تفسير آيات من سورة الشمس
مدة الملف
حجم الملف :
3162 KB
عدد الزيارات 1557

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والسبعون من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو العاشر من شهر ربيع الثاني عام (1415هـ) نتكلم فيه على أول سورة الشمس، حيث قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ۞ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ۞ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ۞ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ۞ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ۞ وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ۞ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا...﴾ [الشمس:1-7] إلى آخره.

تفسير قوله تعالى: (والشمس وضحاها):

أما البسملة فلا نعيد الكلام عليها؛ لأنه معروف ومتكرر، لكن نبدأ بالآيات في قول الله -تعالى-: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ [الشمس:1]، أقسم الله تعالى بالشمس وضحاها وهو ضوءها لما في ذلك من الآيات العظيمة الدالة على كمال قدرة الله -سبحانه وتعالى- وكمال علمه ورحمته، فإن في هذه الشمس من الآيات ما لا يدركه بعض الناس، وأضرب لكم مثلاً: إذا طلعت الشمس فكم توفر على العالم من طاقة كهربائية؟ توفر آلاف الملايين؛ لأنهم يستغنون بها عن هذه الطاقة، وكم يحصل للأرض من حرارتها من نضج الثمار وطيب الأشجار ما لا يعلمه إلا الله -عز وجل- ويحصل فيها فوائد كثيرة لا أستطيع أن أعدها؛ لأن غالبها يتعلق في علم الفلك، وعلم الأرض، والجيولوجيا، ولا أستطيع أن أعدها لكنها من آيات الله العظيمة.

تفسير قوله تعالى: (والقمر إذا تلاها):

قال تعالى: ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا﴾ [الشمس:2] قيل: إذا تلاها في السير، وقيل: إذا تلاها في الإضاءة، وما دامت الآية تحتمل هذا وهذا فإن القاعدة في علم التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين وجب الأخذ بهما جميعاً، لأن الأخذ بالمعنيين جميعاً أوسع للمعنى، فنقول: إذا تلاها في السير؛ لأن القمر يتأخر كل يوم عن الشمس، فبينما تجده في أول الشهر قريباً منها في المغرب إذا هو في نصف الشهر أبعد ما يكون عنها في المشرق؛ لأنه يتأخر كل يوم، أو إذا تلاها في الإضاءة؛ لأنها إذا غابت بدا ضوء القمر لا سيما في الربع الثاني إلى نهاية الربع الثالث فإن ضوء القمر يكون بيناً واضحاً يعني: إذا مضى سبعة أيام وبقي سبعة أيام يكون الضوء ضعيفاً، ثم إذا مضى سبعة أيام إلى أن يبقى سبعة أيام يكون الضوء قوياً وأما في السبعة الأولى والأخيرة فيكون الضوء ضعيفاً، وعلى كل حال فإن إضاءة القمر لا تكون إلا بعد ذهاب ضوء الشمس كما هو الظاهر، فيكون الله أقسم بالشمس لأنها آية النهار، وأقسم بالقمر لكونه آية الليل.

تفسير قوله تعالى: (والنهار إذا جلاها ...):

قال تعالى: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ۞ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ [الشمس:3-4]: تضاد، النهار إذا جلى الأرض وبينها ووضحها بأنه نهار تبين به الأشياء وتتضح، ﴿والليل إذا يغشاها﴾: يغطي الأرض حتى يكون كالعباءة المفروشة على شيء من الأشياء، وهذا يتضح جلياً فيما إذا غابت الشمس وأنت في الطائرة تجد أن الأرض سوداء تحتك؛ لأنك الآن تشاهد الشمس لارتفاعك، لكن الأرض التي تحتك حيث غربت عليها الشمس تجدها سوداء كأنها مغطاة بعباءة سوداء وهذا معنى قوله: ﴿والليل إذا يغشاها﴾.

