلى كل واحد بعينه فلا زكاة عليه؛ لأن كل واحد منهما لم يبلغ النصاب، وإن جمعتهما صارا نصاباً، وهذا محل خلاف بين العلماء، والقول الراجح: أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر؛ لأن السنة دلت على أن هذا له نصاب وهذا له نصاب، وكما أننا لا نضم البر إلى الشعير في تكميل النصاب فلا نضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب.

حكم زكاة الحلي:

السؤال: امرأة عندها حلي من الذهب يبلغ النصاب هل يجب عليها أن تزكيه أم لا؟

الجواب: هذا فيه خلاف بين العلماء، بعضهم يقول: لا زكاة فيه؛ لأن هذا يستعمل للباس فهو كالثياب التي على الإنسان لا زكاة فيها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» فهي حوائج معدة للإنسان يستعملها المرء للتجمل كالثياب فلا زكاة فيها.

وقال آخرون: تجب الزكاة إذا بلغ النصاب؛ لأن الأدلة عامة لم يخصص منها شيء، والواجب على الأمة الإسلامية في نصوص الكتاب والسنة أن تتبع عموم الكتاب والسنة، فإذا كان عاماً عممت الحكم، وإن كان خاصاً خصصته، ولا يمكن لأي إنسان أن يثبت أن الحلي لا زكاة فيه وأنه مستثنى، فليس في الكتاب ولا في السنة ولا في إجماع الأمة ولا في القياس الصحيح دليل على انتفاء وجوب الزكاة في الحلي، والأدلة أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وكلها ليس فيها دليل، ومن وجد دليلاً فليتفضل به، وجزى الله شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله- خيراً فقد كنا نقلد المذهب في هذه المسألة ونقول: الحلي المعد للبس ليس فيه زكاة، حتى قدر الله -عز وجل- أن ندرس في الرياض في المعهد العلمي، وندرس على يد الشيخ: عبد العزيز -رحمه الله- في بيته أو في المسجد، فمرت بنا هذه المسألة فرأيناه يرى وجوب زكاة الحلي، وألف بذلك رسالة في وجوب الزكاة، فقلنا له: ما دليلك يا شيخ؟ قال: الدليل العمومات والخصوصات، العموم القرآن والسنة: ﴿يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة:34] قال أهل العلم: معنى كنزها ألا تؤدي زكاتها، حتى لو كانت على ظهر جبل فهي كنز، وما تؤدى زكاته ولو كان في قعر الأرض فهو ليس بكنز، وقال أيضاً -رحمه الله- وذكره في رسالته حديث أبي هريرة في مسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحميعليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه» -أي: وجهه- «وظهره وجنبه كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار» وتقرير هذا الدليل أن يقال: هل المرأة التي تملك الحلي هل يقال: إنها صاحبة ذهب أو فضة؟

الجواب: نعم، يقال بلا شك، إذاً، تدخل في عموم الحديث، وقال أيضاً -رحمه الله-: هناك دليل خاص وهو ما أخرجه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهم-: أن امرأة أتت إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفي يد ابنتها مسكتان -أي: سواران- قال: «أتؤدين زكاة هذا؟» قالت: لا، قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟»

الجواب: لا يسرها، كأنه قال: إن لم تؤدِ زكاته سورك الله بهما سوارين من النار (فخلعتهما من ابنتها وألقتهما للرسول -صلى الله عليه وسلم- وقالت: هما لله ورسوله، وهذا دليل خاص، وهذا مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- ورواية عن إمامنا الإمام أحمد بن حنبل، وقد قيل: إنه في العصور الوسطى كان على مذهب أبي حنيفة ثلاثة أرباع الأمة الإسلامية؛ لأن الخلفاء في الدولة العثمانية كلهم على مذهب الأحناف والناس على دين ملوكهم.

على كل حال: الحق لا يعرف بالكثرة، صحيح أن كثرة العلماء مرجحة بلا شك، لكن إذا وجد الدليل فهو الإمام ولا قول لأحدٍ بعده، لكن هؤلاء الذين قالوا: يقاس على الثياب.

الجواب: هذا القياس فاسد من وجهين:

الوجه الأول: أنه في مقابلة النص، فالنص يدل على وجوب الزكاة، فكيف تقيس شيئاً تبطل به نصاً؟! لا يمكن هذا، ولهذا يسمي العلماء القياس المعارض للنص: فاسد الاعتبار، أي: اعتباره فاسد ولا قيمة له.

ثانياً: أن هذا القياس غير صحيح، الذهب والفضة ما هو الأصل فيهما؟ وجوب الزكاة، والثياب الأصل عكس هذا، وهو عدم وجوب الزكاة، فكيف يقاس شيء الأصل فيه الوجوب على شيء الأصل فيه عدم الوجوب؟ هذا لا يستقيم، ثم هو قياس متناقض، يقولون: لو كان عند المرأة دنانير ذهب تعدها للنفقة ففيها الزكاة، وإن كانت لا تعدها ففيها زكاة أيضاً على قول هؤلاء، ويقولون في الحلي: إن أعد للنفقة ففيه الزكاة وإن أعد للبس فلا زكاة فيه، والقياس يقتضي أن يتساوى الأصل والفرع.

