وقفة محاسبة
مدة الملف
حجم الملف :
7795 KB
عدد الزيارات 3064

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة: هذا هو اللقاء الأول من هذا العام من اللقاءات الشهرية التي تتم في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذا اللقاء هو ليلة الأحد التاسع عشر من شهر محرم عام (1421هـ). أسأل الله تعالى أن يجعله لقاءً مباركاً نافعاً، هذا اللقاء كما علمتم الآن تم بعد صلاة العشاء، ولكن نظراً لكون الليل يقصر رأينا أن نقدمه في المستقبل فنجعله بعد صلاة المغرب؛ حتى يسهل على من جاءوا إلى البلد الرجوع إلى بلدهم مبكرين، وحتى لا يطول اللقاء في الليلة القصيرة، فعزمنا -إن شاء الله تعالى- في المستقبل أن يكون اللقاء بعد صلاة المغرب.

هذا اللقاء نذكر فيه إخواننا ماذا ختموا به العام الماضي؟ من الناس من ختمه بالحج إلى بيت الله الحرام «ومن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». ومن الناس من لم يحج ولكن صام يوم عرفة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم عرفة: «إنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده». ولكن مع ذلك لا نتكل على الأماني؛ لأن الإنسان قد يقصر في صومه، وقد يقصر في حجه، فلنتأمل هل نحن فيما مضى من عامنا السابق قمنا بالواجب؟ الواجب لله، والواجب لعباد الله، هل نحن قصرنا في العمل السابق؟ هل علينا واجبات لم نقم بها؟ هل نحن أدينا الزكاة التي هي حق لله وحق للعباد؟ قد نكون مقصرين في أداء الواجب من الزكاة، هل نحن أدينا ما يجب علينا لأقاربنا من النفقات، أو لأزواجنا من النفقات؟ هل نحن أمسكنا عن أعراض المسلمين ولم نغتب أحداً ولم ننم إلى أحد، أم أن الأمور على خلاف ذلك؟

فيجب علينا -أيها الإخوة- أن نحاسب أنفسنا عما مضى، أما المستقبل فهو إلى الله عز وجل، ولكن يجب على الإنسان أن يعزم عزيمة صادقة على أنه سيلتزم بما أوجب الله عليه لله أو لعباد الله، وليستعن بالله، وليقرأ قول الله عز وجل: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ [الشورى:13] وهذا من أهم الوصايا كما قال الله عز وجل: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى:13] يجب أن نعزم العقد من الآن على أن نكون أمة واحدة،على أن يكون هدفنا واحداً، على أن يكون منهجنا واحداً، على أن تكون قلوبنا متآلفة صافية، ليس فيها حقد على أحد، ولا بغضاء لأحد من المسلمين.

وعلينا إذا سمعنا عن أحد ما يقال عنه أن نتأكد أولاً هل هذا حق أو ليس بحق؟ فكم من شيء ينقل عن الشخص من قول، أو فعل، ولا يكون له أساس من الصحة، فلنتثبت أولاً هل وقع هذا الشيء أو لا؟ مثلاً: لو قيل لنا: إن فلاناً لا يصلي مع الجماعة، فهل نأخذ هذا بدون تثبت؟ لا. نتثبت أولاً، ثم إذا ثبت لدينا أنه مخل بواجب الجماعة فإننا لا نتخذ من هذا سبيلاً إلى غيبته، والتشمت به، وإلقاء العداوة والبغضاء في قلوب الناس بالنسبة له، علينا أن ننصحه، ولكن كيف النصيحة؟ النصيحة إما أن يذهب الإنسان إليه في بيته، أو يدعوه في بيته ويتكلم معه بالرفق، واللين، والترغيب، والترهيب، فإن استقام فهذا المطلوب، وإن لم يستقم برئت الذمة منه، وصار الإثم عليه.

التحذير من غيبة العلماء والأمراء وبيان أقسام العلماء.

