حكم كشف المرأة لوجهها وكفيها وهل يعاقب الزوج على ذلك ؟
عدد الزيارات 141094

السؤال:

 ما حكم كشف وجه المرأة وكفيها وهل على الزوج عقوبة إذا تركها كاشفة الوجه والكفين أرجو الإفادة؟

الجواب:


الشيخ: القول الراجح في هذه المسألة: وجوب ستر الوجه عن الرجال الأجانب؛ لقول الله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنّ﴾ إلى آخر الآية، ولقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾. ولحديث أم عطية رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يخرج النساء إلى صلاة العيد حتى الحيض وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوة المسلمين، وسئل عليه الصلاة والسلام عن المرأة ليس لها جلباب، فقال عليه الصلاة والسلام: أن تلبسها أختها من جلبابها، ولأدلة أخرى مذكورة في الكتب المعنية في هذه المسألة، ولأن إخراج المرأة وجهها فتنة يفتتن بها من في قلبه مرض، وهي أشد فتنة من أن يسمع الإنسان خلال امرأة مستور في لباسها، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ فإذا كانت المرأة تنهى عن تضرب برجلها؛ خوفاً من أن يعلم ما تخفي من زينتها، فما بالك بفعل الوجه أليس هذا أعظم فتنة وأشد خطراً، والشريعة الإسلامية شريعة منتظمة لا تتناقض، ولا يمكن أن تمنع شيئاً وتحل شيئاً أولى منه في الحكم، والشريعة الإسلامية جاءت بمراعاة المصالح ودرء المفاسد، ولا يرتاب عاقل أن المرأة لو أخرجت وجهها، فإنه يترتب على ذلك مفاسد كثيرة منها في غيرها ومن غيرها لها فإنه إذا أذن لها بأن تخرج الوجه فلا تخرجه، هكذا سوف تدخل عليه من التحسينات في العين والشفتين والخدين ما يوجب الفتنة الكبرى من النظر إليها وما وراءها، ثم لو فرض أنها تحاشت ذلك كله وأخرجت نصف الوجه فإن ذلك فتنة يفتتن به من في قلبه مرض، ولهذا أذن الله للقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، ففرق سبحانه وتعالى بين القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً؛ لكبرهن وتحول وجوههن إلى وجوه لا يحصل بها الفتنة، وبين غيرهن، وأن الإنسان ليعجب إذا قال: إنه يجب على المرأة أن تستر قدمها، ولا يجب عليها أن تستر وجهها وكفيها، فإنه على فرض أنه لم ترد النصوص من وجوب تغطية الوجه، فإن من أقرَّ بوجوب ستر القدم يلزمه أن يقول بوجوب ستر الوجه والكفين؛ لأنهما أولى بالستر من ستر القدمين، وهذا أمر إذا تأمله الإنسان وجد أنه لا يسوق القول بجواز كشف الوجه مع منع تحريم كشف القدم، لما في ذلك من التنقل الظاهر، بقي أن يقال: إن كشف الوجه تحتاج المرأة إليه للنظر في طريقها، والجواب على ذلك، أو الجواب عن ذلك أن يقال: إن الذين أجازوا كشف الوجه لم يقيدوا ذلك بحاجة، بل أجازوا لها أن تكشف وجهها ولو كانت جالسة في مكانها، ثم إن الحاجة تزول باستعمال النقاب الذي كان معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة المحرمة: لا تنتقب المرأة فإنه دليل على أن من عادتهم النقاب، ومعلوم أن المرأة إذا تنقبت من جبهتها إلى عينيها فتحتين بقدر الحاجة إنها سترى الطريق، ولكن يبقى النظر أيضاً في مسألة النقاب، فإن النقاب وإن كان جائزاً في الأصل لكننا نرى أن بعض النساء والعياذ بالله يتوسعن فيهن وصارت تجمل عينيها بالكحل الفاتن، ثم تفتح نقاباً أوسع من عينيها بحيث تظهر الحواجب، وربما تظهر الجبهة عظامها، وربما والنساء لقلة صبرهن ونقصهن لا يقفن على حد في هذه الأمور، فلو قيل: بمنع النقاب من باب سد الذرائع، لكان له وجه؛ لأن سد الذرائع مبدأ شرعي دل عليه الكتاب كتاب الله عزَّ وجلَّ، ودلت عليه السنة ودلت عليه سيرة الخلفاء الراشدين، ففي الكتاب يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾. فمنع الله تعالى عن سبِّ المشركين مع أنه مطلوب شرعاً سداً للذريعة إلى سب الله عزِّ وجلَّ، وفي السنة أحاديث كثيرة تدل على درء المفاسد ومنع الوسائل إليها، والذرائع؛ ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن بيع رطب التمر: أينقص أجره؟ قالوا: نعم. ونهى عن ذلك وأما سيرة الخلفاء الراشدين في سد الذرائع فمنها إلزام عمر رضي الله عنه في الطلاق الثلاث إذا طلق الرجل زوجه ثلاثاً، فإنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر يكون واحدة، ثم إنه رأى الناس قد تأجلوا في هذا الأمر واستعجلوا ما فيه لهم أناة، فألزمهم بالطلاق الثلاث، ومنعهم من الرجوع إلى زوجاتهم من أجل أن ينتهوا عما استعجلوا فيه، فنجد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منعهم منه، وهو حق لهم، وهو الرجوع إلى زوجاتهم من أجل سد الذريعة من الطلاق الثلاثة الذي يستعجلون به أناة لهم، فإذا منعنا من النقاب، فإننا لا نمنعه على أنه حرام شرعاً، وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله ورسوله، ولكن نمنعه؛ لأنه ذريعة إذا ما يتحول إليه من الفتنة، والزيادة عما أحل الله عزَّ وجلَّ، أما بالنسبة إلى الزوج  كما وقع في السؤال فعليه أن يمنع زوجته من كشف وجهها ما دام يرى أنه محرم، أو أنه سبب للفتنة، والزوج قد يراه من تحدث الناس عن زوجته، فيقول: ما أجمل زوجة فلان، أو ما أقبح زوجة فلان، ولا يرضى أحد أن تكون زوجته محلاً للحديث في المجالس، يتحدثون في قبحها إن كانت قبيحة في نظرهم، أو عن جمالها إن كانت جميلة في نظرهم، وهذه أيضاً من الحكم التي تكون في ستر الوجه أن الإنسان يسلم هو وأهله من أن يكون حديث المجالس.