هل توجد بدعة حسنة وبدعة سيئة
عدد الزيارات 12193

السؤال:

على بركة الله نبدأ هذا اللقاء برسالة وصلت من السائل من جمهورية مصر العربية خالد خ يقول: ما هي أقوال العلماء في البدعة? وهل هناك بدعة حسنة وأخرى سيئة? أفيدوني جزاكم الله خيرا.

الجواب:


الشيخ: الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين. البدعة هي أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. فالبدعة في العقيدة أن يخالف ما كان عليه السلف الصالح، سواء كان ذلك في ذات الله عز وجل أو في صفاته وأفعاله؛ فمن قال: إن الله تعالى ليس له يد حقيقة، ولكن يده هي قوة أو قدرته أو نعمته كان مبتدعاً، أي قال قولاً بدعياً؛ وذلك لأن السلف الصالح لم يفسروا اليد التي أضافها الله لنفسه بهذا أبداً، لم يرد عنهم حرف صحيح ولا حتى ضعيف أنهم فسروا اليد بغير ظاهرها؛ وعلى هذا فيكون السلف مجمعين على أن المراد باليد هي اليد الحقيقية؛ وذلك أنهم يتلون القرآن ويقرءون ما جاءت به السنة في هذا، ولم يرد عنهم حرف واحد أنهم صرفوا النص عن ظاهره، وهذا إجماع منهم على أن المراد بظاهره حقيقة ما دل عليه، وكذلك قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فإن معناه إذا تعدت بعلى العلو على الشيء علواً خاصاً، فيكون استواء الله على عرشه علوه عز وجل عليه، على وجه خاص يليق بجلاله وعظمته لا نعلم كيفيته، فمن قال: إن استوى بمعنى استولى وملك وقهر فقد ابتدع؛ لأنه أتى بقول لم يكن عليه السلف الصالح. ونحن نعلم أن السلف الصالح مجمعون على أن استوى على العرش أي علا عليه العلو الخاص اللائق بجلال الله عز وجل، بدون تكييف ولا تمثيل؛ لأنه لم يرد عنهم حرف واحد يخرج هذا اللفظ عن ظاهره. وهذا اللفظ بظاهره معناه ما ذكرنا؛ لأن هذا هو معناه في اللغة العربية التي نزل بها كما قال تعالى: ﴿(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)﴾، وقال تعالى: ﴿(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)﴾، وقال تعالى: ﴿(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)﴾. فاعتقاد ما يخالف عقيدة السلف بدعة. كذلك من الأقوال ما ابتدع، فهناك أذكار رتبها من رتبها من الناس، ليست على حسب الترتيب الشرعي الذي جاء عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتكون بدعة. سواء كانت بدعة في صيغتها أو في هيئتها، أو في هيئة الذاكر عند ذكره أو غير ذلك، هناك أيضاً أفعال ابتدعها من ابتدعها الناس أحدثوا شيئاً لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم  ولا أصحابه من الأفعال فهذه بدعة. إذن فضابط البدعة بالخط العريض هي أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه الله؛ إما بعقيدته أو قوله أو فعله. هذه هي البدعة. والبدعة لا يمكن تقسيمها إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة أبداً. لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل بدعة ضلالة». ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق، وأعلم بما يريد في كلامه. ولا يمكن أن يقول لأمته: كل بدعة ضلالة، وهو يريد أن بعض البدع حسن وبعضها ضلالة أبداً؛ لأن من قال: كل بدعة ضلالة، وهو يريد أن منها ما هو حسن ومنها ما هو ضلالة، كان ملبسا على الناس غير مبين لهم. وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾. وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ فلا بلاغ أبلغ من بلاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يقسم البدعة إلى قسمين ولا إلى ثلاثة ولا إلى أربع ولا إلى خمسة. بل جعلها قسماً واحداً محاطاً بالكلية عامة؛ كل بدعة ضلالة. وما ظن بعض الناس أنه بدعة وهو حسن فإنه ليس ببدعة قطعاً. وما ظنوا أنه حسن وهو بدعة فليس بحسن. فلابد أن تنتفي إما البدعة وإما الحسن؛ أما أن يجتمع بدعة وحسن فهذا لا يمكن مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة». فإن قال قائل: أليس عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثنى على البدعة في قوله حين أمر أبي بن كعب وتميم الداري أن يصليا للناس بإحدى عشرة ركعة، فخرج ذات يوم وهم أي الناس مجتمعون على إمامهم، فقال: (نعم البدعة هي). قلنا: بلى؛ لكن هل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فعله هذا خالف سنة الرسول عليه الصلاة والسلام؟! لا لم يخالف؛ بل أحياها بعد أن كانت متروكة؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام بأصحابه في رمضان ثلاث ليال أو أربع ثم تخلف، وعلل تخلفه بأنه خشي بأن تفرض علينا، ومعلوم أن هذه الخشية قد زالت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا وحي بعد موته عليه الصلاة والسلام. لكن بقي الناس في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يصلون أوزاعاً؛ الرجلين جميعاً، والثلاثة جميعاً، والواحد وحده؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه كان مشتغلاً بحروب الردة وغيرها، وكانت مدة خلافته قصيرة سنتين وأربعة أشهر أو نحو ذلك. لكن عمر رضي الله عنه طالت به المدة، وتفرغ لصغار الأمور وكبارها، رضي الله عنه، وأتى بكل ما يحمد عليه، جزاه الله عن أمة محمد خيراً؛ فكان من جملة ما أتى به أنه أعاد تلك السنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم شرعها لأمته، ولكنه تخلف خوفاً من أن تفرض، فهي بدعة نسبية، أي بدعة بالنسبة لتركها في المدة ما بين تخلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإعادتها من عمر رضي الله عنه، لكن هنا مسألة قد يظنها بعض الناس بدعة وليست ببدعة؛ وهي الوسائل التي يتوصل بها إلى مقصود شرعي، فإن هذه قد تكون حادثة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنها لا تعد بدعة؛ لأن المقصود هو الغاية ما كان مشروعاً، فما كان وسيلة لمشروع فهو منه. والمشروع قد أراد الله ورسوله منا أن نفعله بأي وسيلة كانت، إذا لم تكن الوسيلة محرمة بذاتها، فمثلاً تصنيف الكتب وترتيب الأبواب والفصول، والكلام عن تعريف الرجال وكتابة الفقه وتبويب المسائل، وما حدث في زمننا أخيراً من مكبرات الصوت وآلات الكهرباء وغيرها، هذه لم تكن معروفة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنها وسيلة لأمر مقصود للشارع أمر به؛ فمثلاً استماع الخطبة يوم الجمعة أمر مأمور به؛ حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ومن قال له: أنصت فقد لغى» فهل نقول: إن اتخاذ مكبر الصوت ليسمع عدد أكبر من البدعة المحرمة أو المكروهة؟! لا نقول هكذا؛ بل ولا يصح أن نسميها بدعة أصلاً؛ لأنه وسيلة لفعل سنة، ومن القواعد المقررة عند العلماء أن الوسائل لها أحكام المقاصد. وخلاصة الجواب أن نقول: البدعة أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. وأن كل بدعة ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وأن البدعة لا تنقسم إلى حسن وسيئ. وأن الوسائل في الأمور المشروعة ليست من البدع؛ وإنما هي وسائل يتوسل بها إلى أمر مشروع. نعم.