كذلك قد نسمع عن بعض العلماء أخطاءً وليس أحدٌ معصوم من الخطأ، فهل نأخذ بما سمعنا دون تثبت؟ لا. لا بد للإنسان أن يتثبت؛ لأن هذا الناقل قد يكون فهم كلام العالم خطأً، وقد يكون سأل عن شيء ليس هو الذي يريد فأخطأ في التعبير فأجاب العالم على حسب ما سمع، والعالم إنما يجيب على حسب ما يسمع؛ لأنه لا يعلم ما في القلوب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنما أقضي بنحو ما أسمع» هذا وهو الرسول عليه الصلاة والسلام «فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئاً بغير حق فإنما أقتطع له جمرة من النار فليستقل أو يستكثر».

وإذا ثبت عن العالم ما نقل عنه فهل نطيل ألسنتنا بسب هذا العالم؟ لا. لا نفعل؛ لأن هذا لا يجدي من الحق شيئاً، وربما تأخذ العالم العزة بالإثم فيزداد في ما هو عليه من الخطأ، إذاً العلاج أن نذهب إليه -إلى هذا العالم- بأدب وبأسلوب رفيع ونقول: بلغنا عنك كذا وكذا فما وجهه؟ نرجو أن تبين لنا وجه ذلك؛ لأنك عندنا في منزلة عالية لعلمك وفضلك، فأخبرنا، إذا أخبر بوجهة ما قال وكانت الوجهة حقاً؛ فالواجب علينا أن نقبل ما قال، وأن ندافع عنه في المجالس، ونقول: إنما قال كذا لكذا وكذا، فننقذ سمعة الرجل ونبين الحق.

واعلموا -يا إخواننا- أن غيبة العلماء ليست كغيبة عامة الناس؛ لأن غيبة العالم لا شك أنها تؤثر عليه، لكن تؤثر على شيء أهم وهو ما يحمله من العلم من علم الشريعة؛ لأن الناس إذا لم يثقوا بالعالم لم يقبلوا قوله حتى لو قال الصواب، فتكون أنت إذا اغتبت العالم جنيت على العالم وعلى الشريعة؛ لأن الناس لا يثقون بقوله بعد هذا.

كذلك الأمراء وولاة الأمور، ليست غيبتهم كغيبة غيرهم، وليست غيبة غيرهم كغيبتهم؛ لأنك إذا اغتبت ولاة الأمور أو نشرت معايبهم بين الناس كرههم الناس، وصاروا إذا أمروا بالحق قال الناس: هذا باطل، وتمردوا عليهم، وماذا يحصل للأمة إذا تمردت على أمرائها؟ تحصل الفوضى، وربما يصل الأمر إلى أن تسيل الدماء، ولا يخفى علينا جميعاً ما وقع في بعض البلاد العربية بناءً على هذا، والواجب علينا إذا سمعنا وتأكدنا عن الأمراء ما لا ينبغي أن نناصحهم، أن نبذل لهم النصيحة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة». قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

هؤلاء خمسة:

أولاً: النصح لله عز وجل بأن تخلص له الدين، ولا تريد بالعبادة ما سوى الله عز وجل، لا تريد أن يمدحك الناس؛ فإن مدح الناس لا ينفعك ولا يضرك، لا ينفعك إلا ما كتب الله لك.

ثانياً: النصيحة لكتاب الله وهو القرآن، أن تصدق بأخباره، وأن تمتثل أوامره وأن تجتنب نواهيه، وأن تذود عنه تحريف المبطلين وغلو الغالين، القرآن كلام الله عز وجل وهو أمانة بين أيدينا يجب علينا أن نذب عنه وأن ندافع عنه.

ثالثاً: النصيحة للرسول، بالإيمان بأنه رسول الله حقاً، وأن نصدق خبره، وأن نمتثل أمره وأن نجتنب نهيه صلوات الله وسلامه عليه، فهو الإمام وهو القدوة والأسوة.

رابعاً: لأئمة المسلمين، وأئمة المسلمين هم الذين يقتدي بهم المسلمون إما بالتشريع، وإما بالتنفيذ، وهم العلماء والأمراء، العلماء أئمة يدعون الناس إلى كتاب الله عز وجل هم المقدمون في هذا، والأمراء أئمة، ولهذا من له السلطة العليا يسمى الإمام، فهم الأئمة ينفذون شريعة الله، وحينئذٍ يكون من الإمام الأول في الأئمة هم العلماء؛ لأن الأمراء يجب عليهم أن يتبعوا الحق الذي قاله العلماء، إذاً فالحقيقة أن الإمامة بيد العلماء، والمراد بالعلماء: العلماء الربانيون الذين هم العلماء حقيقة؛ لأنك إذا تدبرت أحوال العلماء وجدت أنهم ثلاثة أقسام:

الأول: عالم ملة.

