صفة الحج
مدة الملف
حجم الملف :
11133 KB
عدد الزيارات 3154

الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء التاسع والتسعون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس عشر من شهر ذي القعدة عام (1419هـ).

نبتدئ هذا اللقاء بالكلام عن صفة الحج والعمرة؛ لأن اللقاء السابق كان الكلام عن شروط وجوب الحج، أما هذا اللقاء فسنخصصه عن صفة الحج والعمرة.

إذا وصل الإنسان إلى الميقات فإنه مخير بين ثلاثة أنساك:

التمتع، والقران، والإفراد.

التمتع: هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، فإذا كان اليوم الثامن أحرم بالحج وسبق الكلام على العمرة.

القران: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً، فمن حين أن يحرم من الميقات يقول: لبيك عمرة وحجاً.

والإفراد: أن يحرم بالحج وحده، فيقول عند الميقات: لبيك حجاً.

والقارن والمفرد سواء في الأفعال: يحرم من الميقات ولا يحل إلا يوم العيد، لكن يختلف كل شخص عن الآخر بأن القارن يحصل له حجٌ وعمرة، والمفرد ليس له إلا حج، والقارن عليه هدي، والمفرد ليس عليه هدي.

نتكلم الآن عن الحج: إذا كان يوم الثامن أحرم الإنسان بالحج من مكانه الذي هو فيه، إن كان في مكة فمن مكة، وإن كان في منى فمن منى، وإن كان في أي مكان يحرم من مكانه، ويغتسل، ويتطيب، ويلبس ثياب الإحرام كما فعل في العمرة، لكنه يقول: لبيك حجاً.

فإذا أحرم من المكان الذي هو فيه، خرج إلى منى، فنزل فيها من ضحى اليوم الثامن، وصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، قصراً بلا جمع.

فإذا طلعت الشمس في اليوم التاسع من ذي الحجة ارتحل إلى عرفة، فينزل بمكان يقال له: نمرة، إن تيسر له هذا إلى أن تزول الشمس، فإن لم يتيسر فليستمر في سيره إلى عرفة فينزل في مكانه، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً بأذانٍ واحد وإقامتين، وينبغي أن يصلي مع الإمام في مسجد نمرة إن تيسر، فإن لم يتيسر فليستمع إلى الخطبة، والاستماع إلى الخطبة في وقتنا الحاضر سهل والحمد لله، ما عليه إلا أن يفتح الراديو ويستمع إلى الخطبة كأنما هو تحت المنبر، فإذا فرغ الإمام من الخطبة وهو في خيمته أذن لصلاة الظهر ثم صلى الظهر ركعتين، ثم العصر ركعتين، وبعد هذا يتفرغ للدعاء، والذكر، وقراءة القرآن.

ومن المعلوم أن الإنسان يحتاج إلى أكل فليأكل، وينوِ بأكله هذا التقوي على الذكر والطاعة، فيكون هذا الأكل قربةً إلى الله عز وجل، ثم ربما يحتاج إلى النوم أيضاً؛ لأن النفوس الآن ضعيفة والهمة ضعيفة ربما لا يتمكن أن يبقى يدعو إلى غروب الشمس، فلينم ولا حرج، وينوي بنومه نفض التعب السابق وتجديد القوة للاحق، فيستعين بهذا النوم على الذكر والدعاء، ثم في آخر النهار لا يشغله إلا بالدعاء والذكر، ربما يمل الإنسان -أيضاً- من الذكر، أو الدعاء، فليتخذ طريقة تيسر عليه الأمر، ليأخذ المصحف ويقرأ، فإذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية وعيد تعوذ، وإذا مر بآية تسبيح سبح، والقرآن كله إما وعيد، أو وعد، أو تسبيح، أو أحكام، فهذا مما يعينه على الذكر والدعاء في هذا الوقت فليفعل هذا، لا على أساس أنه يتقرب إلى الله تعالى بالقرآن في هذا الوقت، لا، إنما على أساس أن يستعين به على الذكر والدعاء حتى تغرب الشمس.

وليجتهد في الدعاء والإلحاح على الله عز وجل في هذا اليوم؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف رافعاً يديه متجهاً إلى القبلة حتى غابت الشمس، فإذا غابت الشمس دفع إلى مزدلفة ملبياً، فإذا وصلها نزل فيها وصلى المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، في أي الصلاتين القصر؟ العشاء، فالمغرب لا تقصر، فيصليهما جمعاً، ويبيت هناك.

