آيات الصيام في كتاب الله
مدة الملف
حجم الملف :
24704 KB
عدد الزيارات 18495

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإنها لمناسبة كبيرة جليلة أن نلتقي في هذا اللقاء المبارك الذي سماه أخونا الشيخ حمود بن عبد العزيز الصايغ محاضرة، والمقصود هو الفائدة، وسمها ما شئت: محاضرة، لقاءً مفتوحاً، غير مفتوح، سمها كما تحب والمهم هو الفائدة، هذا اللقاء في وقته مناسب، وفي مكانه مناسب: أما وقته فإنه باستقبال شهر رمضان المبارك، الذي أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يصومه ويقومه إيماناً واحتساباً، ويُغفر له ما تقدم من ذنبه. وأما مكانه ففي الجامع الكبير في مدينة عنيزة، الجامع القديم الذين هو أقدم الجوامع في هذا البلد فيما نعلم، ويقع هذا اللقاء ليلة الأحد الثالث والعشرين من شهر شعبان عام (1413هـ).

إن موضوع هذا اللقاء هو الكلام عن الصيام والقيام، وفي اللقاء الذي سيكون -إن شاء الله- دورياً في رمضان، سيكون الكلام عن الزكاة أيضاً، وقد طلب مني الأخ الشيخ حمود بن عبد العزيز الصايغ أن أقدم بين يدي الكلام تفسيراً موجزاً لآيات الصيام، وكان هذا قد وقع في قلبي من قبل، فإني قد هممت أن أتكلم على آيات الصيام في كتاب الله -عز وجل-؛ لأن خير ما يُربط به المؤمنون هو كتاب الله -عز وجل-؛ ولهذا ينبغي لكل فقيه ولكل محاضر ولكل داعية أن يربط الناس بكتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- لفوائد متعددة، منها: ربط الناس بالأصول؛ لأن أصول شريعتنا تنحصر في كتاب الله وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، والقياس والإجماع فرع عنهما؛ ولأن الناس إذا ربطوا بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- شعروا بأنهم يؤدون العبادات، ويقومون بالمعاملات، اتباعاً لإرشاد الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكون الإنسان يعتقد وهو يعمل العمل أنه متبع لكتاب الله ولسنة الرسول خيراً من كونه يعمله وهو يعتقد أنه آخذ بالكتاب الفلاني أو الكتاب الفلاني.

المقلدون تقليداً محضاً الذين يعتمدون على كتب الفقهاء دون الرجوع إلى الأصول من الكتاب والسنة، تجد الواحد منهم إذا عمل العمل يشعر بأنه مربوط بكلام العالم الذي قلده، لكن إذا حاولنا أن نربط الناس بكتاب الله وسنة الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان ذلك خيراً وأفضل، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يعلن في خطبة الجمعة يقول: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-» والذي أرجو من إخواني طلبة العلم والدعاة إلى الخير والمرشدين أن يلاحظوا هذه المسألة، وأن يربطوا الناس بكلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- حتى يعبد الناس ربهم وهم يشعرون بأنهم يفعلون ما يفعلون امتثالاً لأمر الله واتباعاً لسنة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولهذا نجد الصحابة والتابعين عندما يريد أحد منهم أن يتكلم يقول: لأن الله قال، لأن رسول الله قال، وهذا أمر مهم جداً.

وبناءً على ذلك أقول: إن الله تعالى في كتابه قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]. 

تأمل الخطاب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة:183] يخاطبنا الله -عز وجل- وينادينا باسم الإيمان أو بوصف الإيمان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة:183] إذاً نحن مؤمنون، فماذا تريد منا يا ربنا؟ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:183] كتب أي: فرض، وليس هذا الفرض تكليفاً لكم أنتم أيها الأمة وحدكم بل هو مكتوب على من قبلكم: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:183].

وفي قوله: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة:183] فائدتان:

الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة إذا أصابها ما يصيبها من الجوع والعطش بسبب الصيام، فإن الإنسان يتسلى بما يصيب غيره.