تفسير قوله تعالى: (والسماء وما بناها):

قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ۞ وَالأَرْضِ﴾ [الشمس:5-6]  السماء والأرض متقابلات. ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ۞ وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ۞ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ [الشمس:5-7]. ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ : قال المفسرون: إن (ما) هنا مصدرية أي: والسماء وبنائها، لأن السماء عظيمة بارتفاعها وسعتها وقوتها وغير ذلك مما هو من آيات الله فيها، وكذلك بناؤها بناء محكم كما قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ۞ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك:3-4].

تفسير قوله تعالى: (والأرض وما طحاها):

قال تعالى: ﴿وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾ [الشمس:6] أي: الأرض وما سواها حتى كانت مستوية، وحتى كانت ليست لينة جداً وليست قوية جداً صلبة، بل هي مناسبة للخلق على حسب ما تقوم به حوائجهم، وهذه من نعمة الله -سبحانه وتعالى- على عباده أن سوى لهم الأرض وجعلها ما بين اللين والخشونة إلا في مواضع، ولكن هذا القليل لا يحكم به على الكثير.

تفسير قوله تعالى: (ونفس وما سواها):

قال تعالى:﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾[الشمس:7]: نفس هنا وإن كانت واحدة لكن المراد العموم، أي: كل نفس ﴿وما سواها﴾ سواها خلقة وسواها فطرة: سواها خلقة حيث خلق كل شيء على الوجه الذي يناسبه ويناسب حاله، قال الله -تعالى-: ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [طه:50] أي: خلقه المناسب له:﴿ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه:50] أي: هداه لمصالحه. وكذلك سواه فطرة، ولا سيما البشر فإن الله -تعالى- جعل فطرتهم هي الإخلاص والتوحيد كما قال الله -تعالى- ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم:30].

تفسير قوله تعالى: (فألهمها فجورها وتقواها):

قال تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس:8] من الملهم؟ الله -عز وجل- ألهم هذه النفوس:﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ بدأ بالفجور قبل التقوى مع أن التقوى لا شك أفضل، قالوا: مراعاة لفواصل الآيات: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ ما هو الفجور؟ نقول: هو ما يقابل التقوى، والتقوى طاعة الله، إذاً؛ فالفجور معصية الله، فكل عاص فهو فاجر وإن كان الفاجر خص عرفاً بمن ليس بعفيف، لكن هو شرعاً يعم كل من خرج عن طاعة الله، كما قال تعالى:﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾ [المطففين:7] والمراد الكفار. وألهمها تقواها أي: التقوى، أيهما موافق للفطرة؟ الثاني أو الأول؟ الثاني؛ لأن الفجور خارج عن الفطرة، لكن قد يلهمه الله بعض النفوس لانحرافها؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف:5] والله -تعالى- لا يظلم أحداً، لكن من علم منه أنه يبغض الحق أزاغ الله قلبه، نسأل الله العافية.

تفسير قوله تعالى: (قد أفلح من زكاها):

قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۞ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس:9-10] ﴿قد أفلح﴾ أي: فاز بالمطلوب ونجا من المرهوب، ﴿من زكاها﴾ أي: من زكى نفسه، وليس المراد بالتزكية هنا التزكية المنهي عنها في قوله: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النجم:32] المراد بالتزكية هنا أن يزكي نفسه بالإخلاص من الشرك، وشوائب المعاصي، حتى تبقى زكية طاهرة نقية.

تفسير قوله تعالى: (وقد خاب من دساها):

قال تعالى: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس:10] أي: من أوردها المهالك والمعاصي، وهذا في الواقع يحتاج إلى دعاء الله سبحانه وتعالى أن يثبت الإنسان على طاعته بالقول الثابت، فعليك -يا أخي المسلم- دائماً أن تسأل الله الثبات، والعلم النافع، والعمل الصالح، فإن الله -تعالى- قال في كتابه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:186].

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الراشدين الصالحين المصلحين.