ولا يحيي هذه الليلة بصلاة، ولا قرآن، ولا ذكر، بل السنة أن ينام ليعطي نفسه راحتها؛ لأنه تعب فيما سبق، وسيتعب فيما يلحق، فيعطي نفسه الراحة، فإذا طلع الفجر صلى الفجر مبكراً، في هذه الليلة يصلي الوتر مع العشاء، أو إذا قدر له أن من عادته أن يقوم في آخر الليل أخرها إلى آخر الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً، وإن كان الوتر لم يذكر في حديث جابر رضي الله عنه، لكن عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع ما دام عندنا قاعدة من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام: أنه لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً يدخل في هذه الليلة، فإذا طلع الفجر أذن وصلى سنة الفجر ثم صلى صلاة الفجر، ثم يبقى في مكانه يدعو الله تبارك وتعالى إلى أن يسفر جداً حتى يتبين الإسفار بياناً واضحاً، إن تيسر أن يقوم عند المشعر فهذا المطلوب وإلا في مكانه، ثم يدفع من مزدلفة متجهاً إلى منى، ولا يقف إلا عند جمرة العقبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما دفع من مزدلفة لم يحط رحله حتى رمى جمرة العقبة، فيبدأ أول شيء برمي جمرة العقبة.

قال أهل العلم: ورمي جمرة العقبة بالنسبة لمنى كصلاة الركعتين بالنسبة لداخل المسجد، ولهذا يسمونها تحية منى، يرمي بها سبع حصيات، يكبر مع كل حصاة كلما رمى قال: الله أكبر، وإن شاء كبر مع الرمي وإن شاء كبر قبل الرمي ثم رمى، الأمر في هذا واسع، المهم أنه يكبر مع كل حصاة، ومن أين يأخذ الحصى؟ يأخذها من أي مكان كان، ولا يسن أن يقصد أخذها من مزدلفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأخذها من مزدلفة ولا أمر بأخذها من مزدلفة، يأخذها من حيث شاء، إما من طريقه وهو ذاهب إلى الجمرة، أو من عند الجمرة، وقد ذكر ابن حزم رحمه الله في منسكه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر ابن عباس أن يلقط له الحصى وهو واقفٌ عند جمرة العقبة. وأما استحباب أخذ الحصى من مزدلفة فليس عليه دليل، إلا أن بعض السلف قال: ينبغي أن يأخذ من مزدلفة من أجل ألا يحبسه حابس عن بدء الرمي من حين يصل إلى منى -أي: أنه قد لا يتهيأ للإنسان أن يحصل على الحصى من حين أن يصل إلى منى- ولكنه ليس بسنة، فيرمي جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم ينصرف فيذبح الهدي، ثم يحلق رأسه، ويلبس الثياب، ويتطيب، ويحل له كل شيءٍ من محظورات الإحرام إلا النساء.

ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة، ويسعى سعي الحج، وطواف الإفاضة هو طواف الحج، وهو ركن في الحج، وإذا طاف وسعى بعد فعل ما سبق حلَّ له كل شيء حتى النساء، أين يصلي الظهر؟ إن تيسر أن يصلي في مكة بعد أن يطوف ويسعى فهذا خير، وإن لم يتيسر صلى في أي مكان؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «جعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً».

ثم يرجع إلى منى ويبيت بها ليلة الحادي عشر، فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر رمى الجمرات الثلاث: الأولى والوسطى والعقبة، يرمي الأولى بسبع حصياتٍ متعاقباتٍ يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً حتى لا يصيبه الحصى ويتأذى بالزحام ويقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، ثم يرمي الوسطى كالأولى ويقف بعدها فيدعو، ثم يرمي العقبة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة في الجميع ولا يقف بعدها ينصرف إلى رحله، ويبيت ليلة الثاني عشر. فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني عشر رمى الجمرات الثلاث كما رماها في اليوم الذي قبله، ثم إن شاء تعجل وخرج من منى، وإن شاء بقي إلى اليوم الثالث فيبيت في منى ليلة الثالث عشر ويرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال كما رماها في اليومين قبلهما، وبهذا تم الحج.

