السؤال:
رسالة المستمع ع. ف. أبو صالح يقول: فضيلة الشيخ؛ أرجو إفادتي يا فضيلة الشيخ محمد وفقكم الله بما يحبه ويرضاه، هل صحيح أن للأرض حركتين أم لا؟ وهل في ذلك آيات تدل على ذلك أم العكس؟ ثم أفيدوني أين توجد الجنة والنار، وهل هناك آيات دالة على ذلك؟ وفقكم الله لكل خير ونفع بعلمكم جميع المسلمين، وأخيراً يا فضيلة الشيخ أخبرك بأنني أحبك في الله كثيراً وأنا من الذين يستمعون لكلامك كثيراً، سواء في الأشرطة أو من برنامج نور على الدرب، ومن الذين يقرءون ما تكتب في الكتب، فلكم مني جزيل الشكر بعد شكر الله عز وجل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب:
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ثم إني أشكر الأخ السائل على محبته لي في الله، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون ذلك حقيقةً، وأني ممن يحبُ ويُحب في الله عز وجل، وأسأل الله تعالى أن يحبه كما أحبني فيه، وأقول له ولمن يستمعوا إلى كلامي: إن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، فعلى الإنسان أن تكون محبته تابعةً لمحبة الله ورسوله؛ أي بأن يحب ما يحب الله ورسوله من الأقوال، والأعمال، والأحوال، والأزمان، والأمكنة، والأشخاص حتى يكون من أولياء الله عز وجل الذين يحبهم ويحبونه، أما ما يتعلق بسؤاله فإنه سأل عن عدة أشياء؛ سأل هل للأرض حركتان أم لا؟ وهل هناك آيات تدل على ذلك أما العكس؟ فأقول: إن البحث في هذا من أمور العلم وليس من الأمور العقبية التي يجب على الإنسان أن يحققها ويعمل فيها ويعمل بما تقتضيه الأدلة؛ ولهذا لم يبين هذا الأمر في القرآن الكريم على وجهٍ صريح لا يحتمل الجدل، فمن الناس من يقول: إن للأرض حركتين؛ حركة تختلف بها الفصول، وحركة أخرى يختلف بها الليل والنهار، ويقول: إن قول الله تعالى: ﴿وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم﴾ يدل على ذلك، ووجه الدلالة عنده أن نفي الميدان دليلٌ على أصل الحركة، إذا لو لم يكن أصل الحركة؛ إذ لو لم يكن أصل الحركة موجوداً لكان نفي الميدان لغواً من القول لا فائدة منه، ويقول: إن هذا دالٌ على كمال قدرة الله أن تكون هذه الأرض، وهي هذا الجرم الكبير تتحرك دون أن تميد بالناس وتضطرب مع أن الله عز وجل إذا شاء حركها، فحصلت الزلازل، والخسوفات، ومن العلماء من يقول: لا الأرض لا تتحرك؛ بل هي ثابتة؛ لقوله تبارك وتعالى: ﴿أم أمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور﴾ أي تضطرب ولقوله تعالى: ﴿الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً﴾ ولأن الله تعالى جعل الأرض قراراً يقر الناس عليه، وهذا ينافي أن تكون لها حركة، وأياً كان هذا أو هذا؛ فإن إشغال النفس بذلك ليس ذاك فيه ليس ذلك فيه فائدة، فيقال: إن كانت تتحرك، وهي في هذا القرار التام، فهذا دليلٌ على تمام قدرة الله عز وجل، وإن كانت لا تتحرك فالله تعالى هو الذي خلقها وجعلها ساكنةً لا تتحرك؛ لكن الشيء الذي أرى أنه لا بد منه هو أن نعتقد أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وهي التي يكون بها اختلاف الليل والنهار؛ لأن الله تعالى أضاف الطلوع والغروب إلى الشمس، فقال عز وجل: ﴿وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال﴾ فهذه أربعة أفعال أضيفت كلها إلى الشمس إذا طلعت وإذا غربت تزاور تقرض، كلها أفعال أضيفت إلى الشمس، والأصل أن الفعل لا يضاف إلا إلى فاعله، أو من قام به؛ أي من قام بهذا الفعل، فلا يقال: مات زيدٌ ويراد مات عمرو. ولا يقال: قام زيدٌ ويراد قام عمرو. فإذا طلعت وترى الشمس إذا طلعت ليس المعنى أن الأرض دارت حتى طلعت حتى رأينا الشمس؛ لأنه لو كانت الأرض هي التي تدور، وطلوع الشمس يختلف باختلاف الدوران لا تقول: إن الشمس طلعت؛ بل يقال: نحن طلعنا على الشمس، أو الأرض طلعت على الشمس، وكذلك قال الله تبارك وتعالى في قصة سليمان: إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت؛ أي الشمس بالحجاب، ولم يقل حتى توارى عنها بالحجاب. وقال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذر عند غروب الشمس: أتدري أين تذهب؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب فتسجد تحت العرش» فأضاف هذا إلى الشمس، فظاهر القرآن والسنة أن اختلاف الليل والنهار يكون بدوران الشمس على الأرض، وهذا هو الذي يجب أن نعتقده ما لم يوجد دليلٌ حسيٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرف النصوص عن ظواهرها إلى ما يوافق هذا النص القاطع؛ وذلك لأن الأصل في أقوال الله ورسوله أن تكون على ظاهرها حتى يقوم دليل قاطع على صرفها عن ظاهرها؛ لأننا يوم القيامة سنسئل على ما تقتضيه هذه النصوص بحسب الظاهر، والواجب علينا أن نعتقد ظاهرها، إلا إذا وجد دليلٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرفها عن هذا الظاهر، هذا هو الجواب عن السؤال الأول وأما قوله: أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟ فالجواب عليه أن نقول: الجنة في أعلى عليين، والنار في سجيل، وسجيل؛ في الأرض السفلى، كما جاء في الحديث الميت، إذا قبض يقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في سجيل في الأرض السفلى، وأما الجنة فإنها فوق في أعلى عليين، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن عرش الرب جل وعلا هو سقف جنة الفردوس جعلنا الله تعالى من أهلها.