قيام ليلة القدر إلى طلوع الفجر ..وتوزيع المأكولات والمشروبات
مدة الملف
حجم الملف :
8444 KB
عدد الزيارات 2437

السؤال:

جزاكم الله خيراً. من الجزائر السائل ع ع يقول: في بلدتنا نحيي ليلة القدر، وذلك بالقيام بعد صلاة المغرب بدقائق، وتوزيع الأكل والشراب في المسجد، ويستمر القيام إلى طلوع الفجر فما حكم هذا العمل؟

الجواب:


الشيخ: هذا العمل غير صحيح؛ أولاً: لأن ليلة القدر لا يعلم عنها، فلا يدرى أهي ليلة سبع وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو تسع وعشرين، أو إحدى وعشرين، أو ليلة الثنتين وعشرين، أو أربع وعشرين، أو ثماني وعشرين، أو ثلاثين لا يعلم بأي ليلة هي، أخفاها الله تبارك وتعالى، أخفى علمها عن عباده من أجل أن تكثر أعمالهم في طلبها، وليتبين الصادق ممن ليس بصادق، والجاد ممن ليس بجاد، فهي ليست ليلة سبع وعشرين، بل هي في العشر الأواخر من ليلة إحدى وعشرين إلى ليلة الثلاثين، كل ليلة يحتمل أن تكون ليلة القدر فتخصيصها بسبع وعشرين خطأ هذا واحد. ثانياً: الاجتماع على هذا الوجه الذي ذكره السائل ليس من عمل السلف الصالح، وما ليس من عمل السلف الصالح فهو بدعة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البدعة وقال: «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار »، فعلى المسلمين في آخر الأمة أن ينظروا ماذا صنع أول الأمة؟ وليتأسوا بهم فإنهم على الصراط المستقيم. وقد قال الإمام مالك رحمه الله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها). فنصيحتي لإخواني هؤلاء أن لا يتعبوا أنفسهم ببدعة سماها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضلالة، وأن ينفرد كل منهم بعبادته من ليلة إحدى وعشرين إلى ثلاثين تحرياً لليلة القدر، وأن يجتمعوا مع الإمام على ما كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعله، وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يزيد على إحدى عشرة ركعة في رمضان ولا غيره، كما قالت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي هي من أعلم الناس بحال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئلت: كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رمضان؟ قالت:« كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشر ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهنثم يصلي ثلاثاً»، وهذه الأربع يصليها على ركعتين ركعتين، يعني الأربع الأولى بتسليمتين، والأربع الثانية بتسليمتين، وليس كما توهمه بعض الناس أنه يجمع الأربع بتسليمه واحدة، فإن حديث عائشة نفسه ورد مفصلاً من طريق آخر أنه كان يصلي ركعتين ركعتين، ومجمل حديثها يفسر بمفسره، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى». والأصل أن فعله لا يخالف قوله، ولذلك نبين لإخواننا، ونعتقد أنه واجب علينا أن نبين أن الذين ظنوا أن معنى الحديث أنه يصلي أربعاً بتسليمه واحدة ثم يصلي أربعاً بتسليمه واحدة لم يصيبوا في ظنهم، بل صلاة الليل مثنى مثنى في رمضان وفي غيره، فإذا قال قائل: كيف قالت: يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن؟ فالجواب أن الأربع الأولى متشابهة في الطول في القراءة والركوع والسجود والقعود متشابهة، ثم يستريح بعدها قليلاً كما يفيده العطف بثم، لأن ثم تدل على المهلة، ثم يصلي أربعاً قد تكون مثل الأولى وقد تكون أقل منها وقد تكون أكثر يعني في التطويل، ثم يستريح، ثم يصلي ثلاثاً هي الوتر. نعم.

 وبهذه المناسبة أيضاً أود أن أنبه إخواننا الأئمة على مسألة قد يفعلها بعض الناس، وهي أنه يصلي في رمضان بالناس القيام، ثم يجعل القيام كله وتراً، فيصلي تسع ركعات فرداً، لا يجلس إلا في الثامنة، يتشهد ويقوم ويصلي التاسعة ويتشهد ويسلم، محتجاً بأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك، ونحن نؤيده على أنه ينبغي نشر السنة، لكن نشر السنة كما وردت، فهل قام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصحابه بهذا العدد، إن كان هناك حديث فليرشدنا إليه ونحن له إن شاء الله متبعون وداعون، ولكن لا يستطيع أن يثبت هذا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه هذا العدد بتسليم واحد، وإذا لم يكن كذلك فإن الإنسان إذا صلى لنفسه غيره إذا صلى لغيره، ولهذا زجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أطال الصلاة في الناس وقال: «إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء». ولا يخفى على إنسان أن مثل هذا القيام يشق على الناس، من يبقى طول هذا القيام لا يحتاج إلى نقض الوضوء، يعني إلى البول أو الغائط أو غير ذلك، قد يكون في الجماعة من يحتاج إلى هذا، وقد يكون في الجماعة من له شغل يريد أن يصلي مع الإمام تسليمتين وينصرف، وقد يكون أشياء أخرى، فيدخل هذا الفعل في ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التطويل، ثم إن الناس إذا جاءوا بعد أن كبر لهذا الوتر ماذا ينوون؟  أكثر الناس ينوي أنه تهجد لا وتر فيفوت الإنسان الذي دخل معه تفوته نية الوتر ويبقى حيران، فأنا أشكر كل إنسان يحب أن يطبق السنة بقوله وفعله، وأرجو الله لي وله الثبات على ذلك، لكن كوننا نطبق السنة على غير ما وردت فهذا خطأ، فنقول لإخواننا: من صلى الوتر تسعاً على هذا الوصف في بيته كما فعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أصاب السنة، وأما من قام به في الناس فقد أخطأ السنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يفعله أبداً، والعاقل البصير يعرف أن هذا الدين يسر سهل، فكيف نشق على الناس بتسع ركعات ونشوش عليهم نيتهم ويبقى الناس بعد هذا متذبذبين أن أنوي الوتر أو أنوي التهجد أم ماذا؟! سبحان الله! أسأل الله أن يوفقني وإخواني المسلمين لاتباع الهدى واجتناب الهوى وأن يهدينا الصراط المستقيم.