فإذا أراد أن يرجع إلى بلده لا بد أن يطوف للوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يكون آخر عهد الإنسان الطواف بالبيت، فيطوف للوداع، ولا يمكث بعده بل ينصرف إلى بلده، هذه خلاصة صفة الحج.

مسائل في الحج:جواز الإحرام بالحج قبل اليوم الثامن: 

مسألة:

لو أحرم بالحج قبل اليوم الثامن فهل هذا جائز؟

الجواب: نعم. يجوز، لكن الأفضل ألا يحرم إلا في اليوم الثامن للحج.

الإحرام بالحج في اليوم التاسع: 

مسألة: لو أخر الإحرام إلى اليوم التاسع فهل يجوز؟

الجواب: نعم يجوز، لكنه خالف السنة وحرم نفسه الأجر؛ لأن السنة أن يحرم في اليوم الثامن، وحرم نفسه الأجر؛ لأنه لو أحرم في اليوم الثامن لبقي من إحرامه إلى اليوم التاسع على عبادة، فيفوت نفسه هذا الأجر، وكثير من الناس يتكاسل ولا يحرم إلا في اليوم التاسع وهذا حرمانٌ بلا شك.فالأفضل أن يحرم في اليوم الثامن.

وصول الحاج عرفة وقت العصر: 

مسألة: لو لم يصل إلى عرفة إلا في العصر هل يجوز؟

الجواب: نعم يجوز.

مسألة: لو لم يصل فيها إلا في الليل؟

الجواب: يجوز إلى طلوع الفجر من يوم العيد، كل هذا وقت الوقوف، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأله عروة بن مضرس وقال: إنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وقد وافاه في صلاة الفجر «من وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه».

حكم الدفع من عرفة قبل الغروب وبعده: 

مسألة: لو دفع من عرفة قبل الغروب، لكان ذلك حرام عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخر الدفع من عرفة إلى غروب الشمس، وقال: «خذوا عني مناسككم» ولو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لدفع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الغروب؛ لأنه أيسر على الناس، إذ أن النهار باقٍ فهو أهون على الناس.

مسألة: لو أنه دفع عن عرفة قبل غروب الشمس قلنا: إن هذا حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تأخر إلى غروب الشمس، ولو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لدفع؛ لأنه في النهار أوضح وأبين، لا سيما في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث لا كهرباء، ولا أنوار إلا نور القمر.

مسألة: لو تأخر في الدفع من عرفة ولم يدفع إلا بعد ساعتين من الغروب كان ذلك جائزاً ولكنه خلاف السنة.

السنة منذ الغروب أن يمشي يدفع من عرفة، لو حبسه الزحام ولم يصل إلى مزدلفة إلا متأخراً فلا حرج، لكن إن خاف أن ينتصف الليل قبل الوصول إلى مزدلفة وجب عليه أن يصلي المغرب والعشاء ولو في الطريق؛ لأن وقت العشاء إلى منتصف الليل، فمن أخرها إلى منتصف الليل فقد صلاها في غير وقتها، كمن أخر الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدد وقت العشاء بنصف الليل.

ومن قال من أهل العلم: إن وقتها يمتد إلى طلوع الفجر للضرورة فلا دليل عنده؛ لأن الأحاديث صريحة: بأن وقت العشاء إلى منصف الليل، والقرآن الكريم يدل عليه، فقد قال الله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء:78] أو إلى طلوع الفجر؟ إلى غسق الليل، هذه أربعة أوقات متقاربة، من زوال الشمس إلى منتصف الليل كلها أوقات للصلوات متقاربة، إذا دخل وقت الظهر بالزوال وخرج دخل وقت العصر مباشرة، إذا غابت الشمس انتهى وقت العصر ودخل وقت المغرب، وإذا غاب الشفق انتهى وقت المغرب ودخل وقت العشاء، وإذا دخل وقت العشاء ينتهي إلى غسق الليل وهو ظلمته وأشد ظلمة أن يكون الليل عند منتصفه، وما بعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً للصلاة المفروضة، كما أن ما بين طلوع الشمس وزوال الشمس ليس وقتاً للصلاة المفروضة.

المهم إذا خفت أن ينتصف الليل قبل أن تصل إلى مزدلفة وجب عليك أن تصلي ولو في الطريق، توقف السيارة وتصلي، ولا يمكن أن تؤخر.