الفائدة الثانية: بيان أن الله استكمل لهذه الأمة الفضائل التي نالتها الأمم السابقة: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة:183] ولهذا كانت شريعتنا -ولله الحمد، نسأل الله أن يثبتنا عليها- متممة للشرائع السابقة حتى إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وصف رسالته بأنها كقصر تام البناء إلا موضع لبنة، فجعل الناس يطوفون بهذا القصر يدورون عليه ويتعجبون منه، إلا أنهم يقولون: هذا الموضع -موضع اللبنة- يعتبر ثلمة في القصر، ونقصاً فيه، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «فأنا اللبنة الذي تمم هذا القصر» ولهذا بعث -عليه الصلاة والسلام- ليتمم مكارم الأخلاق.

قوله تعالى: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:183] لماذا؟ هل لأجل أن نجوع ونعطش؟ لا، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183] أي: من أجل أن تتقوا الله، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجه في أن يدع طعامه وشرابه» ومن هنا يجب أن نشعر ونحن نصوم فنمسك عما أحل الله من الأكل والشرب والنكاح، نشعر بأننا نفعل هذا تعبداً لله وامتثالاً لأمره وتنفيذاً لفرضه، وأننا نتوسل بذلك ونتوصل إلى التقوى إلى اجتناب المحرمات والقيام بالواجبات.
أكثر الناس يظنون أن الصيام مجرد حبس النفس عن الأكل والشرب والنكاح، فتجدهم يقضون أوقات النهار بالنوم، أو العبث، أو اللعب، أو ما أشبه ذلك، وهذا خطأ، إذا صمت فليصم منك السمع والبصر واللسان والجوارح، اتق الله، تجنب محارم الله، قم بما أوجب الله عليك من الواجبات، صل مع الجماعة، أكثر من قراءة القرآن، أكثر من الصدقة، أكثر من الإحسان حتى تنال الحكمة التي من أجلها فرض الصوم.

ما هذا الصوم؟ هل هو أشهر؟ هل هو سنوات؟ هل هو أسابيع؟ استمع: ﴿أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة:184] لماذا قال: أياماً معدودات؟ لتقليلها وتهوينها على الإنسان، ليست شهوراً ولا سنين، ﴿أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة:184] قال: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:184] هذا تسهيل آخر، مع ذلك لا يجب على كل واحد أن يصوم، المريض الذي يشق عليه الصوم يفطر، ومتى يصوم؟ عدة من أيام أخر، المسافر ولو في الطائرة، ولو في سيارة مكيفة، ولو في أيام الشتاء يفطر تيسيراً: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:184]. ثم قال وهذا تسهيل ثالث: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة:184] هذا تسهيل ثالث أن الإنسان مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر وفدى، قال: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ [البقرة:184] أي: يستطيعون أن يصوموا، ﴿فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً﴾ [البقرة:184] ودفع الفدية ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾[البقرة:184] الصيام خير من الفدية، لكن كله جائز إن شئت فصم وإن شئت فأفطر وافدِ.

هذه ثلاثة تسهيلات:

الأول: أياماً معدودات.

الثاني: سقوط الصيام عن المسافر والمريض إلى أيام أخر.

الثالث: التخيير، إن شئت فصم وإن شئت فأفطر، ولكن إذا أفطرت فلا بد من الفدية ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً﴾ [البقرة:184] وأدى الفدية: ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:184].

ولكن هل هذه التخييرات الثلاثة بقيت؟ وهل الأيام بقيت مبهمة أي: أياماً معدودات -لا ندري قد تكون في شعبان، في رمضان، في رجب، في شوال، في ربيع، هل بقيت الأيام مبهمة؟ وهل بقي التخيير بين الصيام والفدية على ما هو عليه من التخيير؟ وهل بقي الترخيص للمريض والمسافر في الفطر؟ لننظر، اقرأ الآية التي بعدها: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة:185] هذه هي الأيام، إذاً الأيام المبهمة أولاً عينت في الآية الثانية بأنها شهر رمضان، ولماذا خص شهر رمضان؟ لماذا لم يكن الصوم في رجب؟ لماذا لم يكن في ذي القعدة؟ لماذا لم يكن في ذي الحجة؟ لماذا لم يكن في المحرم؟ هذه الأشهر الأربعة هي الحرم فلماذا لم يكن الصيام في الأشهر الحرم؟ لأن الأشهر الحرم جبين السنة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ [التوبة:36] لماذا لم يكن الصيام في أحد الأشهر الحرم؟ استمع: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ [البقرة:185] لماذا خص رمضان؟ ﴿الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة:185] فشهر حصلت فيه هذه البركة العظيمة جدير بأن يكون محل الصوم، ولهذا كان ارتباط القرآن بالصوم، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- ينزل عليه جبريل في كل رمضان يدارسه القرآن، ولا ينزل عليه في غيره من الشهور، ينزل عليه بالوحي لا بأس، لكن لا ينزل للمدارسة إلا في شهر رمضان، يدارسه القرآن كل سنة مرة، إلا في السنة التي توفي فيها دارسه إياه مرتين.