الثاني: عالم دولة.

الثالث: عالم أمة.

الأول: عالم ملة: وهو الذي ينشر الملة، ويبينها للناس، ويعمل بها، ولا تأخذه في الله لومة لائم، هو يريد إقامة الملة لا غير، حتى إنه ليفتي أباه فيقول: يا أبت، هذا حرام، يا أبت، هذا واجب، ويفتي السلطان ويقول: هذا حرام وهذا حلال، لكن بالحكمة.

الثاني: عالم دولة، ينظر ما تشتهيه الدولة فيحكم به، ويفتي به حتى لو خالف نص الكتاب والسنة، وإذا خالف نص الكتاب والسنة شرع في تحريفه، وقال: المراد بكذا كذا وكذا، فحرف الكتاب والسنة؛ لإرضاء الدولة.

الثالث: عالم أمة، ينظر ماذا يريد الناس العامة فيفتيهم بما يستريحون إليه، حتى ولو كان على حساب نصوص الكتاب والسنة، ولذلك تجده يتتبع الرخص لإرضاء العامة، ويقول: هذه مسألة خلافية والأمر واسع. سبحان الله! الأمر واسع والله يقول عز وجل: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء:59] كيف تقول: هذه فيها خلاف وأمرها واسع؟! والله إن الأمر ضيق، وإذا وجد الخلاف يجب أن يحقق الإنسان في المسألة أكثر وأكثر حتى يتبين له الصواب، أما كونه يسترخي ويقول: هذه مسألة خلافية، والأمر واسع، وباب الاجتهاد مفتوح، وما أشبه ذلك، فهذا خطأ.

الواجب أن يتبع الإنسان ما دل عليه الكتاب والسنة سواءٌ أرضى الأمة أم أسخطها، والله عز وجل يقول: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص:65] ما قال: ماذا أجبتم العامة؟ ماذا أجبتم الدولة؟ ﴿مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص:65].

فليتق الله العالم إذا نوقش في مسألة قال فيها بخطأ ليتق الله وليتبع الحق، وليعلم أنه إذا تبع الحق بعدما تبين فإن ذلك والله رفعة له، وليس كما يخيله الشيطان أنه إضاعة له، بعض الناس يقول: إذا رجعت إلى فلان وفلان في المناقشة يعني أنني مهزوم ومغلوب، ولكن الواقع أنه هازم نفسه غالب على نفسه الأمارة بالسوء، ارجع إلى الحق أينما كان، وخذه من أي مصدر.

ألم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو أرجح الناس عقلاً، وأصوبهم صواباً، أُمر أن يستشير الناس، فقال الله عز وجل: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159] وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه إذا شاور سوف يرجع إلى الرأي الصواب سواءٌ كان رأيه أو رأي غيره.

فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل وأن يتبع الحق أينما كان، وأن يعلم أنه بتواضعه ورجوعه إلى الحق يزيده الله تبارك وتعالى رفعة وعزة في الدنيا والآخرة.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا جميعاً ممن رأى الحق حقاً واتبعه، اللهم اجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه، ولا تجعل ذلك ملتبساً علينا فنضل يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك في هذا الجمع أن تنصر إخواننا في الشيشان ، اللهم انصرهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اغفر لموتاهم، اللهم اجمع شمل أحيائهم.

اللهم إنا نسألك بعزتك وقوتك وقهرك أن تدمر دولة الروس، اللهم دمرها تدميراً يكون عبرةً للناس، اللهم فرق جمعهم، اللهم شتت شملهم، اللهم اهزم جندهم، اللهم أبدلهم بعد القوة ضعفاً، وبعد العزة ذلاً، وبعد الغنى فقراً، وبعد الاجتماع تفرقاً، وبعد الائتلاف تمزقاً، اللهم اجعل بأسهم بينهم يا رب العالمين، اللهم أقر أعيننا بهزيمتهم عاجلاً غير آجل، إنك على كل شيء قدير.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.