هل في القرآن أحرف زائدة ؟
مدة الملف
حجم الملف :
3326 KB
عدد الزيارات 9684

السؤال:

المستمع خالد من الرياض يقول: نقرأ كثيراً في كتب التفاسير عن الحرف الزائد في القرآن مثل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، فيقولون بأن الكاف زائدة، قال لي أحد الإخوة: ليس في القرآن شيء اسمه زائد أو ناقص أو مجاز، فإن كان الأمر كذلك فما القول في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾، ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾؟

الجواب:


الشيخ: نعم، الجواب أن نقول: إن القرآن ليس فيه شيء زائد إذا أردنا بالزائد ما لا فائدة فيه، فإن كل حرف في القرآن فيه فائدة.
أما إذا أردنا بالزائد ما لو حذف لاستقام الكلام بدونه فهذا موجود في القرآن، ولكن وجوده يكون أفصح وأبلغ؛ وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، فالباء هنا نقول: إنها زائدة في الإعراب، ولو لم تكن موجودة في الكلام لاستقام الكلام بدونها، ولكن وجودها فيه فائدة، وهو زيادة تأكيد نفي، أي نفي أن يكون الله ظالماً للعباد.
وهكذا جميع حروف الزيادة، ذكر أهل البلاغة أنها تفيد التوكيد في أي كلام كان. ولهذا نقول: إن الباء في مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، أو الكاف في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾؛ إنها زائدة زائدة، كيف نقول: زائدة؟ نقول: هي زائدة من (زاد) اللازم، لا من (زاد) المتعدي؛ وذلك لأن (زاد) تكون ناقصة، وتكون متعدية، فمثلاً: إذا قلت: زاد الماء حتى وصل إلى أعلى البئر، فهذه الزيادة غير متعدية، بمعنى أن الفعل فيها ناقص لا ينصب المفعول به، وإذا قلت: زادك الله من فضله، كان الفعل هنا متعدياً فيكون مفيداً فائدة غير الفاعل: فنقول: هذا الحرف زائد، يعني هو بنفسه زائد لو حذف لاستقام الكلام بدونه، زائد أي: زائد معنىً بوجوده. أقول: في القرآن حروف زائدة، بمعنى إنها لو حذفت لاستقام الكلام بدونها؛ ولكنها مفيدة معنىً ازداد به الكلام بلاغة، وهو التوكيد. وأما قوله: ليس في القرآن مجاز، فنعم ليس في القرآن مجاز؛ وذلك لأن من أبرز علامات المجاز كما ذكره أهل البلاغة صحة نفيه، وليس في القرآن شيء يصح نفيه، وتفسير هذه الجملة أن من أبرز علامات المجاز صحة نفيه أنك لو قلت: رأيت أسداً يحمل سيفاً بتاراً، فكلمة (أسد) هنا يراد بها الرجل الشجاع، ولو نفيتها عن هذا الرجل الشجاع وقلت: هذا ليس بأسد لكان نفيك صحيحاً، فإن هذا الرجل ليس بأسد حقاً. فإذا قلنا: إن في القرآن مجازاً استلزم ذلك أن في القرآن ما يجوز نفيه ورفعه، ومعلوم أنه لا يجرؤ أحد على أن يقول: إن في القرآن شيئاً يصح نفيه، وبذلك علم أنه ليس في القرآن مجاز، بل إن اللغة العربية الفصحى كلها ليس فيها مجاز، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم ، وأطنب في الكلام على هذه المسألة شيخ الإسلام في الإيمان و ابن القيم في الصواعق المرسلة، فمن أحب أن يراجعهما فليفعل. وأما قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ التي كنا فيها﴾ ما الذي يفهم السامع من هذا الخطاب؟ سيكون الجواب: يفهم منه أن المسألة لأهل القرية كلهم، ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم من هذا الخطاب أن نسأل القرية التي هي مجتمع القوم ومساكنهم أبداً، بل بمجرد ما يقول: (اسأل القرية) ينصب الفهم والذهن أن المراد: اسأل أهل القرية، وعبر بالقرية عنهم كأنهم يقولون: اسأل كل من فيها.
وكذلك قوله: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾، فإنه لا يمكن لأي عاقل أن يفهم من هذا الخطاب أن العجل نفسه صار في القلب، وإنما يفهم منه أن حب هذا العجل أشرب في القلوب حتى كأن العجل نفسه حل في قلوبهم، وهذا فيه من المبالغة ما هو ظاهر، أعني في مبالغة هؤلاء في حبهم للعجل، والأمر هذا ظاهر جداً، فكل ما يفهم من ظاهر الكلام فهو حقيقته. فلتفهم هذا أيها الأخ الكريم، أن كل ما يفيده ظاهر الكلام فهو حقيقته، ويختلف ذلك باختلاف السياق والقرائن، فكلمة القرية مثلاً استعملت في موضع نعلم أن المراد بها أهل القرية، واستعملت في موضع نعلم أن المراد بها القرية التي هي مساكن القوم؛ ففي قوله تعالى: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ لاشك أن المراد بذلك أهل القرية؛ لأن القرية نفسها -وهي المساكن- لا توصف بالظلم. وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾. لا شك أن المراد بالقرية هنا المساكن، ولذلك أضيفت لها أهل، فتأمل الآن أن القرية جاءت في سياق لا يفهم السامع منها أن المراد بها أهل القرية، وجاءت في سياق آخر لا يفهم السامع منها إلا المساكن..
مساكن القوم، وكل ما يتبادر من الكلام فإنه ظاهره وحقيقته. وبهذا يندفع عنا ضلال كثير حصل بتأويل، بل بتحريف الكلم عن مواضعه بادعاء المجاز، فما ذهب أهل البدع في نفيهم لصفات الله عز وجل جميعها أو أكثرها، بل بنفيهم حتى الأسماء، إلا بهذا السلم الذي هو المجاز. نعم.