مفهوم الصيام:

نقول: ما هو الصيام؟ الصيام في اللغة: بمعنى الإمساك، يقال: صام فلان عن الكلام. أي: أمسك، ومنه قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً﴾ [مريم:26] أي: إمساكاً عن الكلام بدليل قوله: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً﴾ [مريم:26] هذا هو الصيام في اللغة، ومنه قول العامة عندنا: (صامت عليه الأرض) أي: أمسكته وحجبته، فالصوم الإمساك.

ولكن الصوم شرعاً: التعبد لله بترك الأكل، والشرب، والجماع، وجميع المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

التعبد لله: هذا الأمر الذي يجب أن نلحظه في التعاريف الشرعية، كثير من الفقهاء يقول لك: الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وما يفطر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا تعريف قاصر ليس فيه دعوة للروح، كذلك الصلاة عند الفقهاء: أقوال وأفعال معلومة، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وهذا تعريف قاصر أيضاً، قل الصلاة: التعبد لله بأقوال وأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، أقرن الناس بالعبادة.

من يجب عليه الصوم؟

السؤال:

من الذي يجب عليه الصوم؟

الجواب:

نقول: الذي يجب عليه الصوم ما استكمل شروطاً ستة: أن يكون مسلماً، بالغاً، عاقلاً، قادراً، مقيماً، خالياً من الموانع، هذا الذي يجب عليه الصوم أداءً، يجب عليه أن يصوم رمضان في وقته.

- فالمسلم ضده الكافر لا يجب عليه الصوم، لكن هل يعاقب عليه في الآخرة؟ نعم يعاقب عليه، فالكافر يعاقب على كل واجب أوجبه الله وتركه وهو لا يقبل منه ولو فعل، الكافر يعاقب على كل شيء حلال تناوله وانتفع به والمسلم لا يعاقب على الحلال، الكافر إن أكل عوقب يوم القيامة، إن لبس عوقب يوم القيامة، كل لقمة يأكلها الكافر يعاقب بها يوم القيامة، كل شربة يشربها يعاقب بها يوم القيامة، ما هو الدليل؟ قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ [المائدة:93] وغير الذين آمنوا وعملوا الصالحات عليهم جناح -هذا في الطعام- وقال في اللباس: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الأعراف:32] غير المؤمنين وإن كانت لهم في الدنيا لكن ليست خالصة يوم القيامة، يعاقبون عليها، إذاً الإسلام ضد الكفر، فالكافر لا نلزمه بالصوم، لكن نمنعه في بلاد المسلمين من إظهار الأكل والشرب، وهذه مسألة يجب أن ننتبه لها، لا يجوز فتح المطاعم ولو للكفار -وطبعاً للمسلمين غير مفتوحة- في أيام رمضان، ومن رأى منكم صاحب مطعم فتحه في رمضان وجب عليه أن يبلغ الجهات المسئولة لمنعه، ولا يمكن لأي كافر أن يظهر أكلاً أو شرباً في نهار رمضان في بلاد المسلمين، يجب أن يمنع من ذلك.

- البالغ: ضده الصغير، الصغير لا يجب عليه أن يصوم، لكن قال العلماء: يجب على وليه أن يأمره بالصوم ليعتاده اتباعاً للصحابة -رضي الله عنهم-، فقد كان الصحابة يصوِّمون الصبيان حتى إن الصبي يصيح من الجوع فيعطونه اللعبة من العهن -وهو الصوف أو القطن وما أشبهه- يعطونه لعبة يتلهى بها إلى غروب الشمس، قال أهل العلم: نحن تبع لسلفنا الصالح نأمر أبناءنا بالصوم ونلهيهم ونلعبهم حتى تغيب الشمس.

- عاقل: ضده من لا عقل له من المجانين، والمهذرين، والمعتوهين، وما أشبه ذلك، هؤلاء ليس عليهم صوم ولا إطعام أيضاً.

