السؤال:
من العادات والتقاليد في مدينتنا عند ختم كتاب الله يأتون بأنواع من الأكل والشراب هل هذا ثابت في السنة أو هي بدعة؟ وهل توجد بدعة حسنة وبدعة سيئة؟
الجواب:
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، لا يشرع شيئاً من مثل هذا عند ختم كتاب الله عزَّ وجلَّ، فلا يشرع في حفلات، ولا طعام، ولا غيره، فلو قرأ الإنسان القرآن كله، ثم أراد عند ختمه أن يصنع وليمة يدعو إليها الناس، أو أن يتصدق بطعام على الفقراء، أو أن يعمل حفلة كلمات وخطب، فإن هذا كله ليس من السنة، وإذا لم يكن من السنة وصنع بمناسبة دينية؛ وهي ختم القرآن، فإنه يكون من البدع، وقد قال أعلم الخلق بشريعة الله وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق بلاغة ونطقاً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل بدعة ضلالة». كل بدعة، وكل للعموم ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم بدعة من البدع تكون حسنة، وبهذه الكلية الجامعة المانعة نعلم أن تقسيم البدع إلى بدعة سيئة وبدعة حسنة خطأ عظيم، وقول على الله بلا علم، فليس هناك بدعة تكون حسنة أبداً، ومن ظن أن من البدع ما يكون حسناً، فإن ذلك على وجهين؛ الوجه الأول: أن يكون ظنه أنه حسنة ليس بصحيح؛ لأنه متى تحققنا أنها بدعة، فإنها سيئة، الوجه الثاني: أن يكون ظنه أن بدعة خطأ، فهو يظن أنها بدعة، وليست ببدعة، أما إذا تحققنا أنها بدعة، فإننا نتحقق أنها سيئة، وليست حسنة، هذا هو ما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة من كلام سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة». وتقسيم بعض العلماء البدع إلى بدعة سيئة وبدعة حسنة يتنزل على ما قلت آنفاً؛ وهو أنه إنما يكون هذا الشيء بدعة، وفي ظنه أنه بدعة، وإما أن يكون هذا الشيء ليس بحسن، وفي ظنه أنه حسن، أما مع تيقن أن هذا الشيء بدعة، فإنه لن يكون حسناً أبداً، فإن قال قائل: أليس قد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في رمضان على إمام واحد أليس قد قال: نعمة البدع هذه. فنقول: بلى قال هكذا. لكن هل أراد عمر أنها بدعة في دين الله؟ لا ما أراد هذا، وعمر من أشد الناس تمسكاً بالسنة وتحرياً لها، لكنه أراد بأنها بدعة بالنسبة إلى ما قبلها من الزمن فقط، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في رمضان ليلتين أو ثلاثا يصلي بهم جماعة، ثم ترك ذلك خوفاً من أن تفرض على أمته، فشرع الصلاة على ا لجماعة في قيام رمضان، لكن تركه خوفاً من مشترك أعظم؛ وهي إلزام الناس بهذه الصلاة جماعة، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من هذه المضرة؛ وهي إلزام الناس بهذا القيام؛ لأنه انقطع الوحي، أمر بذلك لكن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم تدم طويلاً؛ إذ أنها سنتان وأشهر، وكان رضي الله عنه مشغولاً بأحوال الجهاد وتنظيم الأمة الإسلامية بعد أن حصل ما حصل من بعضهم من مخالفات في.. بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما كان زمن عمر، وانتفت الموانع، وتفرغ الناس بعض الشيء خرج ذات يوم رضي الله عنه، فوجد الناس يصلون أوزاعاً؛ يصلي الرجل وحده، والرجلان والثلاثة، فرأى رضي الله عنه أن يجمع الناس على إمام واحد، فجمع على إمام واحد، ثم خرج ذات ليلة وهم مجتمعون على إمامين يصلون بإمامين، فقال: نعم البدعة هذه، إن هي بدعة، إذن هي بدعة باعتبار ما سبق من الزمن، وليست بدعة باعتبار مشروعيتها، إذ أن مشروعيتها قد ثبتت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيكون إطلاق البدع عليها إطلاقاً نسبياً؛ أي أنها بدعة بالنسبة إلى ما سبقها من الزمن، وبه ينقطع الحبل الذي تمسك به أهل البدع وابتدعوا في دين الله ما ليس منه، وشرعوا في دين الله ما لم يأذن به، واحتجوا بمثل هذه العبارة التي لها وجه غير الوجه الذي يريدونه، وتوجيهها إلى الوجه الذي قلته، فهو الموافق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة»، إذ لا يليق بأمير أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يثني على بدعة وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالضلالة بأنها نعم البدعة هي، ولقد انفتحت أبواب من الشرور، وبدع من قبل المحظور بهذه الحجة؛ وهي تقسيم بعض العلماء عفا الله عنهم، وغفر لهم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، ولو أننا تمسكنا بقول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة، لكان أحرى بنا أن نكون أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لو قسمنا البدعة إلى حسنة وسيئة.