الدفع من مزدلفة قبل الفجر:

مسألة: لو دفع من مزدلفة قبل الفجر فهل يجوز؟

الجواب: يجوز لمن يشق عليه مزاحمة الناس من صغير وكبير، أي: شيخ كبير، ومريض، ونساء، كل هؤلاء يجوز لهم، وإذا عللنا بالزحام أمكن أن نقول: كل أحد يمكنه أن يدفع في آخر الليل في الوقت الحاضر؛ لأن الزحام الذي يكاد يكون مهلكاً موجود حتى للشباب، وعلى هذا نرخص في الدفع من مزدلفة في آخر الليل ما دام الزحام شديداً.

ما يفعله الحاج في منى: 

مسألة: إذا وصل إلى منى يفعل:

أولاً: الرمي.

ثانياً: الذبح.

ثالثاً: الحلق.

رابعاً: الطواف.

خامساً: السعي.

تقديم أعمال اليوم العاشر بعضها على بعض: 

مسألة: لو أنه قدم بعضها على بعض فهل يجوز؟

الجواب: نعم يجوز، أفتى بذلك إمام المفتين محمدٌ صلى الله عليه وسلم فما سئل عن شيءٍ قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: «افعل ولا حرج» ولم يقل: افعل ولا تعد، ولما أسرع أبو بكرة ليدرك الركعة قال: «زادك الله حرصاً ولا تعد» فلو كان الترتيب واجباً يسقط بالجهل لقال النبي صلى الله عليه وسلم: افعل ولا تعد، بل قال: «افعل ولا حرج» وهذا من رحمة الله عز وجل؛ لأن الناس إذا كان الأمر مفتوحاً صار بعض الناس يمشي من مزدلفة إلى مكة ليطوف ويسعى، ثم يرجع ويرمي، أو بعض الناس يرمي ثم ينزل إلى مكة قبل الذبح والحلق، أو بعض الناس يرمي ثم يحلق ليحل التحلل الأول وينحر وهو لابسٌ ثيابه، المهم أن هذا من رحمة الله والحمد لله، ومن سعة علم الله؛ لأنه جل وعلا علم أن إيجاب الترتيب فيه مشقة على الناس.

فالأكمل الترتيب ولكن للإنسان رخصة أن يبدأ بما شاء.

حكم السعي قبل الطواف: 

مسألة: هل يبدأ بالسعي قبل الطواف؟

الجواب: نعم؛ لأن هذا ورد بإسنادٍ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: "سعيت قبل أن أطوف؟ قال: «لا حرج» والإنسان قد يحتاج إلى السعي قبل الطواف، مثل: أن يدخل إلى مكة ويجد المطاف مزدحماً شديداً ويقول: أسعى لعله يخف المطاف، وربما يقول: أسعى لأجل أن أؤخر الطواف إذا أردت أن أسافر، فإذا أخر الطواف من أجل أن يجعله عند السفر، وطاف طواف الإفاضة عند السفر أجزأه عن طواف الوداع.

رمي الجمرات بعد الغروب: 

مسألة: لو رمى الجمرات بعد الغروب أيجزئ أم لا؟

الجواب: نعم يجزئ، له إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقَّت أول الرمي ولم يوقِّت آخره، فدل هذا على أن الأمر واسع، وحددناه بطلوع الفجر قياساً على الوقوف بعرفة؛ لأن الوقوف بعرفة ينتهي بطلوع الفجر.

حكم رمي الجمرات قبل الزوال: 

مسألة: لو رمى في أيام التشريق الجمرات الثلاث قبل الزوال، أو بدأ ولو بحصاةٍ واحدة قبل الزوال فهل يجزئ؟

الجواب: لا. لا يجزئ، لا في يوم الحادي عشر ولا في اليوم الثاني عشر، ولا في اليوم الثالث عشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال وقال: «لتأخذوا عني مناسككم» ولأنه كان يتحين ويرتقب زوال الشمس، ومن حين أن تزول يرمي قبل أن يصلي الظهر، مما يدل على شدة تحريه للزوال حتى يبادر، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولرخص فيه للضعفاء كما رخص في الرمي قبل طلوع الشمس يوم العيد؛ لأنه لو قدمه قبل الزوال أيهما أيسر: قبل الزوال في الفراغ، أو بعد الزوال في شدة الحر؟ قبل الزوال، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين اثنين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لأجازه للأمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم، ولا تغتر بمن يفتي بالرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر محتجاً بأن هذا أرفق بالناس؛ لأننا نقول في الجواب: لست أرفق من الله ورسوله ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128] ولو كان هذا جائزاً لأجازه.