- قادر: ضده العاجز، فالعاجز عن الصوم كما مر في الآية: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:184]

لكن العلماء بالتتبع يقولون: إن العجز على قسمين:

القسم الأول: عجز مستمر كعجز الشيخوخة، وأمراض السرطان، وما أشبهها، فهذه لا يُرجى زوالها إلا إن أمكن للشيخ أن يرجع شاباً، يقول الشاعر:

ألا ليت الشباب يعود يوماً *** فأخبره بما فعل المشيب

إذاً من عجز عن الصوم لكبر ففرضه الإطعام، من عجز عن الصوم لمرض لا يرجى زواله ففرضه الإطعام، يطعم عن كل يوم مسكيناً، أتدرون ماذا كان يفعل الصحابة؟ كان أنس بن مالك لما كبر وكان لا يستطيع الصوم فصار في آخر يوم من رمضان يصنع طعاماً فيجمع عليه ثلاثين فقيراً ويعشيهم، وتنتهي المسألة.

أما القسم الثاني من العجز: فهو عجز طارئ يرجى زواله، فهذا هو المذكور في الآية أن عليه كما قال تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:184].

- مقيم: ضده المسافر، فالمسافر لا يلزمه الصوم في السفر، له أن يأكل ويشرب ويجامع زوجته إن كانت معه ولا حرج عليه، ويقضي إذا عاد إلى وطنه، وله فسحة في القضاء من رمضان إلى رمضان كم شهراً؟ أحد عشر شهراً هو فيها مخير، صم القضاء في شوال، صم في ذي القعدة، صم في ذي الحجة، لكن لا تصم يوم العيد ولا أيام التشريق، صم في محرم، في صفر، في ربيع في ربيع، في جمادى في جمادى، في رجب، في شعبان، لكن لا تؤخر إلى رمضان الثاني.

والمسافر إذا كان ذاهباً للعمرة في رمضان هل يفطر في مكة؟ نعم يفطر في أم القرى، في أفضل البقاع في أيام العشر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو الأسوة وهو -صلى الله عليه وآله وسلم- أحرص الناس على الخير بلا شك، فتح مكة في العشرين من رمضان أو في الثامن عشر منها وبقي في العشر الأواخر في مكة ولم يصم، ثبت ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في صحيح البخاري أنه لم يصم، ما قال: هذا زمن شريف ومكان شريف فأنا آسف إن لم أصم، بل أخذ بتيسير الله ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ [البقرة:185].

ولقد شاهدت من يعتمرون في العشر الأواخر يدخل المسجد الحرام ويطوف وهو على آخر نفس من المشقة، ويسعى وهو على آخر نفس من المشقة، فإذا قيل له: أفطر، قال: أسف! كيف أفطر؟ يقول: لا ما يمكن أن أفطر في العشر الأواخر من رمضان وفي مكة، أتحمل والأجر على قدر المشقة، هذا خطأ، هذا فهم خاطئ، نقول: إذا كان أنشط لك أن تفطر فأفطر فأنت مأمور بالفطر.

وفي غزوة الفتح كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- سافر من المدينة في رمضان في السفر، كان يقول لهم: أفطروا ولكن لم يأمرهم بعزم، فلما قرب من مكة قال النبي الذي أعطاه الحكمة: «إنكم ملاقوا العدو والفطر أقوى لكم فأفطروا» ألزمهم بالفطر، كان في الأول رخصة ثم صار عزيمة؛ لأنه أقوى لهم على العدو، فكذلك أيضاً في العمرة إذا كان أقوى لك أن تفطر فأفطر، أنت جئت للعمرة فأدِ العمرة على ما ينبغي، ولكن لو سألنا سائل فقال: هل الأفضل أن أبادر العمرة في النهار وأفطر أو أؤخرها إلى الليل وأبقى صائماً؟ الأول أفضل؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- كان إذا قدم مكة معتمراً لا يتأخر، حتى أنه ينيخ راحلته عند المسجد ويدخل ويطوف قبل أن ينزل منزله فهذا أفضل.

- ومن الشروط كذلك أن يكون خالياً من الموانع: وهذا خاص بالنساء، وهو ألا تكون حائضاً ولا نفساء، فإن كانت حائضاً أو نفساء فإنه لا يلزمها أن تصوم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الحائض: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم».

