تفسير قوله تعالى : " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون "
مدة الملف
حجم الملف :
1594 KB
عدد الزيارات 8371

السؤال:

السائلة تقول في هذا السؤال: أرجو التحدث عن الحياة البرزخية كما جاء في سورة المؤمنون: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾؟

الجواب:


الشيخ: الحياة البرزخية، هي الحياة التي تكون بين موت الإنسان وقيام الساعة، والإنسان قد يقبر فيدفن في الأرض، وقد يلقى في البحر فتأكله الحيتان، وقد يلقى في اليم فتأكله الطيور والوحوش ومع ذلك فإن كل واحد من هؤلاء يناله من الحياة البرزخية ما يناله، وهي أعني الحياة البرزخية من عالم الغيب، فلولا أن الله ورسوله أخبرانا بما يكون فيها ما علمنا عنه، ولكن الله تعالى أخبرنا في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم أخبرنا في سنته بما لا نعلمه عن هذا الأمر، فالحياة البرزخية تكون فيها العذاب ويكون فيها النعيم، إما على الروح وحدها، أو تتصل بالبدن أحياناً، لكن هذا العذاب ليس من عالم الشهادة؛ ولهذا يعذب الإنسان في قبره ويضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، أو يفسح له في القبر وينعم فيه، ويفتح له باب من الجنة يأتيه من روحها ونعيمها، ولو أننا كشفنا القبر لوجدنا الميت كما وجدناه بالأمس لم تختلف أضلاعه، ولم نجد رائحة من روائح الجنة ولا شئ من هذا؛ لأن هذه الحياة حياة برزخية غير معلومة لنا، وليست من عالم الشهادة، وأضرب مثلاً يقرب ذلك بأن الإنسان النائم نائم عندك، وهو يرى في منامه أنه يذهب ويجئ ويبيع ويشتري ، ويصلي ويزور قريبا له، ويعود مريضا وهو في منامه مضطجع عندك، ما كأنه رأي شيئاً من ذلك، ومع ذلك هو يرى هكذا أيضاً الحياة البرزخية، الميت يرى فيها ما يرى، وينعم فيها ويعذب لكن في جانب الحس لا يشاهد شيئاً من هذا، وذلك أن النوم أخ الموت في الواقع، لكن الموت أشد وأعظم عمقاً في مثل هذه الأمور، والنفس لها تعلق بالبدن على وجوه أربعة، الأول: تعلقها بالبدن في حال الحمل، والثاني: تعلقها في حال الحياة الدنيا، وتعلقها في حال الحياة الدنيا يكون في حال اليقظة وفي حال النوم، ويختلف هذا عن هذا، والثالث: تعلقها بالبدن في البرزخ، والرابع: تعلقها بالبدن بعد البعث وهذا الأخير هو أكبر التعلقات، ولهذا لا تفارقه، أي لا تفارق الروح البدن لا بنوم ولا بموت، إذ لا موت بعد البعث ولا نوم، وإنما هي حياة دائمة حياة يقظة، لكن إما في نعيم دائم أسأل الله أن يجعلني والمستمعين منها، وإما في جحيم دائم والعياذ بالله: ﴿لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾، وأما أهل النعيم فهم في نعيم دائم فهذه أنواع تعلق الروح بالبدن، ولكل منها خاصية ليست في الأخرى. نعم.