حكم استعمال العطور التي فيها نسبة من الكحول
مدة الملف
حجم الملف :
2206 KB
عدد الزيارات 69003

السؤال:

 بارك الله فيكم. هذا السائل من جمهورية الصومال مقيم بالجماهيرية العربية الليبية م. م. ع. يقول: فضيلة الشيخ، هل يجوز للمسلم أن يتعطر بالعطر الذي فيه مادة الكحول؟

الجواب:


الشيخ: العطر الذي فيه مادة الكحول ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون مادة الكحول فيه يسيرة لا تؤثر شيئاً، مثل أن تكون خمسة في المائة ثلاثة في المائة واحد في المائة فهذا لا بأس أن يتعطر به؛ لأن هذه النسبة نسبةٌ ضئيلة لا تؤثر شيئاً. والقسم الثاني: أن تكون النسبة كبيرة كخمسين في المائة، فهذا النوع قد اختلف العلماء في جواز التعطر به، فمنهم من قال بجواز ذلك وقال: بأن هذا لم يتخذ للإسكار وإنما اتخذ للتطيب به، وقال أيضاً: إن الذي نتيقن أنه حرام هو شرب المسكر وهذا الرجل لم يشربه، واستدل لذلك بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ. وقال: إن هذا هو تعليل الحكم، أي: حكم التحريم، وهو أنه سببٌ لإيقاع العداوة والبغضاء والصد عن سبيل الله وعن الذكر، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وقال: إن هذا لا يوجد فيما إذا تطيب منه الإنسان. ومن العلماء من قال: لا يتطيب به؛ لعموم قوله: (فَاجْتَنِبُوهُ)، والذي أرى أنه لو تطيب به فإنه لا يأثم، ولكن الاحتياط أن لا يتطيب به والأطياب سواه كثير والحمد لله، هذا بالنسبة للتطيب به من عدمه. أما بالنسبة للطهارة والنجاسة فإن هذه العطورات التي بها الكحول طاهرة مهما كثرت النسبة فيها؛ لأن الخمر لا دلالة على نجاسته لا من القرآن ولا من السنة ولا من عمل الصحابة، وإذا لم يدل الدليل على نجاسته فالأصل الطهارة حتى يقوم دليلٌ على النجاسة، ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً، فقد يحرم الشيء وليس بنجس، فالأشياء الضارة حرام وإن لم تكن نجسة، فالسم مثلاً حرام وإن لم يكن نجساً، وأكل ما يزداد به المرض كالحلوى لمن به السكري حرام وليست بنجسة، بل قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن الطعام الحلال إذا كان الإنسان يخشى من التأذي به حيث يملأ بطنه كثيراً أو يخاف التخمة فإن هذا الطعام الحلال يكون حراماً، والمهم أنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً، فالخمر لا شك في تحريمه، لكن ليس بنجس؛ لأنه لا دليل على نجاسته، وقد علم السامع والمستمع أنه لا يلزم من التحريم أن يكون المحرم نجساً، بل هناك ما يدل على أنه ليس بنجس، أي: هناك دليل إيجابي على أنه ليس بنجس وهو ما ثبت في صحيح مسلم: «أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براويةٍ من خمر أهداها له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها حرمت والمحرم لا يجوز قبوله، بل يجب إتلافه، فتكلم رجلٌ من الصحابة مع صاحب الراوية بكلامٍ سر، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بم ساررته؟ قال: قلت: بعها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه -أو كما قال- فأخذ الرجل بأفواه الراوية فأراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم»، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها من هذا الخمر، ولو كانت نجسة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبها أن يغسلها، هذا دليل، ودليلٌ آخر أنه لما نزل تحريم الخمر أراق الصحابة خمورهم بأسواق المدينة، ولم ينقل عنهم أنهم غسلوا الأواني بعدها. نعم.