فالحائض لا تصوم، ولو صامت هل يجزؤها؟ لا، قال أهل العلم: يحرم عليها الصوم بإجماع العلماء، ولا يصح منها الصوم بإجماع العلماء، وتقضي الصوم بإجماع العلماء، ثلاثة إجماعات: الإجماع الأول: يحرم. والثاني: لو صامت لم يصح. والثالث: يلزمها القضاء، هذه شروط وجوب الصوم.

مفسدات الصوم:

ما هي المفطرات؟

المفطرات: الأكل والشرب والجماع هذه ذُكرت في آية واحدة: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة:187] ما هذا؟ الجماع ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة:187]: أي النساء ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ [البقرة:187] هذا الأكل والشرب ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:187] قال: ﴿يَتَبَيَّنَ لَكُمْ﴾ [البقرة:187] ولم يقل: حتى يطلع، فلو فرض أننا شككنا: هل طلع الفجر أم لم يطلع فهل لنا أن نأكل ونشرب؟ نعم نأكل ونشرب، لو تبين بعد ذلك أن الفجر قد طلع، هل علينا القضاء؟ ليس علينا قضاء، لماذا؟ لأن الله قد أذن لنا أن نأكل ونشرب حتى يتبين، ونحن الآن ننظر إلى الأفق ونحن في شك، شخص يقول: طلع الفجر، وآخر يقول: ما طلع الفجر، فيجوز لنا أن نأكل ما دمنا شاكين، وإذا تبين أن الفجر قد طلع قبل أكلنا فلا قضاء علينا، سبحان الله! نأكل بالنهار ولا قضاء علينا! نقول: نحن حين أكلنا نعتقد أننا في الليل، وقد أذن الله لنا حَتَّى ﴿يَتَبَيَّنَ لَكُمْ﴾ [البقرة:187] وقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» يطلع الفجر ثم يؤذن؛ ولهذا رخص للإنسان إذا سمع الأذان والإناء في يده -لبناً أو ماءً- أن يشرب حتى يقضي نهمته منه، وهذا من التيسير.

إذاً هذه المفطرات الثلات: الجماع والأكل والشرب، ودليلها قوله تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:187].

الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهو الذي يغني عن الأكل والشرب مثل الإبر المغذية، الإبر المغذية مفطرة للصائم؛ لأنها تعطي البدن ما يعطيه الأكل والشرب، والله تعالى إنما حرم الأكل والشرب، وما كان بمعناهما فلها حكمهما؛ لأن الشريعة لا تفرق بين متماثلين، الإبر الأخرى التي تؤخذ في الوريد كإبر السكر وإبر البنج وإبر تخفيف الألم وما أشبهها هل تفطر؟ نقول: لا تفطر، فإذا قال إنسان: إنها مفطرة لأنها تصل إلى داخل الجوف، أو إلى داخل البدن أو تختلط بالدم، قلنا: بيننا وبينك كتاب الله ائت بحرف واحد يدل على أن مثل هذا مفطر وعلى العين والرأس، أما أن الله يقول: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ [البقرة:187] وأنت تقول: كل ما وصل إلى الدم أو إلى الجسم فهو مفطر، من قال هذا؟ أتضيق على عباد الله ما وسع لهم؟! الإبر التي بمعنى الأكل والشرب نقول: إنها مفطرة؛ لأنها تغني عن الأكل والشرب فهي بمعناه، ومع ذلك يا إخواني نقول: إنها مفطرة؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب، ونحن خائفون من الله أن نضيق على عباد الله؛ لأنه قد يقول قائل: القياس هنا قياس مع الفارق، كيف قياس مع الفارق؟ الأكل والشرب هل الإنسان يتمتع به بمجرد كونه غذاءً أو يتمتع به أولاً وقبل كل شيء لكونه مطعوماً لذيذاً؟ الثاني، فمن الجائز أن تكون العلة في إفطار الأكل والشرب هي التلذذ به أكلاً وشرباً ثم تغذية البدن به ثانيا، والتلذذ بالإبر المغذية مفقود، ولهذا نجد المريض الذي يغذى بهذه الإبر أشوق ما يكون إلى الأكل والشرب، وإذا رخص له في الأكل والشرب تجده يأكل القدر كله؛ لأنه مشتاق إليه تماماً، إذاً: فلو أن أحداً من الناس عارضنا وقال: قياسكم ممنوع لظهور الفارق، أظن أن نقف مكتوفي الأيدي لا نستطيع أن نرد عليه، ولهذا نحن نقول: إن الإبر المغذية مفطرة ونحن على وجل وخوف، ولكن يسهل علينا هذا القول أن الغالب أن الإنسان لا يحتاج إلى إبر مغذية إلا وهو مريض، والمريض يحل له الفطر، فنقول: استعملها وأفطر واقض يوماً بدله.

