الآيات الدالة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم
مدة الملف
حجم الملف :
3384 KB
عدد الزيارات 1410

السؤال:

بارك الله فيكم، المستمع إبراهيم محمد من السودان، الفاشر، يسأل يا فضيلة الشيخ ويقول: أحاط المسلمون بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في بعض الخوارق والمعجزات، أنا أسأل وأقول: ما مدى صحة هذه المعجزات، وهل وردت في أحاديث كثيرة، ثم ألا ترون أن هذه المعجزات تنزهه عن آدميته، نرجو منكم إفادة، بارك الله فيكم؟

الجواب:


الشيخ: المعجزة عند أهل العلم هي أمر خارق للعادة، يظهره الله سبحانه وتعالى على يد الرسول تأييداً له، وقد سماها أكثر أهل العلم بالمعجزات، والأولى أن تسمى بالآيات، التي هي العلامات على صدق الرسول، وصحة ما جاء به، كما سماها الله عز وجل بذلك، وهي أبين وأظهر من المعجزات، أي: من هذا اللفظ، فالأولى أن يسمى معجزات الأنبياء بآيات الأنبياء، والآيات التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم آيات كثيرة، حسية ومعنوية، عرضية وأفقية، أخلاقية وعملية، فهي متنوعة، وأعظمها وأبينها كتاب الله عز وجل كما قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، ومن آيات الرسول عليه الصلاة والسلام الأفقية أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغثنا. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، فقال: «اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. قال أنس- وهو راوي الحديث-: وما والله في السماء من سحاب، ولا قذعة، أي: قطعة غيم، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، وسلع جبل معروف في المدينة تخطو نحوه السحب، قال أنس: فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ورعدت، وبرقت، ثم أمطرت، فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر ينزل أسبوعاً كاملاًَ، وفي الجمعة الثانية دخل الرجل، فقال: يا رسول الله، غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله أن يمسكه عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: اللهم حوالينا، ولا علينا، اللهم على الآكام، والضراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر» وجعل يشير صلى الله عليه وسلم إلى النواحي، فما أشار إلى ناحية إلا انفرجت، فخرج الناس يمشون في الشمس، ومن أراد المزيد من ذلك فليرجع إلى ما كتبه الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتاب البداية والنهاية، وإلى ما ذكره من قبله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الجواب الصحيح من بدل دين المسيح، وكتب غيرهما كثير من أهل العلم في هذه الناحية، وآيات الأنبياء فيها ثلاثة فوائد، الأولى: الدلالة على ما تقتضيه من صفات الله عز وجل والقدرة والحكمة والرحمة وغير ذلك. الثانية: تأييد الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبيان أنهم صادقون فيما جاءوا به. والثالثة: رحمة الخلق، فإن الخلق لو لم يشاهدوا هذه الآيات من الأنبياء لأنكروا وكذبوا، فتأتي هذه الآيات ليزدادوا طمأنينة، ويقبلوا ما جاءت به الرسل، ويذعنوا وينقادوا له، والله عليم حكيم. وأما قول
السائل: أفلا تكون هذه الآيات مجردة له عن الأحوال البشرية؟ فإننا نقول له: لا هذه الآيات لا تخرجه عن كونه بشراً، ولهذا لما سها النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، قال لهم: «إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون»، يلحقه كما يلحق البشر من النسيان وغير النسيان أيضاً، إلا أنه صلى الله عليه وسلم تميز عن غيره، وبما أوجب عليه الله تعالى من مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، من البر، والكرم، والجود، والشجاعة، مما كان غيره من الرسالة، والله أعلم، وليعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولا يملك شيئاً نفعاً ولا ضراً، ولا يملك ذلك لغيره أيضاً، فقد قال الله له: ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إليَّ﴾، وقال الله له: ﴿قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ﴾، وبهذه يتبين أن دعوى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن استنجد به بعد وفاته، واستغاث به، فإنه على ضلال مبين، قد صرف الأمر إلى غير أهله، فإن الأهل بذلك، أي: بالدعاء، من استغاث هو برب العالمين عز وجل، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾، فيا أخي المسلم، لا تدعُ غير الله، فما بك من نعمة فمن الله عز وجل، وإذا مسك الضر فلا تلجأ إلا إلى الله عز وجل، فمن يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، أإله مع الله؟ لا، لا إله إلا الله الذي يكشف السوء، ويجيب المضطر إذا دعاه، ويجعل من يشاء خلفاء الأرض، فاتق الله في نفسك، وضع الحق في نصابه، ولا تغل في دينك غير الحق، فتكن مشابهاً لأهل الكتاب اليهود والنصارى.