أصناف الناس في قضاء الإجازة
مدة الملف
حجم الملف :
4270 KB
عدد الزيارات 2400

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الإنسان إذا فعل خطأ عن تأويل وعذر، فإنه ليس بخاطئ وإن كان مخطئاً، والفرق بين الخاطئ والمخطئ أن الخاطئ مرتكب الخطأ عن عمد، والمخطئ مرتكب الخطأ عن تأويل وعذر، وعلى كل حال فإني أعتذر حيث إنني لم أنبه قبل الأحد الماضي على أن يكون موعد اللقاء على ما كان عليه، وهو السبت الثالث من كل شهر، وإنني بهذه المناسبة، أقول: إنه ينبغي للإنسان إذا عمل عملاً أن يثبته، وألا يغيره إلا لسبب شرعي يوجب التغيير؛ لأن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا عمل عملاً أثبته، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل» ولأن الإنسان إذا أثبت العمل لم تختل قاعدته عند الناس، ولم يكن له كل يوم رأي، فينتفع الناس به، وترسخ أقدامهم على ما كان عليه، وهذه الليلة هي ليلة الأحد الرابع والعشرين من شهر المحرم، عام خمسة عشر وأربعمائة وألف، والإجازة على الأبواب، ويا ليت شعري: كيف نمضي وقت هذه الإجازة؟
الصنف الأول: أهل السفر إلى الخارج:
والناس يختلفون في إمضاء هذا الوقت، منهم من يمضيه في السفر إلى الخارج إلى بلاد أجنبية، إلى بلاد الكفر والعياذ بالله، يذهب هو وأهله إلى تلك البلاد فيحصل بذلك من المفاسد الشيء الكثير:

أولاً: إضاعة الأموال الكثيرة من تذاكر السفر، ومئونة الفنادق، وغير ذلك من الأموال الطائلة الهائلة.

ثانياً: إنه قد لا يسلم من انحراف عقدي، أو انحراف خلقي وإن سلم هو، فربما تبقى الصورة في أذهان الصغار، صورة تلك البلاد التي لا يسمع فيها أذان، ولا تقام فيها جماعة، وليس فيها مساجد، ليس فيها إلا الكنائس، أو صوامع اليهود، ولا يسمع فيها إلا نواقيس النصارى وأبواق اليهود، ربما ترتسم هذه الصورة في ذهن الصغير ولا ينساها أبداً، وفكروا أنتم في أنفسكم، فالشيء الذي شاهدتموه وأنتم صغار يبقى مرتسماً في أذهانكم ولا يزول، ومن مفاسد السفر إلى الخارج أنه يبعد الإنسان عن أهله وقرابته وإخوانه وأصحابه، وقد يحتاجون إليه في يوم من الأيام، أو يحتاج هو إليهم في يوم الأيام، ومن مفاسد السفر إلى الخارج تلك المفسدة الفادحة إذا ذهب الإنسان وليس معه أهله، فإنه قد يغريه الشيطان بارتكاب الفاحشة، وهي الزنا والعياذ بالله، أو يغتر بقول من قال من العلماء: إنه يجوز للغريب أن يتزوج بنية أن يطلق إذا سافر إلى وطنه، والعلماء الذين قالوا بهذا القول، لا يقولون: إنه يجوز للإنسان أن يسافر ليتزوج، مع أن بعض الذين لا يخافون الله اتخذوا من هذا القول وسيلة إلى أن يسافروا ليتزوجوا مدة بقائهم في البلاد التي سافروا إليها، ولقد حكي لنا أن الرجل يذهب إلى هناك ويتزوج المرأة لمدة أسبوع، ثم يطلقها ويتزوج أخرى، ويتزوج في الشهر الواحد أربعاً أو خمساً، نسأل الله العافية، مع أنه لا يجوز للإنسان أن يجمع بين أكثر من أربع نساء، والمطلقة الرجعية في حكم الزوجة، لا يمكن أن يتزوج خامسة حتى تنقضي عدة الرابعة إذا طلقها، والمسألة خطيرة، هذا حال قسم من الناس مع هذه الإجازة، يذهبون إلى البلاد الخارجية ويحصل لهم من الشر والفساد ما الله به عليه.
الصنف الثاني: أهل العمرة والزيارة:
قسم آخر على العكس من ذلك، يذهبون إلى مكة ثم إلى المدينة، يذهبون إلى المسجد الحرام يؤدون العمرة، ويصلون في المسجد الحرام، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» وقال -عليه الصلاة والسلام-: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» وأخبر -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، فإذا ذهبت مثلاً إلى هناك، وصليت الجمعة في المسجد الحرام، تكون الجمعة الواحدة بمائة ألف جمعة، عمر طويل تكسبه، ثم إذا ذهبت إلى مكة والمدينة، فأنت لم تخرج فلوسك عن وطنك، فما خسرت من الفلوس فقد أنفقتها في وطنك، ونفعت بها إخوانك المسلمين.
الصنف الثالث: أهل حفظ القرآن:
وقسم من الناس يستغل الإجازة بحفظ القرآن الكريم في هذه الإجازة ما لا يحفظه في أيام الدراسة، لأنه سيتفرغ تفرغاً كاملاً.
الصنف الرابع: أهل طلب العلم:
ومن الناس من يستغل هذه الإجازة في طلب العلم عند العلماء، فيختار من العلماء من يرى أنه أعلم وأوثق فيتعلم عنده، ويحصل له في هذه الإجازة من العلم والبركة ما لا يحصل في غيرها، أي في أوقات الدراسة النظامية.
الصنف الخامس: في مساعدة الأهل:
ومن الناس من يستغل هذه الإجازة في مساعدة أهله، إن كانوا أهل فلاحة ففي الفلاحة، وإن كانوا أهل تجارة ففي التجارة فيستفيد ويفيد، ومن الناس من يستغل هذه الإجازة في قتل الوقت، وعدم الانتفاع به، فتجده يتسكع في الأسواق، ويسهر على الأرصفة، ولا يهتم بشيء وكأنه أطلق من قيد، من أجل أن يمرح ويسرح بدون فائدة، والذي أوصي به الشباب خاصة وسائر الناس عامة أن ينتهزوا الفرصة وألا يضيعوا من الوقت دقيقة واحدة إلا فيما فيه مصلحة ومنفعة، وإذا قدر أن الإنسان لا يملك أن يجلس عند أحد من العلماء يتعلم، وكان قد حفظ القرآن مثلاً، فليأخذ متناً من المتون الحديثية أو الفقهية أو العقدية يتحفظه، فإن لم يتمكن من ذلك، فليراجع الدروس المستقبلة التي سيدرسها في السنة القادمة حتى يحصل على خير كثير، والنفس وما اعتادت، إذا اعتاد الإنسان التسكع في الأسواق، وذهاب العمر سدى فإنه لن يكون جاداً بعد ذلك، وإذا اعتاد أن يكون جاداً في جميع أحواله، سهل عليه الجد في جميع أحواله، نظراً لقصر الليل واحتياج الناس إلى الراحة والمراجعة في هذه الأيام فإني أقتصر على هذا الجزء لنراجع بعض الأسئلة، ونسأل الله لكم ولنا التوفيق والسداد.