حكم الدعاء مع رفع اليدين عند زيارة قبر النبي صلى الله
مدة الملف
حجم الملف :
3036 KB
عدد الزيارات 41517

السؤال:

هذا السائل الذي أرسل بهذه الرسالة، مطبوعة خليفة م ط المدينة المنورة، يقول في سؤاله الأول: هل يجوز رفع اليد والدعاء أثناء السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم باتجاه بيته؟

الجواب:


الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المستحبة، وهي أول وأولى ما يدخل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة»، ولكن يجب على الإنسان حين زيارة قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعتقد أنها عبادة لله، وليس عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يؤمن بأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا يملك لغيره نفعاً ولا ضراً؛ يقول الله تبارك لرسوله: ﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾. فهذه حقيقة حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فالأمر كله إلى الله عز وجل. فالنفع والضرر للرسول صلى الله عليه وسلم ولغيره كله لله عز وجل. وهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير. وهو صلى الله عليه وسلم يمسه الضر كما يمس غيره. ولهذا قال:﴿ وما مسني السوء﴾. ولكنه صلى الله عليه وسلم يمتاز عن غيره بأنه نذير مبين نذير مبين لقوم يؤمنون. ولقد قاله الله تعالى له، وأمره أن يعلن أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك لأحد ضراً ولا رشدا؛ كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً﴾. وأمره أن يعلن شيئاً آخر فقال: ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى﴾. فالواجب على من زار قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يؤمن بذلك، أي بما وصف الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يتجاوزه غلواً، وأن لا يتأخر عنه تقصيراً، فللرسول صلى الله عليه وسلم ما له بما جعله الله عز وجل له، وللرب عز وجل ما له بما اختص به نفسه سبحانه وتعالى. ثم إذا سلم فلا يطيل؛ لأن الإطالة مخالفة لهدي السلف الصالح. يقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبر فيقول: السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، اللهم صلي وسلم عليه، واجزه عنا خيراً ما جزيت نبياً عن أمته، ثم يخطو عن يمينه خطوة؛ ليكون مقابل وجه أبي بكر رضي الله عنه ويقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله، رضي الله عنك، وجزاك عن أمة محمد خيراً. ثم يخطو خطوة أخرى عن يمينه، ليكون أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك، وجزاك عن أمة محمد خيراً. أو كلمات نحوها ثم ينصرف ولا يقف يدعو عند القبر. وينبغي أن لا يكثر من هذه الزيارة خلافاً لمن يجعلها أي هذه الزيارة، كلما صلى فريضة جاء فزار، أو كلما صلى الفجر جاء فزا،ر فإننا نعلم والله علم اليقين أننا لسنا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحبه الصحابة، ولا نعظمه أكثر مما يعظمونه، وإذا كانوا لا يفعلون مثل هذا فهم أسوتنا وقدوتنا؛ قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾. فرضى الله عز وجل عمن كانوا بعد المهاجرين  والأنصار لا يكون إلا لمن اتبعهم بإحسان، أي أخذ بطريقتهم غير مقصر فيها، ولا متجاوزاً لها، وإنك لتعجب من قوم يعظمون النبىعند قبره أكثر من تعظيم الصحابة له، لكنهم يخالفونه في الأعمال. تجد عندهم تقصيراً في كثير من السنن، التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم ليتعبد الناس بها لربهم جلا وعلا، بل إنك تجدهم مقصرين في الواجبات، بل ربما تجد فيهم انتهاكاً للمحرمات. ربما يكون فيهم من يحلق لحيته، ربما يكون فيهم من يشرب الخمر، ربما كان فيهم من يتتبع النساء بالمغازلة أو بالنظر المحرم أو ما أشبه ذلك. فعجباً لهؤلاء أن يخالفوا السلف من الجهتين في الغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي التقصير في سنته وهديه، وليس تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقف عند قبره لنزوره زيارة غير مشروعة، وإنما تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بمحبته واتباعه ظاهراً وباطناً، واعتقاد أن سنته خير السنن، وأن هديه أكمل الهدي، وألا نتجاوز ما شرعه لا تقصيراً ولا إفراطاً. هذا هو تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام. ولقد تحدى الله تعالى قوماً ادعوا أنهم يحبون الله باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. فنصيحتي لإخواني المسلمين أن لا يتجاوزوا ما أنزل الله على رسوله، وأن لا يغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الغلو الجائر، الذي يحرمون به خير سنته وخير هديه. ولقد يعجب المرء أن يقف بعض الناس أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم متجها إلى قبره حانياً رأسه، مغمضاً عينيه، جاعلاً يديه على صدره كما يفعل في الصلاة، بل هو أشد خشوعاً من وقوفه بين يدي الله عز وجل، وهذا لا شك من الجهل العظيم، وأستغفر الله. إن كان هذا من تفريط العلماء، وبيان الحق لهؤلاء العامة الذين لا يفعل أكثرهم ما يفعل، إلا أنه يظن أنه محسن ولكنه ليس بمحسن. نعم.