الخامس: نزول المني بشهوة بفعل من الصائم، ثلاثة شروط: نزول المذي هل يفطر؟ المذي ولو كان بشهوة، أو بفعل من الصائم لا يفطر، فلو أن الرجل قبل زوجته وأمذى فصيامه صحيح.

قولنا: بشهوة، لو نزل بغير شهوة -أحياناً يصاب الإنسان بمرض فينزل المني بدون شهوة- فإنه لا يفطر.

الثالث: بفعل الصائم، مثل: أن يباشر زوجته بالضم، أو الإيلاج بين الفخذين، أو ما أشبه ذلك، فينزل هذا بفعله، أو يستمني والاستمناء حرام في الصيام وغير الصيام، فإذا أنزل فسد صومه، فإن كان بغير فعل منه مثل أن فكر رجل وهو صائم في الجماع فنزل منه المني بشهوة فهل يفسد صومه؟ لا يفسد صومه، لقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:  «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» وهذا الرجل حدث نفسه ولم يعمل شيئاً، ما حرك ذكره، ولا ضم الأرض، ولا ضم شيئاً، ولا استمنى، إنما فكر فأنزل، نقول: صومه صحيح.

السادس: القيء عمداً، إذا استقاء الإنسان عمداً فسد صومه، فإن غلبه القيء بأن هاجت عليه معدته حتى خرج ما فيها فصومه صحيح، أين ورد في القرآن أن القيء مفطر؟ نقول: نعم، في القرآن موجود أن القيء مفطر: ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:7] قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «من ذرعه القيء» -أي: غلبه- «فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض»

سؤال:

لو هاجت معدته فهل يلزمه أن يمسكها أو يدعها؟ يدعها؛ لأنه لو أمسكها مع هيجانها وتهيئها للخروج كان في ذلك ضرر، لكن هل يجذبها؟ لأن بعض الناس إذا هاجت معدته جذبها لأجل أن يستقيء؟

الجواب:

نقول: لا، فإذا هاجت فقف منها موقف السلب، لا تجذبها ولا تمنعها ولا تضرك.

السابع: خروج الدم بالحجامة، ما هي الحجامة؟ أي: إذا حجم الإنسان فخرج منه دم فإن صومه يفسد ويفطر بذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:  «أفطر الحاجم والمحجوم» أفطر، أي: فسد صومه، لأن الصوم ضده الفطر، وفي معنى الحجامة الفصد والشرط، والفرق بينهما أن الفصد قطع العرق عرضاً والشرط قطعه طولاً، فإذا حصل فصد أو شرط وخرج دم كدم الحجامة، فإنه يفطر بذلك وسمعتم الدليل.

الثامن: خروج دم الحيض والنفاس، وهذا خاص بالمرأة، فإذا خرج من المرأة دم حيض أو نفاس ولو قبل الغروب بلحظة فسد صومها، وإن أحست به ولكن لم يخرج إلا بعد غروب الشمس ولو بلحظة فصومها صحيح، والدليل: قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الحائض: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» وعرفتم أن صوم الحائض لا يصح بالإجماع، فإذا حاضت في أثناء النهار فسد صومها، ولزم عليها القضاء، هذه هي المفطرات التي تفسد الصيام.

هل النظر بشهوة مفسد للصوم؟ ليس مفسداً؛ لأنه ليس من هذه الثمانية، التقبيل: قبَّل رجل امرأته بشهوة فهل ذلك مفطر أم غير مفطر؟ غير مفطر ولا ناقض للوضوء أيضاً، هذه المفطرات يشترط لكونها مفسدة للصوم ثلاثة شروط:

1- العلم.

2- الذكر.

3- الإرادة والاختيار.

