تفسير قوله تعالى : " حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ.. "
مدة الملف
حجم الملف :
2697 KB
عدد الزيارات 3318

السؤال:

بارك الله فيكم، أيضاً يسأل عن الآية الكريمة: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾.

الجواب:


الشيخ: هذه الآية جزء من آية كريمة ذكرها الله عز وجل في سورة يونس في قوله: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾، ففي هذه الآية الكريمة يضرب الله المثل، مثل الدنيا وما فيها من الزخارف والزهوة والزينة وغيرها، يضربه الله بماء أنزله من السماء إلى أرض يابسة هامدة، فاختلط به نبات الأرض، أي: أنبتت هذه الأرض من كل زوج بهيج، ومن كل صنف، واختلط النبات بعضه ببعض لوفرته ونموه، ﴿مما يأكل الناس والأنعام﴾ أي: من طعام الآدميين، وطعام البهائم، والثمار التي يأكلها الآدميون، والزروع هكذا، حتى أصبحت بهجة للناظرين، ولما أخذت الأرض زخرفها، وازينت، وطابت ثمارها، ونضجت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها، وأنهم سوف يجنونها عن قرب، وبكل سهولة، أتاها أمر الله تعالى إما ليلاً وإما نهاراً، رياح عاصفة، أو ثلوج، أو صواعق، أو غير ذلك مما أهلكها ودمرها، فكانت حصيدا كأن لم تغن بالأمس، أي: كأن لم تكن موجودة على ذلك الوجه البهيج الذي يسر الناظر، أصبحت حصيداً هامداً، هكذا الحياة الدنيا، تزهو لصاحبها، وتتطور، ويصبح صاحبها كأنه لن يموت، كأنه سيبقى فيها لما حصل له من الغرور في هذه الدنيا، ثم بعد ذلك يفجأه الموت، فإذا هو ذاهب، وإذا المال مبعثر في الورثة، وكل ما كان كأن لم يكن، والله عز وجل إنما ضرب هذا المثل لئلا نغتر بالدنيا، لأجل أن نحترز منها ومن غرورها، وألا نقدمها على الآخرة، لأنها فانية زائلة، لا خير فيها إلا ما كان عوناً على طاعة الله سبحانه وتعالى، ولهذا أعقب ذلك المثل بقوله: ﴿والله يدعو إلى دار السلام﴾، أي: إلى الجنة التي هي دار السلام، السالمة من كل نقص، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفيها النعيم المقيم، التي من دخلها ينعم، ولا ييأس، ويصح، ولا يمرض، ويحيى، ولا يموت، وهم في سرور دائم، وفي نعيم مقيم، فانظر أيها الإنسان وقارن بين دار السلام السالمة من كل آفة، وبين الدنيا التي مهما تطورت وازدهرت وازدانت أنها عند التمام يكون الفناء، واعتبر يا أخي ببقائك في هذه الدنيا، فإن عمل الآخرة أقل وأهون وأكثر فائدة، والنتيجة من عمل الدنيا، وأنا أضرب لك مثلاً واحداً يكفيك عن غيره من الأمثال، أنفقت درهماً في سبيل الله، درهماً واحداً في سبيل الله عز وجل، ابتغاء مرضاته، هذا الدرهم يضاعف إلى عشرة أمثاله، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، الدرهم يكون عشرة، والعشرة تكون إلى سبعمائة، إلى أضعاف كثيرة لا يحصيها إلا الله عز وجل، وأنت لم تعمل عملاً شاقاً، غاية ما هنالك أنك أوصلت هذا الدرهم إلى مستحقه ابتغاء وجه الله، لكن انظر إلى الدنيا، تجوب الفيافي، وتضرب الأخطار من أجل أن تربح خمسة دراهم في العشرة، أو أقل من خمسة دراهم في العشرة مع المشقة والعناء، وربما لا تربح أيضاً، أي العملين أهون، وأي العمل أكثر فائدة، وأعظم نتيجة، وأضمن، وأسلم؟ أعتقد أن الجواب هو أن عمل الآخرة أهون وأسهل وأعظم نتيجة وأوثق، كذلك تصلي في بيتك، يكتب لك أجر، تصلي في المسجد، يضاعف لك الأجر، فصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، عمل يسير، والربح كثير، الناس الآن لو قيل لهم: إنكم تربحون الواحد بخمسة لذهب الإنسان إلى بلاد بعيدة من أجل هذا الربح القليل الذي قد يكون مضموناًَ وقد يكون غير مضمون، لكنه لا يذهب إلى المسجد إلا من هدى الله عز وجل، مع أن الربح مضمون، وبهذا يتبين حكمة صياغ قوله تعالى: ﴿والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ بعد ذكر مثل الحياة الدنيا وما تئول إليه، وتأمل قوله تعالى: ﴿والله يدعو إلى دار السلام﴾ حيث عمم في الدعوة، من أن الله تعالى يدعو كل أحد إلى دار السلام، ولكنه في الهداية قال: ﴿ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾، فليس كل من سمع دعوة الله أجاب الدعوة، ولكن يجيبها من وفقه الله عز وجل وهداه إلى صراط مستقيم، اللهم نسألك أن تهدينا وإخواننا المسلمين صراطك المستقيم.