هل الحج يكفر الكبائر ؟
مدة الملف
حجم الملف :
3652 KB
عدد الزيارات 11567

السؤال:

على بركة الله. نبدأ هذا اللقاء برسالة وصلت من السائل، أ.م.ع من سلطنة عمان، استعرضنا له سؤال في حلقة سابقة، بقي له هذا السؤال في هذه الرسالة؟ هل الكبائر يكفرها الحج؟

الجواب:


الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ظاهر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، أن الحج المبرور يكفر الكبائر؛ ويؤيد هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة »، فإن تكفير العمرة إلى لما بينهما مشروط باجتناب الكبائر، ولكن يبقى النظر، هل يتيقن الإنسان أن حجه كان مبروراً هذا أمر صعب؛ لأن الحج المبرور ما كان مبروراً في القصد والعمل، أما في القصد فأن يكون قصده بحجه التقرب إلى الله تعالى، والتعبد له بأداء المناسك، نية خالصة لا يشوبها رياء ولا سمعة، ولا حاجة من حوائج الدنيا إلا ما رخص فيه في، قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾. وكذلك المبرور في العمل، أن يكون العمل متبعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أداء المناسك، مجتنباً فيه ما يحرم على المحرم بخصوصه، وما يحرم على عامة الناس، وهذا أمر صعب لا سيما في عصرنا هذان فإنه لا يكاد يسلم الحج من تقصير وتفريط، أو إفراط ومجاوزة، أو عمل سيئ أو نقص في الإخلاص، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يعتمد على الحج، ثم يذهب يفعل الكبائر، ويقول: الكبائر يكفرها الحج، بل عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من فعل الكبائر، وأن يقلع عنها ولا يعود، ويكون الحج نافلة، أي زيادة خير في الأعمال الصالحة، ومن الكبائر ما يكون لبعض الناس اليوم، بل لكثير من الناس من الغيبة، وهي أن يذكر أخاه الإنسان غائباً بما يكره، فإن الغيبة من كبائر الذنوب؛ كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله، وقد صورها الله عز وجل بأبشع صوره، فقال تعالى: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾، ومن المعلوم أن الإنسان لا يحب أن يأكل لحم أخيه لا حياً ولا ميتاً؛ وكراهته لأكل لحمه ميتاً أشد، فكيف يرضى أن يأكل لحم أخيه لغيبته في حال غيبته، والغيبة من كبائر الذنوب مطلقاً، وتتضاعف إثماً وعقوبة كلما ترتب عليها سوء أكثر، فغيبة القريب ليست كغيبة البعيد؛ لأن غيبة القريب غيبة وقطع رحم. وغيبة الجار ليست كغيبة بعيد الدار؛ لأن غيبة الجار منافية لقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره». ووقعوا في قوله صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه»، فإن غيبة الجار من البوائق. وغيبة العلماء ليست كغيبة عامة الناس؛ لأن العلماء لهم من الفضل والتقدير والاحترام ما يليق بحالهم؛ ولأن غيبة العلماء تؤدي إلى احتقارهم، وسقوطهم من أعين الناس؛ وبالتالي إلى احتقار ما يقولون من شريعة الله؛ وعدم اعتبارها وحينئذ تضيع الشريعة؛ بسبب غيبة العلماء، ويلجأ الناس إلى جهالاً يفتون بغير علم. وكذلك غيبة الأمراء وولاة الأمور، الذين جعل الله لهم الولاية على الخلق فإن غيبتهم تتضاعف؛ لأن غيبتهم توجب احتقارهم عند الناس، وسقوط هيبتهم؛ وإذا سقطت هيبة السلطان فسدت البلدان؛ وحلت الفوضى والفتن، والشر والفساد، ولو كان هذا الذي يغتاب ولاة الأمور بقصد الإصلاح، فإن ما يفسد أكثر مما يصلح، كما يترتب على غيبته لولاة الأمور أعظم من أى ذنب ارتكبوه؛ لأنه كلما هان شأن السلطان في قلوب الناس، تمردوا عليه ولم يعبئوا بمخالفته، ولا بمنابذته وهذا بلا شك ليس إصلاحاً، بل هو إفساد وزعزعة للأمن، ونشر للفوضى، والواجب مناصحة ولاة الأمور من العلماء والأمراء، على وجه تزول به المفسدة، وتحل به المصلحة، بأن يكون سراً، وبأدب واحترام، لأن هذا أدعى للقبول، وأقرب إلى الرجوع عن التمادي في الباطل، وربما يكون الحق فيما انتقده عليه، منتقد له بالمناقشة فيتبين الأمر، وكم من عالم اغتيب وذكر بما يكره؛ فإذا نوقش هذا العالم تبين أنه لم يقل ما نسب إليه، وأن ما نسب إليه كذب باطل؛ يقصد به التشويه والتشويش والحسد، وربما يكون ما نسب إليه حق، وربما يكون حقاً، ولكن له وجهة نظر تخفى على كثير من الناس، فإذا نوقش وبين وجهة نظره ارتفع المحظور. أما كون الإنسان بمجرد ما يؤتى له عن ولي الأمر من أمير أو عالم، يذهب فيشيع السوء، ويوفي الصالح فهذا ليس من العدل، وليس من العقل، وهو ظلم واضح؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾، يعني لا يحملكم بغضهم على ترك العدل: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.  فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا أسباب الشر والفساد، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يجعلنا من المتحابين فيه، المتعاونين على البر والتقوى، إنه على كل شيء قدير.