على كل حال لا أحب أن أطيل في هذه المسألة، المسألة خلافية، من العلماء من قال: تجب، ومنهم من قال: لا تجب، وإذا كنا نخشى أن نقف بين يدي الله يوم القيامة فلا شك أن الاحتياط لنا أن نزكي هذا.

زكاة عروض التجارة:
عروض التجارة شامل عام لا يختص بمال معين، فكل شيء تعده للتجارة ففيه الزكاة حتى الثياب، والسيارات فيها زكاة لو كان إنسان عنده معرض سيارات معدة للتجارة يشتري ليربح ففيها الزكاة، ومن يبيع ويشتري في الأراضي يريد الربح ففيها زكاة، الأواني فيها زكاة، بهيمة الأنعام يريدها للتجارة وإن كان يعلفها كل يوم ففيها زكاة.

أما مقدار الواجب: فالواجب من الذهب والفضة وعروض التجارة ربع العشر، أي: واحداً من أربعين، فليقل الطالب: عندك أربعون ألف ريال كم فيها من الزكاة؟! ألف ريال، إذا قال: إنه ينقص ماله، نقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما نقص مال من صدقة» بل ينميه الله -عز وجل- ويقيه الآفات، مع ما يكون في قلب الإنسان من الكرم ومحبة الإحسان إلى الغير والفوائد العظيمة، إذاً، لا حاجة إلى الحساب الكثير، نقول: إذا أردت أن تعرف مقدار الواجب في مالك وفي عروض التجارة فقوِّم المال وقت الوجوب، ثم اقسم ذلك على أربعين، فالناتج بالقسمة هو الواجب.

أما الخارج من الأرض فما كان يخرج بتعب ومشقة -بسقي- ففيه نصف العشر، وما ليس فيه مشقة ففيه العشر كاملاً، أما الماشية، بهيمة الأنعام لا يستطيع الإنسان أن يضبطها؛ لأنها فيها أوقاص والشارع هو الذي حددها.

بيان مصارف الزكاة:
أما البحث الثالث في الزكاة فهو من أهل الزكاة؟ هل الإنسان مخير إذا رأى أي شخص يرق له أعطاه الزكاة أم أن أهل الزكاة أصناف معلومة محددة من قبل الشرع؟

الجواب: الثاني، استمع قول الله -عز وجل-: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:60] أي: أن الله فرضها علينا وبيَّن أن هذا الفرض صادر عن علم وحكمة والله عليم حكيم، أي إنسان يتصف بواحد من هذه الأوصاف فأعطه زكاتك ولا تبالِ، لكن هل تعطي أباك منها وهو فقير؟ نقول: لا تجزئ، ونقول: أي إنسان يقول لك: إنه لا يجوز أن تعطي زكاتك والدك قل: هات الدليل؛ لأنك أنت معك دليل، فأقول: إذا حابى الإنسان نفسه بالزكاة فكأنه لم يخرجها، بمعنى أنه إذا كان إعطاء الزكاة يقضي أن يسقط عنه شيء من الواجب فالزكاة لا تلزم مثلاً: هذا غني وأبوه فقير يجب عليه أن ينفق على أبيه من ماله الخاص، فإذا كان هذا الأب يحتاج في النفقة إلى عشرة آلاف سنوياً وعند الابن عشرة آلاف زكاة، لو أعطاها والده لأسقط عن نفسه عشرة آلاف فكأنه ما أدى الزكاة في الواقع؛ لأنه حمى بها ماله، وبناءً على ذلك نقول: كل القرابات الذين لا تلزمك نفقتهم أعطهم أو لا يلزمك ما تحملوه فأعطهم زكاتك، فهذا الأب الذي ذكرنا لو أنه حصل منه أ، صدم سيارة إنسان وقدرت السيارة بخمسة آلاف، هل يجوز أن تعطي والدك خمسة آلاف غرم السيارة أو لا يجوز؟ لأنه لا يلزم الابن أن يتحمل غرامات أبيه، نعم يجب عليه أن ينفق عليه، لكن الغرامات لا، انتبه إلى هذه القاعدة. سؤال: هل يجوز أن نصرف الزكاة في التعليم، في إصلاح الطرق، في بناء المساجد، في بناء المدارس؟ لا يجوز، لأنه مخصص، والذي يأمر وينهى هو الله -عز وجل-، وأما قوله تعالى: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة:60] فالمراد الغزاة، ليس المراد كل ما يقرب إلى الله، لو كان المراد كل ما يقرب إلى الله لم تكن للحصر فائدة في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ﴾ [التوبة:60] ونقول: لو أننا أذنا للناس أن يصرفوا زكاة أموالهم في هذه المشاريع الخيرية لانسد باب الإنفاق وصار الناس ينفقون زكواتهم في هذه المشاريع ولم يبق تطوع من الناس، فيكون في ذلك سد باب الخير، ولا نحب أن نطيل في هذا البحث ونقتصر على ما أوردنا ونسأل الله أن يجعل فيه الكفاية.