هل يتأذى الميت الصالح بدفنه بجوار الميت الفاجر ؟
مدة الملف
حجم الملف :
2870 KB
عدد الزيارات 7749

السؤال:

بارك الله فيكم. السائل يقول في سؤاله الثاني: في بلدتنا عندما يموت الميت، يتم دفنه بجوار أموات آخرين في قبر واحد يضمهم جميعاً، فهل إذا دفن شخص صالح بجوار شخص فاجر مات على غير الصلاة فهل يتأذى الرجل الصالح بعذاب هذا الفاجر؟ وإذا كان يتأذى فكيف نوفق بين ذلك وبين قوله تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾؟

الجواب:


الشيخ: من المعلوم أن السنة أن يدفن الميت في قبر وحده؛ ولا يجمع الأموات في قبر واحد؛ إلا عند الحاجة مثل أن يكثر الأموات ويصعب دفن كل واحد بقبر، كما نسمع بشهداء أحد رضي الله عنهم وكم يحصل بالحروب التي يموت به طائفة كثيرة في آن واحد وما أشبه ذلك، وعلى هذا فالعادة التي ذكرها السائل عندهم يجب أن يبحث فيها بين العلماء الموجودين في البلد حتى يتخذ قرار موافق للشرع، وأما جمعهم في قبر واحد إذا دعت الحاجة إلى ذلك فإنه يقدم الأقرأ للقران، و الاتقى يقدم إلى القبلة، ويكون الثاني وراءه، وإذا قدر أن أحد منهم كان صالحاً والأخر كان بالعكس، فإن ذلك لا يؤثر على الصالحين؛ لأن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا؛ ولهذا كان الناس يوم القيامة يعرقون أي يصيبهم العرق من الحر، فمنهم من يبلغ إلى الكعبين، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى فخذيه، ومنهم من يلجمه وهم في مكان واحد، ومع ذلك يختلفون هذا الاختلاف، بل أبلغ من هذا أن يوم القيامة خمسون ألف سنة، وهو على المؤمنين يسير سهل حتى يكون بقدر فريضة أداها المؤمن، ومنهم من يكون عليه عسير شاق، كما قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾، فأحوال الآخرة تقاس بأحوال الدنيا. وأما قول السائل كيف نجمع بين هذا إذا كان يتأذى به، وكيف يجمع بينه و قوله تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. فقد علم من جوابي أنه ليس هناك دليل على أنه يتأذى به؛ لأن أحوال الآخرة تختلف عن أحوال الدنيا، ولكن هناك إشكال في أمر لم يذكره السائل، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، يعني إذا مات الميت ودفن فإنه يعذب ببكاء أهله عليه، وهذا هو الذي قد يشبه الجمع بينه وبين قوله تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾، حيث أن الميت يعذب بفعل غيره. وقد أختلف العلماء في الجمع بين الحديث و الآية، فمنهم من قال: إن هذا في الكافر يعذب وأهله يبكون عليه بفراقه. ومنهم من قال: إن هذا فيمن أوصى به، أي أوصى أهله أن يبكون عليه وينوحوا عليه فيعذب؛ لأنه أوصى به. ومنهم من قال: هذا في حق من رضي به لكون أهله يفعلونه في موتاهم، ولم يوص بالنهي عنه. ومنهم من قال: إن العذاب ليس عذاب عقوبة، لكنه عذاب تألم وتأذي؛ واستدل بهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن السفر قطعة من العذاب»، والمسافر لا يعذب عذاب عقوبة، لكنه يعذب بعذاب ألم قلبي، ويهتم لهذا الشيء أي للسفر، وهذا القول هو أرجح الأقوال، أي أن الميت يحس بهذا البكاء ويتألم ألم قلبياً، أن يكون أهله أشرف الناس عليه يتأثرون هذا التأثر ويبكون، والمراد بالبكاء الذي يعذب عليه الميت، أو يعذب به الميت، ما سوى البكاء الذي لا يأتي بمقتضى الطبيعة، يعني البكاء المتعمد، وأما البكاء الذي يأتي بمقتضى الطبيعة، فإن هذا لا يعذب عليه للباكي ولا المبكي عليه؛ لأنه لا يخشى على الإنسان، وأما الاجتماع للغداء، وصنع الطعام، وتجمع الناس من أطراف البلد، بل من القرى المجاورة فهذا له لا أصل له، وليس من عمل السلف الصالح، بل قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: كنا نعد التجمع عند أهل الميت، ووضع الطعام من النياحة؛ ولهذا أوجه نصيحتي للاخوان الذين اعتادوا مثل هذا أن يدعوا هذا الشيء، وأن يغلقوا الأبواب، ومن أراد أن يعزيهم وجدهم في السوق، وجدهم في المسجد، و النساء يمكن أن يرخص للنساء القريبات من الميت، أن يحضرن إلى أهل الميت ويحصل العزاء؛ لكن بدون تجمع، بدون طعام، بدون نياحة، بدون ذكر محاسن الميت؛ لأن ذكر محاسن الميت ندب، والندب منهي عنه. وأحسن ما يفعل للميت بعد موته الدعاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا مات الإنسان أنقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جاريه أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». نعم.