تفسير آيات من سورة الغاشية
مدة الملف
حجم الملف :
2650 KB
عدد الزيارات 1744

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فهذا لقاء الباب المفتوح الموفي ستين لقاءً من ابتدائه، وهو اللقاء الثاني من شهر محرم عام (1415هـ)، وهو اليوم السابع من الشهر.

تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناعمة): 

في هذا اللقاء نتكلم على قول الله ـ تبارك وتعالى ـ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ۞ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ۞ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ۞ لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً﴾ [الغاشية:8-11] إلى آخر الآيات. قسم الله ـ سبحانه وتعالى ـ الناس يوم القيامة إلى قسمين:

القسم الأول: وجوه خاشعة عاملة ناصبة، وسبق الكلام على ذلك.

القسم الثاني: وجوه ناعمة، أي: ناعمة بما أعطاها الله ـ عز وجل ـ من السرور ،والثواب الجزيل؛ لأنها علمت ذلك وهي في قبورها، فإن الإنسان في قبره يُنَعّم؛ يفتح له بابٌ إلى الجنة، فيأتيه من روحها، ونعيمها، فهي ناعمة.

تفسير قوله تعالى: (لسعيها راضية): 

قال تعالى: ﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ [الغاشية:9] أي: لعملها الذي عملته في الدنيا؛ لأنها وصلت به إلى هذا النعيم، وهذا السرور، وهذا الفرح، فهي راضية لسعيها بخلاف الوجوه الأولى، فإنها غاضبة ـ والعياذ بالله ـ وغير راضية على ما قدمت.

تفسير قوله تعالى: (في جنة عالية): 

قال تعالى: ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الغاشية:10] الجنة: هي دار النعيم التي أعدها الله ـ عز وجل ـ لأوليائه يوم القيامة؛ فيها ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت ،ولا خطر على قلب بشر، قال الله ـ تبارك وتعالى ـ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة:17]، وقال الله ـ تبارك وتعالى ـ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۞ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ۞ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ إلى قوله: أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ ۞ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون:1-11] ،وقال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الزخرف:71] فهم في جنة عالية، والعلو ضد السفول، فهي فوق السماوات السبع. ومن المعلوم أنه في يوم القيامة تزول السماوات السبع ،والأرضون، ولا يبقى إلا الجنة ،والنار، فهي عالية، وأعلاها ووسطها الفردوس الذي فوقه عرش الرب ـ جل وعلا ـ.

تفسير قوله تعالى: (لا تسمع فيها لاغية): 

قال تعالى: ﴿لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً﴾ [الغاشية:11] أي: لا تسمع في هذه الجنة قولة لاغية، أو نفساً لاغية، بل كل ما فيها جد، وسلام، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس -أي: إنه لا يشق عليهم ولا يتأثرون به- فهم دائماً في ذكر لله ـ عز وجل ـ وتسبيح ،وأنسٍ، وسرور، ويأتي بعضهم إلى بعض يزور بعضهم بعضاً، فهم في حبور لا نظير له، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.

تفسير قوله تعالى: (فيها عين جارية): 

قال تعالى: ﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ [الغاشية:12] ،وهذه العين بين الله ـ عز وجل ـ أنها أنهار ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً﴾ [محمد:15] (جارية) أي: تجري حيث أراد أهلها؛ لا تحتاج إلى حفر ساقية ،ولا إلى إقامة أخدود كما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:

أنهارها في غير أخدود جرت *** سبحان ممسكها عن الفيضان

 

تفسير قوله تعالى: (فيها سرر مرفوعة): 

قال تعالى: ﴿فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ۞ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ۞ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ۞ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ [الغاشية:13-16] انظر للتقابل: ﴿فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾ [الغاشية:13] عالية، يجلسون عليها، يتفكهون ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ [يس:56].

تفسير قوله تعالى: (وأكواب موضوعة): 

قال تعالى: ﴿وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ﴾[الغاشية:14] الأكواب جمع كوب وهو الكأس ،ونحوه ﴿مَوْضُوعَةٌ﴾ أي: ليست مرفوعة عنهم؛ بل هي موضوعة لهم متى شاءوا شربوا فيها من هذه الأنهار الأربعة التي سبق ذكرها.

تفسير قوله تعالى: (ونمارق مصفوفة): 

قال تعالى: ﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾ [الغاشية:15] النمارق: جمع نمرقة، وهي الوسادة ،و ما يُتكأ عليه، مصفوفة على أحسن وجه، تتلذذ العين بها قبل أن يلتذذ البدن بالاتكاء عليها.

تفسير قوله تعالى: (وزرابي مبثوثة): 

قال تعالى: ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ [الغاشية:16] الزرابي: أعلى أنواع الفرش  ﴿مَبْثُوثَةٌ﴾  منشورة في كل مكان، ولا تظنوا أن هذه النمارق، والأكواب، والسرر، والزرابي أنها تشبه ما في الدنيا؛ لأنها لو كانت تشبه ما في الدنيا لكنا نعلم نعيم الآخرة، ونعلم حقيقته، لكنها لا تشبه ما في الدنيا لقول الله ـ تعالى ـ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة:17]، فالأسماء واحدة، والحقائق مختلفة؛ ولهذا قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: [ليس في الآخرة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط] فنحن لا نعلم حقيقة هذه النعم المذكورة في الجنة، وإن كنا نشاهد ما يوافقها في الاسم في الدنيا، ولكن هناك فرق بين هذا وهذا. ثم قال تعالى: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية:17] ،ويكون ـ إن شاء الله ـ الكلام عليه في لقاء مقبل، والآن إلى الأسئلة.