فإذا قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يدرك هذا الزحام الشديد، وهذا العنف من بعض الحجاج وهذا الغشم! قلنا: ولكن الله يعلم ذلك، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لأباحه الله عز وجل للضرورة كما أباح الميتة للضرورة، فلا يغتر مغترٌ بفتوى أحد من السابقين، أو اللاحقين (الهدى مقدمٌ على الهوى) الهدى مقدم على قول كل أحد، والهدى ما جاء به الكتاب والسنة.

فإذا قال قائل: هل يكون زحام شديد إذا أخرنا الرمي في اليوم الثاني عشر إلى ما بعد الزوال؟

قلنا: نعم. سيكون زحامٌ شديد عند الزوال -يعني: بعد الزوال مباشرة- لكن في آخر النهار يخف، ثم إذا قدر أنه بقي الزحام إلى الغروب ارم بعد الغروب وامشِ؛ لأنك متعجل، والله عز وجل يقول: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة:203] لكن عجزت ما استطعت أن أرمي في اليومين، فيكون تأخير الرمي إن لم يكن أداءً فهو قضاءٌ للضرورة، فنقول: لا حرج، أنت تأهب واذهب وإذا حبسك حابسٌ من زحام السيارات، أو حابسٌ من زحام الناس عند الجمرة فارم ولو بعد الغروب، واستمر في خروجك من منى.

بهذا علمنا أن المسألة ما هي إلا من فعل الناس لا باعتبار الواقع، من فعل الناس وهو أنهم يزدحمون عند الزوال لينفروا، ولكن لو أنهم تأنوا وانتهزوا الفرصة ما حصل هذا، فالأمر والحمد لله واسع.

حكم الرمي بعد طواف الوداع: 

مسألة: لو أن الإنسان طاف للوداع قبل أن يرمي آخر يوم ثم رجع ورمى هل يجزئه الوداع أم لا؟

الجواب: لا يجزئه، يجب أن يعيد الطواف؛ لأن الواجب في طواف الوداع أن يكون آخر شيء، وهذا إذا طاف ثم رجع ورمى آخر شيء هو الرمي، فلا يجوز أن يطوف للوداع قبل أن يرمي.

اللبث في مكة بعد طواف الوداع: 

مسألة: بعد طواف الوداع هل يجوز أن يمكث في مكة؟

لا، إلا إذا حبسه حابس، إما أصيب بمرض فذهب إلى المستشفى، أو جلس ينتظر أصحابه، -رفقته- أو جلس وقف إلى صاحب الدكان يشتري أغراضاً للسفر، أو هدايا للأهل فلا بأس، حتى لو طال انتظاره للرفقة فلا بأس، مثل أن يطوف للوداع ويذهب إلى المنزل ينتظره، والرفقة ضاع عنهم واحد وجلسوا ينتظرونه وبقوا ساعة، أو ساعتين، أو أكثر فلا حاجة إلى إعادة الطواف، يكفي الطواف الأول؛ لأنه إنما بقي في مكة لعذر.

أنواع الوقفات في الحج: 

مسألة: في الحج ست وقفات:

الوقوف بعرفة، وفي مزدلفة، وبعد الجمرة الأولى في أيام التشريق، وبعد الجمرة الوسطى، وعلى الصفا، وعلى المروة، ست وقفات، لكن أعظم هذه الوقفات وأهمها هو الوقوف بعرفة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الحج عرفة».

زيارة الحاج للمدينة النبوية: 

مسألة: هل من كمال الحج أن يزور الإنسان المدينة؟

الجواب: لا، ليس من واجبات الحج، ولا من مسنونات الحج، ولا علاقة بينه وبين الحج، لكن العلماء يذكرونه بعد الحج؛ لأن في زمانهم كان يصعب على الإنسان أن يسافر من بلده إلى مكة في الحج ثم يستأنف السفر إلى المدينة، فصاروا يذكرونه من أجل أن يكون السفر واحداً، وإلا فلا علاقة له بالحج.