العزاء على الميت
مدة الملف
حجم الملف :
1793 KB
عدد الزيارات 4190

السؤال:

 كيف يكون العزاء على الميت؟

الجواب:


الشيخ: العزاء على الميت هو أن يذكر للإنسان المصاب بالميت ما يكون به تقوية له على الصبر، وتحمل المصيبة، وأحسن ما يعزى به ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته حين أصيب طفل لها، فقال عليه الصلاة والسلام لرسول أرسلته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شي عنده بأجل مسمى. مُرها فلتصبر، ولتحتسب. هذا أحسن ما يعزى به المصاب، وأن عزاه بغير ذلك من العبارة التي تفيد تصبير الرجل على المصيبة وتحميله للصبر عليها، فإن ذلك لا بأس به، لكن المحافظة على ما جاء في السنة أولى من غيرها، ثم إن العزاء ليس بالأمر الذي يعتبر شيئاً لازماً، بحيث تفتح له الأبواب، وتشعل له الأضواء، وتقام له الكراسي، وتصنع له الأطعمة، فإن هذا كله من البدع المحدثة التي ينهى عنها؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعدون صنع الطعام والاجتماع عليه عند أهل الميت من النياحة، والنياحة محرمة، بل من كبائر الذنوب؛ لذلك نرى أن التعزية المشروعة أنك متى وجدت المصاب في البيت، أو في السوق، أو في المسجد إذا كان من أهل السوق والمسجد فرأيته محزوناً أن تصبره، وأن تقول له: اصبر، واحتسب، فلله ما أخذ وما أعطى وكل شي عنده بأجل مسمى، وما كان فلن يتغير عن ما كان، وهذه الدنيا كل راحل عنها. وما أشبه ذلك من الكلمات التي تجعله أن يتحمل هذه المصيبة، وأما ما أشرت إليه مما يفعله بعض الناس في العزاء ويقيمونه كأنما يقيمون ليالي العرس، فإن هذا بدعة منكرة، لا سيما أنه يحصل أحياناً اجتماع مختلط، وأحياناً يحصل على قارئ يأجرونه أن يقرأ على روح الميت يتزعمون وهو في الحقيقة لا ينتفع الميت بقراءته؛ لأن هذا القارئ غالباً إنما يقرأ بالفلوس، ومن قرأ بالفلوس فلا ثواب له؛ لأن ما يرد به وجه الله إذا أريدت به الدنيا فإنه باطل قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فنصيحتي لإخواني الذين اعتادوا هذه العادة السيئة أن يتوبوا إلى الله عزَّ وجلَّ، وأن يغلقوا أبوابهم، وأن لا يفتحوا لأحد، كما أنصح إخواني الذين يأتون من بعيد، يتوافدون على أهل الميت؛ لإقامة العزاء كما زعموا، أنصحهم أن لا يحركوا ساكناً، وأن يبقوا في بلادهم، وأن يتصلوا على المصابين بالهاتف، ويعزوهم، أو يكتبوا لهم رسائل يعزونهم بها، وأما هذه الوفود الجياشة التي تأتي من كل مكان فهي في الحقيقة تعب بدني ومالي وديني؛ لأنه اجتماع على غير أمر مشروع، بل على أمر محدث، فهل كان الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعون له بإحسان هل كانوا يقيمون مثل هذا العزاء، هذه سيرهم بين أيدينا لم يكونوا يفعلون ذلك قط، وإنما هذا أمر محدث، ولا يبعد أن يكون سببه استعمار النصارى لبعض البلاد الإسلامية، فإن النصارى وغيرهم من الكفار يرون أن هذه المصائب مصائب مادية محضة، فيريدون أن يسلوا أنفسهم بمثل هذه الاجتماعات عن التفكير فيها، لكن المؤمن لا يتسلى بمثل هذه الأمور، المؤمن يتسلى بإيمانه، يتسلى بتوكله على الله، واعتماده عليه، يتسلى برضاه بقضائه وقدره، يتسلى بأمور معنوية روحية ليست مادية محضة، كما يفعل الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، لكن تلقفها بعض الناس وأخذوا بها، ثم صارت عادة، ونسأل الله لنا ولإخواننا أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.