العلم ضده الجهل، الذكر ضده النسيان، الاختيار ضده الإكراه وغير الإرادة، فإذا أتى الإنسان شيئاً من هذه المفطرات جاهلاً فصومه صحيح، وإن أتى واحداً من هذه المفطرات ناسياً فصومه صحيح، وإن أتى واحداً من هذه المفطرات غير مريد فصومه صحيح، ما هو الدليل؟ قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة:286] فقال الله: فد فعلت، وقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب:5] وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» 

ثم إن الخطأ والنسيان ورد فيهما نصوص خاصة:

مثال الخطأ: روى البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: أفطرنا في يوم غيمٍ على عهد الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ثم طلعت الشمس" إفطارهم هنا كان جهلاً، لو علموا أن الشمس لم تغرب ما أفطروا، هل أمروا بالقضاء؟ لا؛ لأنه لو وجب عليهم القضاء لأمروا به، ولو أمروا به لنقل إلينا، لأنه إذا أمر به كان من الدين، والدين لا بد أن ينقل إلى الأمة لا سيما في هذه الأمور الكبيرة.

ومثال النسيان: في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» هذا نص.

الشرط الثالث: الاختيار والإرادة، والدليل على اعتبار هذا الشرط قوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ﴾ [النحل:106] فإذا كان الكفر وهو أعظم المعاصي يرفع حكمه الإكراه فما دونه من بابٍ أولى، وإذا كان الإنسان لو كفر وهو مكره لم يخرج من الإسلام ولا إثم عليه، فلو أكل أو شرب وهو مكره لم يخرج من الصيام وليس عليه إثم.

مسائل مهمة في الصيام:

نأخذ على هذا مسائل: 

- رجل قام من آخر الليل وقدم السحور وأكل وشرب فإذا بالمؤذن يقيم الصلاة فما حكم صومه؟ صحيح؛ لأنه جاهل بالوقت، لو علم أن الفجر قد طلع ما أكل.

- رجل سمع الأذان في الراديو عند غروب الشمس فظنه أذان مسجده فأفطر، ثم إذا بمؤذن مسجد في حيه يؤذن، هل عليه قضاء؟ لا قضاء عليه؛ لأنه جاهل.

السؤال:

رجل جاءه الصبي وقد سمع الأذان في الراديو، فقال: يا أبي أذن، أذن يا أبي، فأفطر الرجل هل يقضي أو لا يقضي؟

الجواب:

هنا يختلف الأمر: هل يعتبر خبر الصبي؟ لا، هذا مفرط غير معذور؛ لأن خبر الصبي لا يوثق به فعليه القضاء، لكن لو جاءه بالغ عاقل وقال له: أذن، وهو قد سمع الأذان من الراديو، فظنه أذان الحي فأكل بناءً على خبره فصومه صحيح، إذاً لا يفطر الإنسان بالمفطرات إلا بشروط ثلاثة، وعرفتم أدلتها من الكتاب والسنة، والإنسان إذا أفتى أو إذا عمل في نفسه بما يدل عليه الكتاب والسنة فهو مطمئن، لكن يجب على كل واحد ألا يتسرع في الفتيا حتى يتبين له الأمر.

وختاماً لهذا اللقاء:

فإني أحث نفسي وإياكم على اغتنام وقت رمضان بالذكر، وقراءة القرآن، والصدقة، والإحسان إلى الخلق، والكف عن المحرمات، الكف عن الكذب، عن الغيبة، عن النميمة، عن الغش، عن كل محرم؛ لأن هذا هو المقصود من الصيام.

فضل القيام في رمضان:

أما القيام فإن قيام رمضان سنة، سنه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والمشروع أن يكون قيام رمضان جماعة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قام في الناس جماعة ثلاث ليالٍ، ثم تأخر، وقال: «إني خشيت أن تفرض عليكم» فبقي الناس بعد ذلك يصلي الرجلان، والثلاثة، والرجل الواحد، كل على حدة، وفي خلافة عمر خرج ذات يوم فوجد الناس أوزاعاً هذا يصلي وحده، والرجلان على حده، والثلاثة على حده، فرأى -رضي الله عنه- أن يجمع الناس على إمامٍ واحد، فجمعهم على تميم الداري، و أبي بن كعب، هذا يصلي أحياناً وهذا أحياناً، وأمرهما أن يصليا بالناس بإحدى عشرة ركعة، هكذا ثبت في موطأ مالك -رحمه الله- كما كان الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" وهذا هو العدد الأكمل والأفضل، فالإحدى عشرة أفضل من ثلاث وعشرين ولكن لا تكون الإحدى عشرة بالسرعة المعهودة عند كثير من الأئمة، لا تجد فيها طمأنينة، ولا دعاء، ولا تسبيحاً، غاية ما يكون أن يأتوا بالواجب حتى في التشهد، أكثر الأحيان إذا وصلت إلى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، قال: السلام عليكم، انتظر صل على النبي، تعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، دع الناس يدعون الله -عز وجل-، يقول: لا دعنا نمشي على طول لكي ننتهي قبل المساجد الأخرى، وإذا فعلنا ذلك فإن الناس يأتون إلينا كثيراً، لكن هذا غلط، نقول: اطمئن يا أخي، متى يحصل للإنسان رمضان؟ دع الناس يطمئنون ويدعون الله -عز وجل- وبدلاً من أن تخرج في ساعة، اخرج في ساعة ونصف.

