حكم أخذ الفوائد الربوية لتسديد الضرائب الظالمة
مدة الملف
حجم الملف :
1954 KB
عدد الزيارات 11446

السؤال:

أنا من دولة إرتيريا، والحكومة هناك تضطهد المسلمين، وتفرض عليهم ضرائب أكثر من دخلهم، فالذي يكسب ألف ريال مثلاً تفرض عليه الحكومة عشرين ألف ريال ضرائب، وعندنا بنوك تتعامل بالربا، فهل يجوز لنا التعامل معها لتسديد تلك الضرائب من فوائدها؟ وهل يجوز لنا أن ندفع الزكاة في سداد هذه الضرائب، أم لا، أفيدونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب:

هذان سؤالان، ونجيب أولاً عن السؤال الثاني، فنقول:

أما دفع الزكاة في هذه الضرائب، فلا يجوز، ولا إشكال في ذلك؛ لأن الزكاة لها أهلها المختصون بها، وهم الذين ذكرهم الله في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة:60].

وأما أخذ الربا لدفعه في هذه الضرائب الظالمة، فأنا أرى أنه لا يجوز أيضاً؛ لأن الله قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۞ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ [البقرة:278-279]﴿رءوس أموالكم﴾ أي: بدون زيادة ﴿لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:279]. نعم، لو فرض أن عائدات هذه البنوك تعود إلى هذه الحكومة الظالمة، فهذا ربما يكون مسوغاً لأن تأخذ هذا الربا، لتدفع الظلم عن نفسك؛ لأنك سوف تأخذه من الدولة الظالمة لتدفع به ظلمها.

أما إذا كانت هذه البنوك لغير هذه الدولة الظالمة، فلا أرى جواز الأخذ، وإن كان بعض الناس يفتي بأن يأخذه الإنسان لا بنية التملك، ولكن بنية توقي صرفه إلى مؤسسات نصرانية؛ لأن بعض الناس يدعي أنك إن لم تأخذ هذا الربا، صرفته هذه البنوك في الدعوة إلى النصرانية التي يسمونها التبشير، ولا ندري هل هذا صحيح، أم لا؟

وعلى كل حال فخلاصة جوابي في هذه المسألة:

أنه لا يجوز أخذ الربا من البنوك؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۞ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:178-279] فنص على رءوس الأموال. ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبة عرفة ،في حجة الوداع، أكبر مجمع للأمة الإسلامية ،قال: «إن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله». فانظر: الآن عقد ربا في حال الشرك، وأبطله الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه لا يجوز أخذه؛ ولأن الإنسان لو أخذه فربما تغلبه نفسه،ولا يخرجه من ملكه، لا سيما إذا كان كثيراً، افرض أن الربا بلغ مليون ريال ،ربما يأخذه الإنسان، وهو يريد أن يتخلص منه، لكن تغلبه نفسه فيبقيه، ولأن الإنسان المسلم إذا أخذه اقتدى به غيره؛ لأنهم لا يدرون أن هذا الرجل أخذه ليتصدق به مثلاً، فيأخذه الناس الآخرون، ولا يتصدقون به، ولأننا إذا منعنا الناس عن أخذ الربا من البنوك، ألجأهم هذا إلى أن ينشئوا بنوكاً إسلامية تكون مبنية على الشريعة الإسلامية.

فالذي نرى: أن أخذ الربا لا يجوز بأي حال من الأحوال، إلا أننا نتوقف في هذه المسألة الأخيرة، وهي إذا كانت هذه البنوك الظالمة التي تفرض الضرائب على الناس، وأخذ الإنسان من الربا بقدر مظلمته، ليدفعه لهذه الدولة الظالمة، فهذا محل توقف عندي، والله أعلم بالصواب.