قصة هاروت وماروت..
مدة الملف
حجم الملف :
2025 KB
عدد الزيارات 21124

السؤال:

  أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ. السائل سوداني حبيب ومقيم بالرياض يقول: ما صحة قصة الملكين هاروت  وماروت بعد ما كلفهم الله عز وجل بأمره ونهاهم ما نهاهم عنه ما الأثم الذي ارتكباه؟  

الجواب:


الشيخ: الصحيح أن هذه قصة مفتعلة مأخوذة عن بني إسرائيل، وما أكثر أخبار بني إسرائيل التي لا أساس لها من الصحة، إني أنصح أخي السائل وغيره أن يقتصروا في القصص على ما جاء في القرءان والسنة فقط والسنة الصحيحة أيضاً، وذلك لقول الله تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله﴾. فإذا كان لا يعلمهم إلا الله فإن الواجب أن نتلقى أخبارهم من الله سبحانه وتعالى، من القرءان أو من السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وربما كان في هذه القصص ما يقدح بالتوحيد من حيث لا يعلم الإنسان، وأضرب للسائل مثلاً في قصة داود عليه الصلاة والسلام في قول الله تبارك وتعالى: ﴿وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ اكفلنها وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ )قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ يزعم بعض القصاص أن داود عليه الصلاة والسلام أعجبته امرأة رجل عنده، وكان داود عليه الصلاة والسلام عنده تسع وتسعون امرأة، وأعجبته هذه المرأة وهي مع زوج، ففكر ماذا يصنع في الوصول إليها، فأمر هذا الرجل أن يذهب للغزو في سبيل الله لعله يقتل فيتزوجها داود من بعده، وهذا من أعظم المنكرات، هذا لا يليق برجل عاقل فضلاً عن  مؤمن فضلاً عن نبي من الأنبياء، فهي قصة مكذوبة تخدش بالعقيدة، داود عليه الصلاة والسلام مبرأ من هذا الخلق الذميم، والقصة على ظاهرها، خصمان اختصما عند داود عليه الصلاة والسلام، وكان داود قد انفرد يعبد الله تبارك وتعالى في محرابه، وأغلق عليه الباب اجتهاداً منه، وكان داود عليه الصلاة والسلام هو الذي يحكم بين الناس، والحَكَم بين الناس يجب أن يفتح لهم الباب، وأن يفتح لهم المجال حتى يختصموا ويحكم بينهم، ففتنه الله عز وجل، وذلك بأن  اختبره سبحانه وتعالى لما انفرد في محرابه وأغلق الباب، بعث الله إليه هذين الخصمين فتسوروا المحراب، يعني أنهم قفزوا من فوق الجدار، ففزع منهم كيف يدخلون عليه والباب مغلق! فقالوا: لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض، وذكروا الباقي، فقال: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة، والنعجة هنا ليست المرأة كما قيل، بل هي الشاة ولي نعجة واحدة، فقال: اكفلنيها وعزني في الخطاب، أي هبها لي لأجل أن أكمل مائة، فيبقى هو عنده مائة نعجة وهذا ليس عنده شيء، يقول: عزني في الخطاب يعني غلبني، كأنه فصيح ذو بيان شديد، فقال داود عليه الصلاة والسلام: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، فهنا القصة تجد فيها أولاً أن داود عليه الصلاة والسلام انفرد في محرابه في عبادة خاصة دون أن يفتح بابه للحكم بين الناس، ثانياً أنه استمع إلى الخصم دون أن يأخذ حجة الخصم الآخر، ثالثاً أنه حكم بقول الخصم دون أن ينظر ما عند الخصم الآخر، فلذلك علم داود أن الله تعالى اختبره وفتنه فخر راكعاً وأناب وتاب إلى الله عز وجل من كونه انفرد في محرابه وأغلق الباب عليه، وكونه أخذ بقول الخصم دون أن يسأل الخصم الآخر، وكونه حكم له دون أن ينظر ما عند الآخر من مدافعة. هذه هي القصة، وهي واضحة في القرءان، ولا حاجة أن نصطنع قصصاً مكذوبة وفيها خدش للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأمثال هذا كثير، لذلك أنصح إخواننا الذين يقرءون في كتب التفسير المشحونة بهذه الإسرائيليات، أنصحهم من أن يتمادوا في هذا، وأقول لهم: اتركوا هذه التفاسير وإن كان فيها خير كثير، لكن هذا الشر الذي لا يعلم عنه إلا العلماء قد يقتر به بعض العامة الذين يطالعون هذه الكتب.