والذي ينبغي لنا أن نصلي مع الإمام حتى ينصرف؛ من أجل أن ننال أجر الليلة كاملاً؛ لقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» وإن كان نائماً على فراشه، فكونك تبقى مع الإمام حتى ينصرف أفضل من كونك تنصرف قبل أن يتم، ثم في آخر الليل تقوم، ما دام الله يسر فصل، إذا صليت مع الإمام قيام ليلة كاملة، فاحمد الله على هذه النعمة، وقم مع الإمام حتى ينصرف، لكن إذا قال الإنسان: أنا أريد أن أتهجد في آخر الليل؛ لأن لي عادة بذلك، أو أرغب أن أناجي الله -عز وجل- في آخر الليل، قلنا: لا بأس، لكن إذا أوتر الإمام وسلم من وتره، فقم وأت بركعة ليكون الوتر في حقك شفعاً، ويكون وترك أنت آخر الليل، لقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:«اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً» وقال: «من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم من آخر الليل، فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة» وذلك أفضل.

السؤال:

فإذا قال قائل: كيف أخالف الإمام والإمام صلى واحدة وأنا صليت اثنتين؟

الجواب:

إن هذا جائز، أليس الرجل إذا كان مقيماً وصلى خلف إمام مسافر وسلم المسافر، ماذا يفعل؟ يتم، يأتي بركعتين أكثر من إمامه، يزيد على إمامه، وهذا مما جاءت به الشريعة. هذا الرجل زاد على إمامه لأنه ما نوى الوتر، نوى أن يصلي شفعاً ليجعل وتره في آخر الليل.

والمهم أننا نوصي هنا بوصيتين:

الوصية الأولى: للأئمة، والوصية الثانية: لسائر الناس.

أما الأئمة: فإننا نوصيهم بتقوى الله -عز وجل-، وأن يرفقوا بمن ورائهم، وأن يعطوا من وراءهم مهلة من أجل أن يذكروا الله، ويسبحوه، ويدعوه،، وإذا اقتصروا على إحدى عشرة ركعة مع الطول كان خيراً من ثلاث وعشرين ركعة مع السرعة الفادحة.

حدثني من أثق به أن رجلاً دخل المسجد في رمضان وهم يصلون صلاة التراويح -التراويح على العهد السابق- فقام يصلي معهم لكن كانوا في الأول يعجلون عجلة شديدة، يقول: فلما نام من الليل رأى في المنام أنه دخل هذا المسجد فوجد الجماعة يحندون ويرقصون، والحند معناه (كل واحد يأخذ جسمه وينزل) ويرقصون، إشارة إلى أن هذه الصلاة لعب، لا يطمئنون فيها، ولا يتمكنون من دعاء أو ذكر، لكن الآن ولله الحمد خفت المسألة، صار كثير من الأئمة يطمئنون في القراءة، يطمئنون في الركوع، في القيام بعد الركوع، في السجود، في الجلوس بين السجدتين، فيحصل خير كثير.

أما الوصية الثانية: فهي لعامة الناس أن يحرصوا على هذه التراويح، وأن يقوموا مع الإمام حتى ينصرف، أما ما يفعله بعض الناس ولا سيما فيما سبق من عهد، يصلي في هذا المسجد ركعتين، وفي المسجد الثاني ركعتين، والثالث ركعتين، فهذا ضياع، نقول: إذا صليت مع الإمام صلاة العشاء، فاجلس في المسجد إلى أن تُتم التراويح.

أسأل الله تعالى أن يتمم علينا وعليكم نعمته، وأن يجعلنا ممن يصومون رمضان ويقومونه إيماناً واحتساباً، إنه جواد كريم.

روابط ذات صلة: